حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

أساليب العرب والأعراب في الدعاء على الإنسان دراسة في ضوء علم اللغة الاجتماعي [الحلقة العاشرة].. بقلم أ.د/ فاطمة رجب

أستاذة أصول اللغة ووكيلة كلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات بالقاهرة

جريان أسلوب الدعاء مجرى المثل

المثل كما عرفه المرزوقي : ” جملة من القول مقتضّبةٌ من أصلها أو مرسلةٌ بذاتها فتتَّسم بالقبول وتشتهر بالتداول فتنقل عما وردت فيه إلى كلّ ما يصح قَصْدُه بها من غير تغيير يلحقها في لفظها وعما يُوجبه الظاهر إلى أشباهه من المعاني فلذلك تُضْرب وإن جُهلت أسبابُها التي خرّجت عليها واستجيز من الحذف ومُضَارع ضرورات الشعر فيها ما لا يُسْتَجازُ في سائر الكلام”[1]

   وكان من عادة العرب ضرب الأمثال ، يقول أبو عبيد : ” الأمثال حكمة العرب في الجاهلية والإسلام وبها كانت تعارض كلامها فتبلغ بها ما حاوَلَتْ من حاجاتها في المنطق بكنايةٍ غير تصريح “[2]

   وقد اجتمع للأمثال خصال ثلاث هى : “إيجازُ اللفظ وإصابة المعنى وحسن التشبيه وقد ضربها النبي (صلى الله عليه وسلم) ، وتمثَّل بها هو ومن بعده من السلف”[3].

   وقد فسر ابن جني وجه مجيء أسلوب الدعاء على الإنسان على هيئة المثل  فقال :” قولهم : لا أبالك ، كلام جَرَى مجرى الَمَثل . وذلك أنك إذا قلت هذا فإنك لا تنفى في الحقيقة أباه ، وإنما تخرجه مُخْرَج الدعاء أي أنت عندي مّمن يَستحقّ أن يُدْعى عليه بفقد أبيه . كذا فسّره أبو عليّ وكذلك هو لمتأمِّله ألا ترى أنه قد أنَشد توكيدا لمّا رآه من هذا المعنى فيه قوله :

وتُتَرك أخرى فَرْدة لا أخَا لها[4]

 ولم يقل : لا أخت لها ؛ ولكن لّما جرى هذا الكلام على أفواههم (لا أبالك )  و( لا أخا لك ) قيل مع المؤنَّث على حدّ ما يكون عليه مع المذكّر، فجرى هذا نحواً من قولهم لكل أحدٍ من ذكر وأنثى واثنين وجماعةٍ ( الصيفَ ضيعتِ اللبن )[5] على التأنيث لأنه كذا جرى أوَّلُه “[6]

     ويدلل ابن جني على خروج الدعاء مخرج المثل بقوله : ” يؤكِّد عندك خروجَ هذا الكلام مَخْرَج الَمثَل كثرتُه في الشِعْر ، وأنه يقال لمن له أب ، ولمن ليس له أب .

       فهذا الكلام دعاء في المعنى لا محالة وإن كان في اللفظ خبرا . ولو كان دعاء مصرحَا ، وأمرا معنيّا ، لمَاَ جاز أن يقال لمن لا أب له ؛ لأنه إذا كان لا أب له ، لم يجز أن يُدْعَى عليه بما هو فيه لا محالة ؛ألا ترى أنك لا تقول للأعمى : أعماه الله ، ولا للفقير: أفقره الله”[7]

ومن الأمثال التي تجري مجرى المثل :

ـ رَمَاهُ اللّه بِالطُّلاَطِلَةِ وَالْحُمَّى المُمَاطِلَةِ

 “الطُّلاَطلة : الداء العُضَال لا دواء له وقال أبو عمرو : هو سقوط اللَّهَاة

 يضرب هذا لمن دُعِيَ عليه أي رماه اللّه بالداهية”[8]

ـ أباد الله خضراءهم : “قال الأصمعي : معناه أذهب الله نعمتَهم وخِصْبَهم ومنهم من يقول : أباد الله غضراءهم أي خَيْرَهم وخِصْبهم، وقال بعضهم : أي بهجَتَهم وحُسْنهم وهو مأخوذ من الغَضَارة وهي البهجة والحسن “[9]  .

ـ أجنّ الله جِبِاله :” قال الأصمعي أي أجنَّ الله جبِلَّته أي خلقه، وقال غيره: أجن الله جباله أي الجبال التي يسكنها، أي أكثر فيها الجِنّ “[10]

وقد ورد عدد من الأساليب في كتب الأمثال منها[11]:

ـ رماه بثالثة الأثافي. القطعة من الجبل يجعل إلى جنبها حجران و ينصب عليها القدر. يريد: الدّاهية.

– رماه بأقحاف رأسه. أي بالدّواهي العظام.

– رماه بحجره. أي قَرَنَهُ بنظيره.

– رماه اللّه بداء الذّئب. الذّئب لا يصيبه داء إلّا الموت.

تعقيب:

  من عادات العرب اللغوية ضرب الأمثال ؛ لما تتسم به من بلاغة ، وفصاحة ، وإيجاز وحسن تشبيه ، وقد وردت الأساليب في صورة المثل ، فاتسمت بسماتها ، واشتهرت شهرتها . لخفتها ، وإيجازها ، وبلاغتها … إلخ .

======================

[1]ـ  المزهر ج 1 ص 486

[2] ـ السابق

[3]ـ السابق

[4] ـ البيت من الطويل ، وصدره : أفي كل عامٍ بيضةٌ تفقؤونها .. ينظر  : التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل لأبي حيان الأندلسي . ج 5 ص  263 { تح د. حسن هنداوي ، دار القلم – دمشق .ط . الأولى }، و خزانة الأدب ولب لباب لسان لعبد القادر بن عمر البغدادي (ات 1093هـ) ج 4 ص 104{ تح / عبد السلام محمد هارون . مكتبة الخانجي، القاهرة ، ط .الرابعة، 1418 هـ – 1997 م }

[5] ـ مثل يضرب لمن  طلبتِ الشيء في غير وقته وذلك أن الألبان تكثر في الصيف فيضرب هذا مثلاً للرجل يترك الشيء وهو ممكن ويطلبه وهو متعذر . ينظر : الزاهر فى معانى كلمات الناس لأبي بكر محمد بن القاسم الأنباري  ج 2 ص 185{ تح / د. حاتم صالح الضامن . مؤسسة الرسالة – بيروت . ط. الأولى  – 1412 هـ

[6] ـ الخصائص لأبي الفتح عثمان بن جني ج 1 ص 344 .

[7] ـ السابق ج 1 ص 345

[8] ـ مجمع الأمثال لأبي الفضل أحمد بن محمد الميداني النيسابوري . تح : محمد محيى الدين عبد الحميد ج 2 ص 304 { دار المعرفة – بيروت }.

[9] ـ مجمع الأمثال ج 1 ص 104

[10] ـ الفاخر في الأمثال للمفضل بن سلمة بن عاصم الضبي (ت 291هـ) تح: محمد عثمان ص 76، دار الكتب العلمية . بيروت . لبنان 1971م

[11] ـ كتاب الأمثال لزيد بن رفاعة الهاشمى ( 373هـ ) تح/د/ علي إبراهيم كردي ص 132{ دار سعد الدين . دمشق .1423هـ ـ 2003م }

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu