حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

شبهات لغوية حول القرآن [11]. بقلم أ.د/ إبراهيم عوض

المفكر الإسلامي وأستاذ الأدب والنقد بكلية الآداب- جامعة عين شمس. (تم النشر بإذن من سيادته))

الشبهة الحادية عشرة:

وفي قوله تعالى في الآية 80 من سورة “البقرة” حكايةً لمزاعم اليهود وأمانيهم الباطلة من أنهم، لكونهم أبناء الله وأحباءه، لن تمسهم النار بسبب ذنوبهم {إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً} يقول العبد الفاضي: “كان يجب أن يجمعها (أي يجمع كلمة “معدودة”) جمع قلى حيث إنهم أرادوا القلة فيقول: أياماً معدودات” (ص 108) . والسؤال هو: وهل عرف هذا الجهول على وجه اليقين عدد الأيام التي سيمكثها اليهود حسب اعتقادهم في النار قبل أن يتكلم عن أي التعبيرين أصلح لها من الآخر؟ ثم هناك سؤال ثانٍ: ترى من قال له إن أحد التعبيرين يدل على القلّة، والآخر على الكثرة؟ إن الدلالة على القلة ناشئة من أن الأيام التي سيقضونها في النار أيام يمكن عدّها بسهولة، فصيغة المفعول من “عَدَّ” هي في ذاتها الدالّة على القلة بغض النظر عن إفرادها أو جمعها. ولقد وردتْ هذه العبارة ذاتها، وعلى لسان اليهود أيضاً، في موضع آخر من القرآن، مع استبدال كلمة “معدودات” بـ “معدودة” بما يدل على صحة ما قلت. كما أن معظم المفسرين الذين رجعتُ إليهم قد ذكروا أن كلتا الصيغتين فصيحة دون أن يشيروا إلى وجود أي فرق بينهما. مفسر واحد منهم فقط ذكر أن وصف الجمع غير العاقل بصيغة المفرد المؤنث يدل على الكثرة، بعكس صيغة جمع الألف والتاء، في مقابل مفسّر آخر ذكر العكس.
والملاحظ أن دلالة الجمع على القلة أو الكثرة ليست من الأمور الحاسمة أو المطردة بل من المسائل التغليبية. وبوجه عام فإن صيغة جمع التكسير باستثناء “أَفْعُل وأفعال وأفْعِلة وفِعْلَة” تدل على الكثرة، على العكس من هذه الصَّيَغ الأربع وصيغة جمع المؤنث السالم، وإن لم يمنع هذا أن يحدث العكس، والأمثلة على هذا وذاك معروفة. أما كون أيام اليهود في النار “معدودة” أو “معدودات” فدلالة القلة فيها ناشئة من أن تلك الأيام يسهل عدّها لا من صيغة الإفراد أو الجمع. ولا معنى إذن لهذا الذي صدّع به الجهول أدمغتنا.
ومن الممكن جداً أن يكون القرآن الكريم قد أورد في الموضعين المشار إليهما كلام اليهود بنصه، إذ لعلّهم كانوا تارة يستعملون صيغة المفرد المؤنث، وتارة صيغة جمع المؤنث السالم، فحكي القرآن أقوالهم في كل مرة كما هي. كذلك من الممكن أن تكون “أياماً معدودات” هنا معناها “أياماً معيّنات” كما في قوله عز شأنه عن الصيام إنه كُتِبَ على المسلمين “أياماً معدودات”، أي محددات هي أيام شهر رمضان، وذلك واضح من ذكر شهر رمضان عقب ذلك. أيا ما يكن الأمر فإن المسمىَّ “عبد الفاضي” يهرف بما لا يعرف، ولقد ظلمه الذين لقّنوه هذه التفاهات فانطلق في غباءٍ يسردها سرداً. وعلى أية حال فها هي ذي عبارة “أيام معدودات” يستعملها الكتاب المقدس عند هذا الفاضي وأمثاله في غير جمع القلة بالمعنى الذي يفهمه: “الحياة الصالحة أيام معدودات”. ذلك أن الحياة الصالحة، مهما قصرت، لا يمكن أن تكون أياماً قليلة إلى هذا الحدّ، أما في القول التالي المنسوب لأيوب فإنه يصف سنوات حياته بأنها “معدودة”، وسنوات حياة الشخص أقل في العدد من أيامها بكل يقين، وبخاصة أن أيوب قالها وهو مريض، أي بعد أن قطع شوطاً طويلاً من عمره. قال: “فإن سنواتي المعدودة تنقضي فأركب طريقاً لا أعود منه”.
فما رأي صُوَيَحْبِنا الأحمق في هذين الاستعمالين اللذين يجريان بعكس ما يدّعى في صيغََتْي “معدودة” و”معدودات”؟

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu