حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

مما استعمله العوام في ضد معناه الفصيح [10] تابع/ قصد المبالغة .. بقلم أ.د/ هاشم عبد الرحيم

أستاذ أصول اللغة المساعد بكلية اللغة العربية بأسيوط- جامعة الأزهر

فظِيـع

المعنى الفصيح:

        “فَظِيعٌ” مأخوذ من الفظاعة، يقال: “فَظُعَ الأمرُ بالضم فَظاعَةً فهو فَظيعٌ، أي: شديدٌ شنيعٌ جاوزَ المقدار. وكذلك أفْظَعَ الأمرُ فهو مُفْظِعٌ”([1]) “وَقَالَ أَبُو زيد: فَظِعْتُ بِالْأَمر أفظَع بِهِ فَظَاعة، إِذا هَالَك وغلبك، فَلم تثِق بِأَن تُطِيعهُ”([2]) ويقال: “فَظُعَ الْأَمْرُ فَظَاعَةً: جَاوَزَ الْحَدَّ فِي الْقُبْحِ، فَهُوَ فَظِيعٌ وَأَفْظَعَ إفْظَاعًا، فَهُوَ مُفْظِعٌ مِثْلُهُ. وَأُفْظِعَ الرَّجُلُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ: نَزَلَ بِهِ أَمْرٌ شَدِيدٌ”([3])، أو “نزل به أمر عظيم، ومنه قول لبيد:

وهُمُ السُعاةُ إذا العَشيرةُ أُفْظِعَتْ وهُمُ فَوارسها وهُمْ حكامها([4])

 

وأَفْظَعُت الشيءَ واستفظعتُه، أي: وجدته فظيعًا.”([5]) “وهو أمر فظيع ومُفْظِع، أي: شديدٌ مُبَرِّحٌ. وصورة فَظِيعة، أي: منكرة”([6])

        ومن شواهد هذا المعنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “لَا تَحِلُّ الْمَسْأَلَةُ إِلَّا لِذِي غُرْم مُفْظِع”([7]). المُفْظِع: الشَّدِيدُ الشَّنيُع، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: “لَمْ أرَ مَنْظَراً كَالْيَوْمِ أَفْظَع”([8]) أَيْ: لَمْ أرَ مَنْظرًا فَظِيعاً كَالْيَوْمِ. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: “لَمَّا أُسْرِيَ بِي وأصْبحْتُ بِمَكَّةَ، فَظِعْتُ بأمْري”([9]) أَيِ: اشْتَدَّ عليَّ، وهِبْتُه.”([10])

والشيء الفظيع: هو الذي تنكره النفوس.([11])

المعنى العامي:

كثرت كلمة “فظيع” عند العامة، فهم يقولونها مفصحين بها عن شدة إعجابهم بالشيء إذا بلغ الذروة في الحُسْن، ودونك قِطْفًا من واقعهم:

إذا خالَلْتَ رفيقًا إلى سوق الهواتف المحمولة -وكان شغوفًا بقنيتها- وبينا تتفقدون المتجر وقعت عيناه على منتج ذي منظر جاذب عالي الجودة، شده شكله، تجده يقول -متلهفًا مندفعًا إليه مسلوب الإرادة-: تليفون فظيع. ويعني: بلغ الغاية في الحسن والإمكانات والخصائص.

مشهد آخر، وذاك أن بعض النسوة اللائي ابتلين بتتبع الملابس المتجددة (الموضة) ينفقن عليها جُلَّ أموالهن، ولم يَبْلَ ما في حوزتهن، ثم إذا وجدتْ إحداهن مأربها في منتج مُجَوَّد أخَّاذ، قالت -مادحة، من حيث لا تشعر-: فستان فظيع، أو: عباءة فظيعة.

فــ”فظيع” في هذين الموقفين -وغيرهما كُثُر- تعني أن الشيء جاوز المقدار في الحسن والجمال واستقطاب الأبصار إليه، بحيث لا تصبر النفس عن قنيته.

استنتاج وتعليق:

        يفهم من هذا أن “فَظِيع” تأتي في الفصيح للدلالة على مجاوزة المدى في الشناعة والبشاعة والقباحة والسماجة؛ ولذا أوردها الثعالبي في الفصل الجامع للألفاظ الدالة على تقسيم القبح([12])؛ ومن هنا تنكره النفوس.

        أما العامة، فيطلقونه ويريدون أن المنعوت به جاوز المقدار في المحاسن والمحامد، وعليه فالمعنيان متضادان، فالفظيع لدى العرب سماجة في المنظر، قباحة في الهيئة، وعند العامة جمال في المرأى، حسن في المظهر.

        وإذا تبصرت المعنيين -عن كثب- بان لك أن علة التضاد تكمن في قصد المبالغة في الوصف؛ ذلك لأن المتكلم -في ظنه- لم يجد كلمة تفي بما في صدره من الشعور المتسامي بإعجابه بالشيء كهذه الكلمة “فظيع”.

======================

([1]) الصحاح 3/1259 (ف ظ ع)، وينظر: تاج العروس 21/504 (ف ظ ع).

([2]) تهذيب اللغة 2/181 (ع ظ ف).

([3]) المصباح المنير 2/478 (ف ظ ع).

([4]) البيت من الكامل، للبيد بن ربيعة العامري في: ديوانه ص180.

([5]) الصحاح 3/1259 (ف ظ ع)، وينظر: تاج العروس 21/504 (ف ظ ع).

([6]) الفرق بين الضاد والظاء في كتاب الله -عز وجل- وفى المشهور من الكلام، لأبي عمرو الداني ص89.

([7]) روي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- بلفظ: “إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ، أَوْ دَمٍ مُوجِعٍ”، وذلك في: سنن ابن ماجه 2/740 برقم (2198).

([8]) ورد برواية “وَرَأَيْتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا قَطُّ أَفْظَعَ” وذلك في: موطأ الإمام مالك، 1/186 برقم (2)، وبرواية “أُرِيتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَاليَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ”، وذلك في: صحيح البخاري 1/94 برقم (431).

([9]) ورد برواية: “لَمَّا كَانَ لَيْلَةُ أُسْرِيَ بِي وَأَصْبَحْتُ بِمَكَّةَ فَظِعْتُ بِأَمْرِي”، وذلك في: مصنف ابن أبي شيبة، 6/312 برقم (31700)، ومسند الإمام أحمد بن حنبل 3/251 برقم (2819).

([10]) النهاية في غريب الحديث والأثر 3/459، 460 (فظع)، واللسان 8/254 (ف ظ ع).

([11]) ينظر: الكليات، للكفوي ص917 .

([12]) ينظر: فقه اللغة وسر العربية، ص57 .

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu