Site icon كُنُوز الْعَرَبِيَّة

الحلقة الثانية: أعضاء النطق ومخارج الأصوات

أعضاء النطق ومخارج الأصوات

درسنا في الحلقة السابقة أن معرفة أعضاء النطق ومخارج الأصوات من الأمور المهم معرفتها لمعلم الناطقين بغير العربية، لما لهذه المعرفة من أثر قوي يساعد المعلِّم في تنمية المهارات اللغوية لدى المتعلمين، وإليك بيان كل من هذين العنصرين:

أولا- أعضاء النطق:

إن المسئول عن إخراج الصوت وآلته مجموعةٌ من الأعضاء التي يشترك بعضها في إخراج الأصوات كلها كالرئتين، بينما يشترك بعض منها في إخراج أصوات دون غيرها، كالحلق الذي يخرج العين والحاء.

وقبل بيان أعضاء الجهاز النطقي والوظائف الصوتية لكل واحد منها, نضع بين أيديكم عدة ملاحظات:

الأولى:

أن إصدار الصوت ليست الوظيفة الأساسية والوحيدة لهذه الأعضاء, وإنما هي وظيفة ثانوية لها, “فاللسان مثلاً وظيفته ذوق الطعام وتحريكه, والأسنان من وظائفها قضم الطعام وطحنه, والشم للأنف والتنفس له وللرئتين, وهكذا, فإصدار الصوت إن هو إلا وظيفة واحدة من الوظائف الكثيرة التي تقوم بها هذه الأعضاء”([1])

الثانية:

تنقسم الأعضاء السابقة من حيث الثبات والتحرك إلى:

الثالثة:

       بعض الأعضاء تعتبر مخرجًا لبعض الأصوات, كالحلق واللسان، وبعضها يساعد في عملية إنتاج الصوت فقط دون أن تكون مكانًا لخروج الأصوات كالرئتين والقصبة الهوائية، ولكن ذلك لا يلغي دورها المهم في عملية إنتاج الصوت.

الرابعة:

       أثبت علماء التشريح أن الجهاز النطقي عند الإنسان واحد، ولا يزيد عند البعض عن الآخرين شيئًا, وإذا ثبُت ذلك، فلابد من طرح سؤال مهمٍّ هو: لماذا يخرج صوت الشيخ المنشاوي-رحمه الله، على سبيل المثال- أندى وأنقى وأروع صوتًا مني؟

      والإجابة أن الفرق بيني وبين الشيخ – مثلاً- يعود إلى “الموهبة التي اختُص بها، وهي سيطرته على عملية التنفس، فهو أقدر من غيره على تنظيم تنفسه، والسيطرة على الهواء المندفع من الرئتين، والقدرة على تكييفه، وإخضاعه لنظام خاص في جريانه من الرئتين، حتى يصدر من الفم أو الأنف.. وقليل من الناس يستطيعون السيطرة على تنفسهم وإخضاعه لإرادتهم”([3]) وقد يستطيع الشخص تحسين صوته من خلال تعلُّم عملية التحكم في التنفس وإخراج الأصوات –مع وجود الموهبة الصوتية- مما يعرف بتدريب الوترين الصوتيين الذي يمارسه المغنون وأصحاب الحناجر الموسيقية، بطريقة وقواعد معينة متعارفة عندهم.

وأعضاء النطق من الداخل إلى الخارج هي:

1- الرئتان:

و”مكان الرئتين داخل القفص الصدري.. شكلهما العام كالكمثرى؛ ضيقتان من أعلى، عريضتان ومقعرتان من أسفل.. تتكون الرئة من نسيح مطاط غير عضلي يحيط بالحويصلات الهوائية، ويسمح هذا النسيج الإسفنجي بتمدد وانكماش الرئتين أثناء التنفس” ([4]) الذي يتكون من عمليتين، هما: دخول الهواء إليهما فيما يسمى بـ (الشهيق), وخروجه منهما فيما يسمى  بـ (الزفير).

وظيفتهما الصوتية:

تُعد هاتان الرئتان المصدر الذي يخرج منه الهواء الذي قد يحمل الصوت معه إلى خارج الفم, فالهواء الخارج منهما قد يكون مجرد هواء لازم لعملية التنفس, لا يحمل معه أيَّ صوت, وقد يشكل المادة الخام للصوت عندما يريد أن يصدر الإنسان صوتًا, ونقول المادة الخام؛ لأن هذا الهواء يتشكل بالأصوات المختلفة في مواضع أخرى تلي الرئتين والقصبة الهوائية.

2- القَصَبَة الهوائية:

هي عبارة عن: “أنبوب مرن مفتوح باستمرار، مزوّد بحلقات غضروفية، غير كاملة الاستدارة، وجدارها مبطّن من الداخل بنسيج ذي أهداب؛ ليحتجز العلائق والمواد الضارة التي قد تكون مع الهواء، فيمنعها ذلك من الدخول إلى الرئتين. وتتشعب القصبة الهوائية إلى شعبتين يطلق عليهما: الشعبتان الرئويتان، إذ تتصل كل شعبة منهما بواحدة من الرئتين”([5])

وظيفتها الصوتية:

    كان العلماء القدماء يظنون “أن لا أثر لها في الصوت اللغوي، بل هي مجرد طريق للتنفس؛ ولكن البحوث الحديثة برهنت على أنها تُستغل في بعض الأحيان كفراغ رنان ذي أثر بيِّن في درجة الصوت، ولا سيما إذا كان الصوت عميقًا”([6])

3- الحنجرة:

       تقع الحنجرة على قمة القصبة الهوائية، وهي عبارة عن حجرة متسعة، تشمل الوترين الصوتيين، وعدة غضاريف، ويعرف الجزء البارز منها (بتفاحة آدم)، وتعد الحنجرة عند الإناث أصغر حجمًا منها عند الرجال، وفي الوقت نفسه أكثر ارتفاعًا.

وظيفتها الصوتية:

    لهذا العضو أهمية كبيرة في عملية إصدار الصوت؛ ومن أهم وظائفه الصوتية:

4- الوتران الصوتيان:

ويُطلق عليهما البعض الحبلين الصوتيين, و”هما رباطان مرنان يشبهان الشفتين، يمتدان أفقيًّا من الخلف إلى الأمام، حيث يلتقيان عند ذلك البروز الذي نسميه تفاحة آدم، أما الفراغ الذي بين الوترين فيسمى المزمار, وفتحة المزمار تنقبض وتنبسط بنسبٍ مختلفة مع الأصوات؛ ويترتب على هذا اختلاف نسبة شد الوترين واستعدادهما للاهتزاز؛ فكلما زاد توترهما زادت نسبة اهتزازهما في الثانية، فتحتلف تبعًا لهذا درجة الصوت “([9])              

وظيفتهما الصوتية:

     يعد الوتران الصوتيان العضويْن الأهم في عملية إصدار الصوت؛ حيث”يقوم هذان الوتران بدور في غاية الأهمية بالنسبة لجهر الأصوات (عند اهتزازهما) وهمسها (عند عدم اهتزازهما)، وعلى وضع الوترين الصوتيين يمكن تحديد صفة الصوت من حيث الجهر والهمس([10])

وهذا تفصيل لأوضاع هذين الوترين بوجه عام:

   ولكن قبل أن نوضح هذه الأوضاع لابد من ذكر أن الوتريين الصوتيين يتحكم فيهما غضروفان هرميان، وسبب التسمية أن كلاًّ منهما على شكل هرميٍّ مثلث القاعدة، وهما صغيران جدًّا، حجم الواحد منهما لا يكاد يجاوز رأس الدبوس.

وضع الشهيق:

     فيه نجد المسافة بين الوتريين أوسع ما تكون، وبالطبع هذا الوضع لا دخل له في إخراج الأصوات اللغوية؛ فالأصوات تخرج مع الزفير, ولا علاقة لها بالشهيق، وفائدته تكون محصورة في إجراء عملية التنفس فقط.

وضع الزفير (الهمس):

    فيه نجد المسافة بين الوتريين واسعة، لكنها أقل منها في الوضع السابق، وهذا الابتعاد بين الوترين الصوتيين يتيح للهواء الخروج بسهولة ويسر دون الاهتزاز معه، وهنا تتكون الأصوات المهموسة

وضع الجهر:

  فيه يلتصق الوتران ويلتقيان بطولهما التقاءً تامًّا إلا موضع الوسط منهما، فيكون الاتصال فيه ضعيفًا؛ مما ينتج عنه خروج الهواء من هذا الجزء، محدثًا الاهتزاز، الذي ينتج لنا الأصوات المجهورة.

وضع الوشوشة:

  فيه نجد الالتقاء التام بين الوتريين، “بحيث لا يسمحان للهواء المرور من بينهما، ويتحرك الغضروفان الهرميان حركة مضادة يبتعد كل منهما عن الآخر، فيكونان فتحة على شكل مثلث، قاعدته الغضروف الحلقي، ورأسه عند أول الوترين من جهة الغضروفين الهرميين، ويخرج الهواء من هذه الفتحة، ولكن مع اهتزاز قليل، ولذلك يعتبر الصوت المنطوق في حالة الوشوشة، نصف متهز”([11])

وضع الغلق:

  فيه نجد الغضروفين الهرميين في مكانهما الطبيعي متجاورين، فيترتب على ذلك اقتراب الوترين اقترابًا ينتج عنه غلق الممر غلقًا محكمًا، فيتزايد ضغط الهواء تحتهما إلى درجة يرغم معها الوتران إلى الابتعاد، فيحدث الانفجار الذي نسمع معه صوت (الهمزة)، ويلاحظ أن الغلق في هذه الحالة يكون على طول الوترين، وأيضًا على طول الغضروفين الهرميين”([12])

5- لسان المزمار:

قلنا قبل ذلك إن الفراغ الذي يوجد بين الوترين الصوتيين يسمى المزمار؛ ولهذا المزمار “غطاء نسميه لسان المزمار، وظيفته الأصلية أن يكون بمثابة صمام يحمي طريق التنفس في أثناء عملية البلع”([13])؛ فيتجه الماء والطعام إلى البلعوم.

وظيفته الصوتية:

هذا العضو “يمكن أن يتحرك بأن ينعقف فوق تجويف الحنجرة، أو ينزاح إلى الأمام بعيدًا عن فتحة الحنجرة، وهذا مما يؤثر- أيضًا- على صندوق الرنين الموجود في الحلق”([14]

6- الحلق:

هو الجزء الواقع بين الحنجرة وأقصى اللسان.

وظيفته الصوتية:

  1. كونه مخرجًا لبعض الأصوات: العين والحاء, وتنسب هذه الأصوات إليه؛ فتسمى الأصوات الحلقية.
  2. يعتبر الحلق حجرة خلفية([15]) للرنين الصوتي في بعض الأصوات.

7-اللهاة:

تحتل الجزء الموجود في نهاية الحنك اللين، وتقع بين التجويف الفمي والتجويف الأنفي, وتتميز بمرونتها وقدرتها على الحركة.

وظيفتها الصوتية:

  1. تعتبر اللهاة مخرجًا لصوت القاف.
  2. للهاة وضعان تتخذهما:

فعندما ترتفع إلى أعلى تغلق طريق الأنف أمام الهواء الحامل للصوت, فيخرج من الفم, وذلك مع الأصوات غير الميم والنون.

وعندما تنخفض بدرجة معينة تفتح الطريق الأنفي أمام الهواء لتشكيل حرفي الميم والنون، فهما صوتان أنفيان.

8- الحنك:

    هو الجزء الذي يبدأ من اللهاة في أقصى الفم وحتى أصول الأسنان الأمامية, ويقسمه العلماء إلى ثلاثة أقسام:

أ- الحنك اللين: وهو الجزء اللين القابل للحركة، والموجود في آخر الفم، متَّصلا باللهاة، ومحازيًا لأصل اللسان, ويمكن تحسس ليونته بالإصبع.

ب-  الحنك الصلب: هو الجزء الثابت، والموجود في وسط الفم ما بين اللثة والحنك اللين, والمحازي لوسط اللسان، ويمكن تحسس صلابته بالإصبع.

