حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

المعنى في شروح المنظومات الحديثية- دراسة في بعض شروح منظومة (غرامي صحيح) [9] بقلم د. عمرو عطيفي

مدرس بقسم اللغة العربية وآدابها في كلية الآداب - جامعة القاهرة

تابع/ نسبة شيوع الشواهد:

وإذا انتقلنا إلى السفاريني في ملحه، وجدنا الشواهد غير اللغوية كثيرة كثرة مفرطة، فقد أكثر وأفرط وأطنب واستطرد في ذكر الشواهد المتعلقة بأحوال المحب وعلاقته بمحبوبه، أما الشواهد اللغوية، فقد كانت قليلة بل نادرة. ويلفت الانتباه مطلع قصيدة ابن فرح التي كثرت فيها الشواهد الدالة على معنى كلمة الغريم، مما يوهم باعتناء السفاريني بكثرة الشواهد الداعمة لمعنى الألفاظ أو معاني النحو، فهو في لفظة الغريم يقول: “ويكون الغريم أيضًا الذي له الدين، قال كثير عزة، وقد وعدته بشيء ولم تف له به:

قضى كل ذي دين فوفى غريمه … وعزة ممطول معنَّى غريمها

ومن المادة قوله تعالى: (إن عذابها كان غرامًا). والغرام: الشر الدائم اللازم والعذاب، قال بشر:

ويوم الشار ويوم الجفار … كان عذابًا وكان غراما

أي شرًّا دائمًا وبؤسًا لازمًا. قال الأعشى:

إن يعاقب يكن غرامًا وإن …. يعطي جزيلًا فإنه لا يبالي”([1])

        غير أن المتتبع شرحه لا يظفر بشاهد على لفظ أو وظيفة نحوية إلا قليلًا([2])، إذ غلبت الشواهد الدالة على حال أهل المحبة والهوى، والفرق بين صبر العابدين وصبر المحبين، وسلطنة الحب على القلوب، وتلذذ الحبيب بسماع محبوبه، وسرور المحب بلقاء محبوبه، وبغية المحب لقاء من يحب، وعذاب الحب، وغيرها مما أفرط في ذكره السفاريني على لسان أهل العشق، والشواهد مبثوثة في كل أبيات القصيدة لعلاقة ناشئة بين معنى البيت أو جزء منه وغيره من المعاني المشابهة عند غير الناظم، غير أن السفاريني لا يكتفي بذلك بل يزيد ويستطرد، فهذا المعنى استدعى قول الآخر الذي فرض قول ثالث الذي ألزم قول الرابع، وهكذا. ففي شرحه لقول الناظم في البيت الخامس:

ولو كان مرفوعًا إليك لكنت لي … على رغم عذالي ترق وتعدل

يقول: “يقول: لو شاهدت بلبالي وسيخ ما أنا فيه بالبال لكنت تلطفت. أين النائم في ألين الفراش كالهائم كالفَراش، وكم الذي سائر أوقاته عذاب من الذي كل ساعاته عذاب:

سهرت ومن أهدى إلى الشوق نائم … وعُذب قلبي بالهوى وهو سالم

فواحسرتي حتى متى أنا قائل …. لمن لامني في حبكم أنت ظالم

وحتى متى أخفي الهوى وأسره … وأدفن شوقي في الأحشاء وأكاتم

أريد الذي قد سركم بمساءتي … ليغفل واش أو ليتعذر لائم

يقول: لو كنت تعلم جوى بي لكنت تحسن جوابي، ولكن أين الخلي من الملي، قال بعض العشاق:

يا رب إن لم تقسم الحب بيننا … شطرين فاجعل لي على هجرها جلدا

وأعقبني السلوان عنها ورد بي ….  فؤادي من سلمى أشكر به حمدا

قلت ما أنصف هذا العاشق حيث طلب من الله سبحانة وتعالى سلوان محبوبه، فهلا قال كغيره:

بي لا بها ما أقاسي من تجنيها … ومن جوى الحب بالأحشاء أفديها

والله يعلم أني لا أُسر بأن …. تلقى من الوجد ما لاقيته فيها

خوف البكاء كما أبكي فتتركني …. أبكي على كبدي طورًا وأبكيها

ولم تزل العواذل تصدع قلوب المحبين ، ولم يزل العشاق يبتهلون إلى الله بالدعاء على العاذلين، قال شاعرهم:

ومهما يجافي الحب لأخي فإنه … لعمرك عندي من ذوي الجهل أجهل

والعاذل تارة يسمونه لاجئًا، وتارة كاشحًا، وتارة لائمًا، وتارة مفندًا، وكل ذلك عندهم مذموم، وصاحب اللوم في رأيهم يسمى ظلوم.

قيل إن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء المعتبرين وقد عشق حتى اشتهر أمره وعيل صبره:

كتمت الهوى حتى أضر بكم الكتم …. ولامك أقوام ولومهم ظلم

فنمَّ عليك الكاشحون وقبلهم …. عليك الهوى قد نمَّ لو ينفع النَّم

فأصبحت كالهندي إذا مات حسرة … على إثر هند أو كمن شفَّه هند

تجنبت إتيان الحبيب تأثمًا … إلا أن هجران الحبيب هو الإثم

فذق هجرها قد كنت تزعم أنه … رشاد الأيا ربما كذب الزعم

ولي من قصيدة:

ولم ترض عذالي بهذا لأنهم …. كإبليس في التجسس والغي بل أغوى

فما لي وعذالي فإني حسبتهم … ككلب عقور أسود اللون بل أعوى

وفوضت أمري يا أديب لخالقي ….  فكم جاء في التفويض أثر يروى

شعر:

إن الذين بخير كنت تذكرهم … هم أهلكوك وعنهم كنت أنهاكا

لا تطلبن شفاء عند غيرهم …. فليس يجيبك إلا من توفاكا”([3])

وهكذا سار السفاريني في شواهد شرحه أبيات في الحب وأحواله تستدعي أبياتًا تلو الأبيات، حتى غدا الشرح في الحب ومعناه أكثر منه في مصطلح الحديث.

=======================

([1]) الملح الغرامية، ص 18، ص 19.

([2]) انظر على سبيل المثال: الملح الغرامية، ص 25، ص 41.

([3]) الملح الغرامية، ص 34: 36.

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu