Site icon كُنُوز الْعَرَبِيَّة

المنهج، والحاجة إليه في البحث العلمي

المنهج اسم مفعول من الفعل الثلاثي (نَهَجَ)، وهو مأخوذ من مادة (ن. ه. ج)، وقد ذكر ابن فارس لهذه المادة أصلين، أولهما – وهو المقصود هنا- ” النَّهج: الطريق، ونَهَجَ لي الأمرَ: أوضَحَه، وهو مستقيم المنهاج. والمَنْهَج: الطريق أيضا، والجمع المناهج..” ([1])

وقد زاد الجوهري صفة الوضوح فقال: ” النَّهْج: الطريق الواضح، وكذلك المَنْهَج والمِنهَاج. وأنهَجَ الطَّريقُ، أي: استبان وصار نَهْجًا واضحًا بَيِّنًا..” ([2])

هذا من الناحية اللغوية، أما على الجانب الاصطلاحي، فنجد للمنهج تعريفات متعددة، منها:

وبالنظر في التعريفات السابقة نلاحظ أن مضمونها لا يبتعد عن المعنى اللغوي، من حيث هو طريق معين من المفترض أن يكون مستقيمًا واضحًا للباحث؛ حتى يؤدي به إلى النتائج المرجوة من بحثه.

ولابد أن نذكر أن العلوم تختلف من حيث اعتمادها على مناهج معينة قد لا تلائم علوما أخرى، ومن ثم فهناك مناهج تشتهر في ميادين معرفية، وتفتقد إلى هذه الشهرة في ميادين أخرى، فعلى سبيل المثال ” فقد استخدمتْ الدراسات اللغوية الحديثة جلَّ أنماط المناهج العلمية في البحث، بيد أن الشائع منها لتناغمه مع طبيعة القضايا اللغوية، والهدف من دراستها هو المنهج الوصفي، والتاريخي، والمقارن، والمعياري.. وليس معنى ذلك أن المناهج الأخرى معدومة الفائدة، أو قليلة الجدوى بل كثيرا ما يلجأ إليها الباحث لصحة فرض، أو اختبار نتيجة، أو قياس شاهد على غائب، بل إن بعضها كالمنهج العملي يعد من الأسس الرئيسة في دراسة المستوى الصوتي للغة المنطوقة.” ([6])

الفرق بين المنهج والمنهجية:

لابد أن نوضح أن هناك فرقًا- فيما نذهب إليه- بين المنهج والمنهجية التي يتبعها الباحث في بحثه، فكما وضحنا فإن المنهج هو الطريق المًتبَّع في الوصول إلى النتائج المرجوة من الدراسة أو البحث. وأما المنهجية فهي عبارة عن قواعد معينة ومحددة يختطها الباحث في إطار المنهج المختار، أو بمعنى آخر: المنهجية هو التطبيق الفعلي للمنهج من خلال آلياته المتعددة أو هو (آليات المنهج). وهذه القواعد أو الآليات يقبلها المشتغلون في هذا المجال. أو يمكن القول إن المنهجية هي آليات المنهج وإجراءاته التي يُستعان بها في تحقيق الأهداف.

ومن الواضح من خلال الجانب اللفظي أن المنهجية مصدر صناعي يدل على الجانب التطبيقي للمنهج، ومثل ذلك المعجمية كجانب تطبيقي لعلم المعجم، والمصطلحية كجانب تطبيقي لعلم المصطلح عند من يفرقون بين هذه المصطلحات.

على سبيل المثال:

في دراسة بعنوان (قراءة الإمام علي رضي الله عنه دراسة وصفية)، فالمنهج المتبع كما هو موضح في العنوان المنهج الوصفي القائم على أسسٍ، منها (جمع المادة العلمية).

لكنّ المنهجية تأتي من خلال الإجابة عن أسئلة معينة هي:

هل ستكون دراستي إحصائية لجمع مواضع هذه القراءة أم سأعتمد فيها على النماذج؟ أو بمعنى آخر سأستخدم المسح الشامل لمواضع الدراسة، أم سأعتمد على العينات.

إذا كان المسح الشامل هو المختار فهل سيكون في كتاب بعينه أم في الكتب المتعددة؟ ثم ما آلية هذا المسح: يدوي أم وثائقي؟ إلخ

وإذا كنت سأعتمد على نظام العينة فهل ستكون عشوائية أم منتظمة؟

ما كيفية التعامل مع هذه القراءات من حيث التوثيق؟ والتصنيف والتحليل….إلخ

كيف أحدد المنهج المناسب لبحثي؟

هناك العديد من الأمور التي تؤدي إلى اختيار الباحث منهجًا معينًا من مناهج متعددة يسلكه في سبيل الوصول إلى نتائج دقيقة لبحثه، من هذه الأمور:

ولابد أن يعرف الباحث عدة أمور مهمة خاصة بالمناهج، هي:

الحاجة إلى (المنهج) في البحث العلمي:

إن البحث العلمي كما قلنا لا تتم بطريقة عشوائية، وإنما من خلال آليات محددة، ومن ثم فإن المنهج هو الضابط لهذا التنظيم المنشود في مثل هذه الأبحاث. ” فأهمية المنهج للدراسة لا تقل عن أهمية الماء للكائن الحي؛ إذ به يتمكن الباحث من بث الروح في كيان بحثه، ولك بمتابعة الظاهرة المدروسة وتحليلها بدءًا بجمع المادة العلمية، وانتهاءً بالنتائج والتوصيات التي يراها مطبقا إجراءات منهجٍ ما بدقة وفعالية، تمكنه من الوصول ببحثه إلى مصاف الدراسات العلمية الدقيقة.” ([7])

إن عدم اعتماد منهج معين في دراسةٍ ما لن يوصل إلى نتائج وإن توصل إلى بعضها فلن تكون دقيقة وموضوعية فقد ” يؤدي عدم وضوح المنهج، أو عدم وجوده أصلا، أو السير على أساس خطواته ولكن دون الوعي التام به – إلى الوقوع في الكثير من الأخطاء، وإخراج بحث غير متكامل يسيطر عليه التفكك والبعد عن الدقة في المعالجة للموضوع أو الظاهرة المدروسة.” ([8])

وقد يغتفر للباحث الخطأ في المنهجية بمعنى أن لا يوفق في الخطوات التي اختارها لبحثه أو في تطبيقها، مما نراه في الأعم الأغلب من المناقشات العلمية لرسائل الماجستير والدكتوراه، مما يُظهر مدى تفوقه بحث على آخر، وتمكن باحث من أدوات بحثه دون آخر, لكن لا أعتقد أنه مما يغتفر في البحث العلمي ألا يسير الباحث على منهج من الأصل، مما قد يدخل في مجالات أخرى تصنف في غير خانة (البحث العلمي).

[1])) مقاييس اللغة، مادة: (ن. ه. ج).

[2])) تاج اللغة وصحاح العربية: (ن. ه. ج).

[3]))  مناهج البحث العلمي (3).

[4])) السابق (4)

[5])) البحث العلمي: حقيقته، ومصادره، ومادته (1/174)

[6])) البحث اللغوي: أصوله ومناهجه (79)

[7])) البحث اللغوي: أصوله ومناهجه (78) د. عبد المنعم عبد الله.

[8])) مناهج البحث اللغوي (105) د. محمود ياقوت.