Site icon كُنُوز الْعَرَبِيَّة

لمحاتٌ من التوجيه اللغوي للقراءات السبع في سورة الطلاق

هذه لمحات سريعة لتوجيه القراءات السبع الواردة في سورة الطلاق، مع محاولة ربطها بالمستوى اللغوي الذي تنتمي إليه:

– قال تعالى: )يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ( [الآية: 1]

قرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم ) مُبَيَّنَةٍ ( بفتح الياء. وقرأ الباقون ) مُبَيِّنَةٍ ( بكسر الياء.([1])

التوجيه:

من قرأ ) مُبَيِّنَةٍ ( فهي على صيغة اسم الفاعل من غير الثلاثي؛ والفاحشة هي فاعلةُ التبيين؛ أي: أنها مُبيِّنة عن نفسها أنها فاحشةٌ واضحةٌ ظاهرةٌ.

ومن قرأ ) مُبَيَّنَةٍ ( فهي على صيغة اسم المفعول، والتبيين واقع على الفاحشة من غيرها، أي: بيَّنها غيرُها.

يدخل هذا الاختلاف تحت (المستوى الصرفي) وعلى وجه التحديد (الاختلاف بين المشتقات/ اسمي الفاعل والمفعول )

– قال تعالى: ) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ( [الآية: 3]

قرأ حفص عن عاصم ) بَالِغُ ( بغير تنوين، و) أَمْرِهِ ( بالخفض، وقرأ الباقون ) بَالِغٌ ( بالتنوين، و) أَمْرَه ( بالنصب. ([2])

التوجيه:

من قرأ  ) بَالِغُ ( بغير تنوين، و) أَمْرِهِ ( بالخفض، فعلى إضافة اسم الفاعل إلى كلمة (أمره)، ويبدو أنه يدل على المضي، أي بمعنى تحقق أمر البلوغ.

ومن قرأ ) بَالِغٌ ( بالتنوين، و) أَمْرَه ( بالنصب، فعلى إثبات التنوين في اسم الفاعل، وهذا الثبوت يدل على معنى الحال أو الاستقبال.

وهذا الاختلاف مثل الاختلاف في قوله: (والله متم نوره) [الصف من الآية: 8]، وهو ينتمي إلى المستوى النحوي: (الإضافة والتنوين).

– قال تعالى: ) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا ( [الآية: 8]

قرأ نافع وأبو بكر عن عاصم وابن ذكوان عن ابن عامر ) نُكُرًا ( بضم الكاف. وقرأ الباقون ) نُكْرًا ( بإسكان الكاف. ([3])

التوجيه:

من قرأ ) نُكُرًا ( فعلى أنه الأصل، وأن ناطقيه لم يأبهوا بالثقل الناشئ عن توالي ضمتين، وهو مثل: السُّحُت والسُّحْت، والعُسُر والعُسْر.

ومن قرأ ) نُكْرًا ( فقد استثقل توالي ضمتين فسكَّن تخفيفًا؛ فهما لغتان بمعنى واحدٍ.

وقد يحكم هذا الاختلاف ما ذكرناه من قبل من قولهم إنَّ ” كلَّ اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم، فمن العرب من يُثقِّلُه ومنهم من يخففه، نحو: العُسر واليُسر.. “([4])

يدخل هذا الاختلاف تحت (المستوى الصوتي) وعلى وجه التحديد (حذف الصائت).

قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وأبو بكر ) مُبَيَّنَاتٍ ( بفتح الياء، وقرأ الباقون ) مُبَيِّنَاتٍ ( بكسر الياء. ([5])

التوجيه: توجيه هذا الاختلاف مثل ما قيل في الآية الأولى من هذه السورة في لفظ (مُبينة).

قرأ نافع وابن عامر) نُدْخِلْهُ ( بالنون, وقرأ الباقون ) يُدْخِلْهُ ( بالياء. ([6])

التوجيه:

فمن قرأ ) يُدْخِلْهُ ( بالياء، فعلى الغيبة، أي: يدخله الله جناتٍ، ويقوِّي هذه القراءة ذكر لفظ الجلالة من قبل في (ومن يؤمن بالله).

ومن قرأ ) نُدْخِلْهُ ( فإنَّ الله عز وجل يخبر عن نفسه. وما يقال في هذا الموضع قيل في أول سورة التغابن من قبل. والاختلاف هنا ينتمي إلى المستوى الصرفي، وعلى وجه التحديد: (الاختلاف في الحضور والغيبة).

=========================================

([1)  ينظر: التيسير في القراءات السبع (172)

([2])  ينظر: السابق  الصفحة نفسها.

([3])  ينظر: السابق الصفحة نفسها.

([4])  الحجة للقراء السبعة (2/105).

([5])  ينظر: التيسير في القراءات السبع (131، 172)

([6])  ينظر: السابق (172)