الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
وبعد،،
فمن نظريات تحليل المعنى ما أطلق عليه البعض (نظرية التكوين الثلاثي للمعنى) ([1]) أو (النظرية التحليلية).
يُعتمد على هذه النظرية ” في دراسة معاني الكلمات على مستويات متدرجة على النحو التالي:
تحليل كلمات كل حقل دلالي، وبيان العلاقات بين معانيها.
تحليل كلمات المشترك اللفظي إلى مكوناتها أو معانيها المتعددة.
تحليل المعنى الواحد إلى عناصره التكوينية المميزة.”([2])
وقد ظهرت أوليات هذه النظرية على يد Jerrold Katz و Jerry Fodor من خلال بحث منشور لهما عام 1963م ، وقد أجريت تعديلات على هذه النظرية فيما بعد. “وتقوم نظريتهما في أساسها على تشذير كل معنى من معاني الكلمة إلى سلسلة من العناصر الأولية مرتبة بطريقة تسمح لها بأن تتقدم من العام إلى الخاص. وكل معنى للكلمة يحدد عن طريق تتبع الخط من (المحدد النحوي) إلى (المحدد الدلالي) إلى (المميز). ويظل المرء متجها نحو التشذير حتى يحقق القدر الضروري من التوصيف والشرح، وحينئذ يتوقف حيث لا تبقي فائدة في إضافة أي محددات أخرى، ما دامت لا تلقي ضوءًا على المعنى.”([3])
وتتكون هذه النظرية من ثلاثة عناصر، سبق ذكرها وهي:
1- المحدد النحوي: ويمثل الوصف الشكلي للكلمة ككونها اسما أو فعلا، وكون الاسم جامدا أو مشتقا، وكون الفعل لازما أو متعديا.
2- المحدد الدلالي: ويمثل الصفات العامة او المشتركة التي تعد بمثابة صفات ثانوية أو غير جوهرية في التحديد الدقيق للمعنى.
3- المميز: ويمثل الصفة أو الصفات الفارقة أو الملامح الجوهرية التي يتحتم وجودها.([4])
ويمكن التمثيل لذلك بتحليل هم معاني لفظة (العين)، وهي من ألفاظ المشترك اللفظي، على النحو التالي:
|
ويمكن قراءة الشكل السابق على النحو التالي:
المكون الأول: المحدد النحوي لكلمة(عين) هو أنها: اسم، لا فعل ولا حرف.
المكون الثاني: المحدد الدلالي لهذه الكلمة:
في المعنى (1) بأنه: جِرْم. ولكن هناك كثير من الأجرام؛ ولذلك نحتاج إلى صفة أخرى تحدِّد الجرم المقصود، وهو ما ستحققه الصفات الفارقة، الآتي ذكرها.
وفي المعنى (2) بأنه: عضو من أعضاء الجسم (في الإنسان والحيوان). ولكن أي عضو، فالأعضاء كثيرة؟ وهذا ما ستوضحه الصفات الفارقة.
وفي المعنى (3)، (4) بأنه: إنسان. ولكن ما صفاته التي يتميز بها عن جنسه؟ وهذا ما ستوضحه الصفات الفارقة.
وفي المعنى (5): بأنه: حفرة. ولكن الحُفَر كثيرة، فمن أيها هذه؟ سوف تُميِّز هذا أيضا الصفات الفارقة.
المكون الثالث: الصفات الفارقة:
في المعنى (1): يتميز بأنه: يمد الأرض بالنور والحرارة (الشمس).
في المعنى (2): يتميز بأنه:يقوم بعملية الإبصار (العين المبصرة).
وفي المعنى (3):يتميز بأنه: ذو مكانة في أهله (واحد من الأعيان).
وفي المعنى (4): يتميز بأنه: يتلمس أخبار العدو (جاسوس).
وفي المعنى (5): تتميز بأنها: تتدفق منها الماء (عين الماء كالبئر).
على أن هذه النظرية لم تسلم من النقد؛ مما أدى إلى إدخال بعض التعديلات عليها، ليس المجال هنا مُفسِحًا لذكرها.
([1]) هكذا أورد في تسميتها أستاذنا أ.د/ عبد الفتاح البركاوي- عليه سحائب الرحمة والرضوان في كتابه: مدخل إلى علم اللغة الحديث (176) ط رابعة 1416ه-2005م.