ج- مقدم الحنك (اللثة أو أصول الثنايا العليا):

    وهو الجزء الثابت الذي يلي أصول الأسنان الفوقية, والمحازي لطرف اللسان, ويشتمل على ما يعرف باللثة.

    يعد مخرجًا لبعض الأصوات، بالمشاركة مع مقدم اللسان، ومن هذه الأصوات: الشين.

9- اللسان:

يعد اللسان من أهم أعضاء النطق؛ ولأهميته هذه فقد أُطلق اللسان في بعض اللغات على اللغة نفسِها، ولا غرو فقد عبَّر به ربُّنا عن اللغة العربية، فقال تعالى: ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾([16]) أي بلغة عربية واضحة,وقال جل شأنه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾([17])، أيْ بلغة قومه.

    واللسان في الجهاز النطقي هو: عبارة عن عضو مرن في الفم يتكون من مجموعة من العضلات والأعصاب المتقاطعة والمتداخلة.

    للسان عمومًا وظائف صوتية- بخلاف الوظائف التي يقوم بها كل جزء من أجزائه على ما سيأتي تفصيله- منها:

وقد قسَّم بعض علماء الأصوات اللسان إلى أربعة أجزاء:

الأول- مؤخر اللسان:

    وهو الجزء المقابل للحنك اللين.

    له دور كبير في إنتاج بعض الأصوات, كالكاف.

الثاني- وسط اللسان:

    وهو الجزء المقابل للحنك الصلب.

    له دور كبير في إنتاج بعض الأصوات, كالجيم المعطشة.

الثالث- مقدم اللسان:

    وهو الجزء المقابل للحنك المقدم واللثة.

    له دور كبير في إنتاج بعض الأصوات, كالسين.

الرابع- ذلق اللسان (طرفه):

    وهو الطرف المدبب، الذي يلامس الأسنان, والبعض يدخل هذا الجزء في مقدم اللسان، ومن ثم يقسم اللسان إلى ثلاثة أجزاء.

    له دور كبير في إنتاج بعض الأصوات كاللام.

10- الأسنان:

لكل إنسان في الأحوال الطبيعية مجموعة من الأسنان قد تختلف حسب السن، ولكنها في العادة تصل إلى اثنتين وثلاثين، ست عشرة منها علوية ومثلها سفلية.

11- الشفتان:

هما ” عبارة عن شريطين عريضين يشكلان فتحة الفم, وبهما مجموعة من العضلات المتصلة بعضلات الوجه وعضلات الذقن, وهذه المجموعة لها دورها في حركة الشفتين”([19])

12- التجويف الأنفي

    يمتد هذا التجويف من الحلق, وينتهي بفتحة الأنف, مُقسَّمًا من ناحية الحلق إلى فراغات تعرف بالفراغات الأنفية, تليها فراغات أخرى تعرف بالجيوب الأنفية.

==============

([1]) علم الأصوات (132). 

([2]) قد يعتقد البعض أن الأسنان السفلى متحركة، ولكن الحقيقة أن ما يتحرك هو الفك السفلي كله أما الأسنان فيه فثابتة.

([3]) ينظر: دراسة الصوت اللغوي (27).

[4])) دراسات صوتية (69، 70).

([5])الأصوات اللغوية رؤية عضوية (69، 70) بتصرف يسير

([6]) الأصوات اللغوية (18), وينظر: الأصوات اللغوية رؤية عضوية (69)

([7]) الأصوات اللغوية (18) بتصرف يسير

([8]) دراسة الصوت اللغوي (102)

([9]) الأصوات اللغوية (18، 19)

([10]) مقدمة في أصوات اللغة العربية (44)

([11]) علم الصوتيات (95)

([12]) علم الصوتيات (93)

([13])الأصوات اللغوية (19)

([14])علم الصوتيات (178)

([15]) تقابلها حجرة رنين أمامية في الفم, يلعب فيها اللسان دورًا كبيرًا.

([16]) الشعراء (195).

([17]) إبراهيم (من الآية 4).

([18]) الأصوات اللغوية رؤية عضوية (37).

([19]) علم الصوتيات (104).