حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

تعريف الترادف للرازي.. وهيمنة (المزهر)

وهيمنة (المزهر)

مما وجدته مكررًا تكرارًا مملًا عند كثيرٍ من الباحثين، ممن شَرُف بمناقشتهم في رسائلهم المعدة لنيل درجة التخصص (الماجستير) النقلُ عن مراجعَ وسيطةٍ في حين أن المراجع الأصيلة متوافرة مطبوعة، بل إنَّ الكثير منها موجودٌ على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) بصيغة بي دي إف (PDF)؛ مما يسهل معه الوصول إلى المعلومة دون الحاجة إلى وسيطٍ، وهو أمر ننبه عليه كثيرًا، كونه من أبجديات كتابة الرسائل العلمية.

ليس هنا موضع شاهدي، فهذا خطأ يقع فيه الكثير من الباحثين، تحت وطأة ضيق الوقت أو ابتغاء الاستسهال أو غيرها من الحجج التي لا نهاية لها، مما يتعلل به الباحثون والباحثات في زمنِ السرعة هذا.

لكن ما لفت انتباهي حقيقةً وقوعُ ثلاثةٍ من هؤلاء الباحثين فريسةً لنقل تعريفِ ظاهرةٍ دلاليةٍ واحدةٍ عن مرجع وسيطٍ بعينه، مما وجدته قد يشكل شبه ظاهرةٍ، تستحق التعليق والتعقيب والتوجيه.

والتعريف المشار إليه هو التعريف الشهير للترادف عند فخر الدين الرازي (ت 606ه) وقد نقله الثلاثة الباحثين – وينقله الكثيرون- عن كتاب (المزهر في علوم اللغة وأنواعها) للسيوطي، حيث أورده الأخيرُ في النوع السابع والعشرين (معرفة الترادف) ونصُّه: ” قال الإمام فخر الدين: هو الألفاظ المفردة الدالة على شيء واحد باعتبار واحد. قال: واحترزنا بالإفراد عن الاسم والحدِّ، فليسا مترادفين، وبوحدة الاعتبار عن المتباينين، كالسيف والصارم، فإنهما دلّا على شيء واحد، لكن باعتبارين: أحدهما على الذات، والآخر على الصفة، والفرق بينه وبين التوكيد أن أحد المترادفين يفيد ما أفاده الآخر، كالإنسان والبشر، وفي التوكيد يفيد الثاني تقوية الأول، والفرق بينه وبين التابع أن التابع وحده لا يفيد شيئا، كقولنا: عَشْطان نشْطان… “([1])

ولي على هذا النقل عدة ملاحظات:

أولا– أن السيوطي اعتمد في هذا النص على النقل بالمعنى، أو إن شئت فقل بتصرفٍ منه في كلام الرازي، فنصُّ الرازي هكذا: ” الألفاظ المترادفة، هي: الألفاظ المفردة الدالة على مسمى واحد، باعتبار واحد. واحترزنا بقولنا: ((المفردة)) عن ((الرسم)) و((الحد)). وبقولنا: ((باعتبار واحد)) عن اللفظين- إذا دلَّا على شيء واحد باعتبار الصفتين: كالصارم والمهند أو باعتبار الصفة وصفة الصفة كالفصيح والناطق، فإنهما من المتباينة. واعلم أن الفرق بين المترادف والمؤكِّد أن المترادفين يفيدان فائدة واحدة، من غير تفاوت أصلا. وأما المؤكِّد فإنه لا يفيد عين فائدة المؤكَّد، بل يفيد تقويته. والفرق بينه وبين التابع- كقولنا (( شيطان ليطان))- أن التابع – وحده- لا يفيد، بل شرط كونه مفيدا تقدم الأول عليه…” ([2])

وكما هو واضح فإن هناك زيادات زادها السيوطي على نص الرازي في قوله: (فليسا مترادفين)، كما أن هناك نقصًا كقول الرازي (باعتبار الصفة وصفة الصفة كالفصيح والناطق، فإنهما من المتباينة.) وهناك تبديل أيضا، فقد استبدل السيوطي مثال: (عشطان نطشان) بمثال: (شيطان ليطان).

ثانيا– فيما يخص التعريف نفسه نجد تغييرا في كلمة (شء) في قوله : ” هي الدالة على شيء واحد (في نقل السيوطي) ومسمى (عند الرازي)، ولاشك أن كلمة (مسمى) أدل على (المدلول) من كلمة (شيء) المطلقة.

فإذا عدنا إلى تلمس سبب النقل المتكرر لهذا التعريف عن (المزهر)؛ رأينا أن السبب قد يكمن في اشتهار هذا التعريف تحديدًا، حتى أن بعض العلماء والباحثين اعتمدوا عليه تعريفًا وحيدًا للظاهرة في كتبهم، وارتباط نقله بالمزهر، وذلك بسبب عدم تحقيق الكتاب الذي أورده الرازي فيه، ومن ثم تناقله السلف عن الخلف اعتمادًا على نقل السيوطي، وهذا ما نجده على سبيل المثال عند بعض علماء العربية المحدثين، ممن تعد مؤلفاتهم مراجع للترادف، يجعلها الباحثون نصب أعينهم عند الحديث عن هذه الظاهرة، ومنهم:

  • د. أحمد مختار عمر، في كتابه (علم الدلالة)، [ص 215، 216]
  • د. هادي نهر، في كتابه (علم الدلالة التطبيقي في التراث العربي)، [ص 490]

ويمكننا التماس العذر لبعض أساتذتنا في مثل هذا النقل؛ وذلك لعدم خروج الكتاب الذي يحوي هذا التعريف وهو (المحصول في علم أصول الفقه) من قبور المخطوطات إلى نور الطباعة وقتئذٍ.

أما وإن الكتاب بين أيدينا الآن محقق- على يد د. طه جابر علواني، طبعة مؤسسة الرسالة- فإن العودةَ إليه واجبةٌ، ونقلَ نصِّ التعريف وشرحِه منه أمرٌ ضروريٌّ.

  • المزهر في علوم اللغة وأنواعها (1/402) جلال الدين السيوطي، تح: محمد أحمد جاد المولى وآخرين، مكتبة دار التراث- القاهرة، ط ثالثة، د.ت
  • المحصول في علم أصول الفقه (1/253، 254)، فخر الدين الرازي، تح: د. طه جابر العلواني، مؤسسة الرسالة، د.ط، د.ت.

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu