حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

حينما يكتب أمير الشعراء (أ.د/ علاء جانب) عن أمير الشعراء (أحمد بيك شوقي)

لم أدرِ ما طيبُ العناق على الهوى
حتى ترفق ساعدي فطواكِ
ودخلتُ في ليلين : فرعكِ والدجى
ولثمتُ – كالصبح المنوّرِ – فاكِ
وتأَوَّدَتْ أَعطافُ بانِك في يدي
واحمرّ من خَفَرَيْهما خدّاك
وتعطلَتْ لغةُ الكلام وخاطبت
عينيَّ في لغةِ الهوى عيناكِ
لا أمسِ من عمْرِ الزمان ولا غدٌ
جُمع الزمانُ .. فكان يوم رضاكِ

 

تبقى قصيدة “زحلة” أو “يا جارة الوادي” علامة فارقة في ديوان شوقي بعد مدائحه العظيمة في حضرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.. لا سيما بعد أن لحنها العبقري محمد عبد الوهاب وغنتها السيدة فيروز فأعاداها خلقا جديدا .. محمد عبد الوهاب مزيج ثقافي مدهش في ألحانه يمزج الطرب العربي بروح أوربية فيعطيه مذاقاً فيه مع الأصالة حداثة وماء جديد .. نحن نفتقد في زماننا الملحن المثقف الذي يفهم القصيدة ويستخرج منها النغم الكامن فيها ..

رحم الله السنباطي وبليغ حمدي ومحمد عبد الوهاب وزكريا أحمد وسيد مكاوي .. لم يكن زمن الطرب الجميل لكنه كان زمن الثقافة والمعرفة والفن .. الموسيقا ليست أصواتاً فقط .. الموسيقا مشاعر تحولت إلى أصوات .. كما أن الشعر أحاسيس خرجت على شكل كلمات ..

أقول -دائما- لطلابي في محاضرات موسيقا الشعر : إن الإيقاع الداخلي للقصيدة هو حركة النفس على دقات القلب في الخوف والأمان والحب والبغض والشوق والوصل والراحة والتعب والسكون والقلق .. إيقاع الكلمات هو أثر إيقاع حركة الليل والنهار والشمس والقمر ودوران الكائنات في روح الشاعر ابحثوا في الإيقاع عن تاريخ الشاعر وتحوّلاته الوجدانية وابحثوا في الشاعر عن فلسفته الإيقاعية .. القصيدة – حين يكتبها شاعر حقيقيّ- كونٌ تتكامل فيه مفرداته كما يتكامل الموج وهو يرسم صورة البحر وكما يتكامل البحر مع اليابسة وكما يسير السحاب إلى مواقعه وكما تدور الشمس والقمر كلّ يجري لمستقره ..

لقد أبدع الله الإنسان وألهمه الإبداع .. بل خلقه وعلمه الخلق أو قل: البيانُ عن الخلق لذلك يظل البيان آية الله الكبرى .. ويظل خلق الإنسان دليلا على عظمة الله .. السيدة فيروز “جارة القمر “، أتذكر الآن أن المهندس طه عبد الرحيم ابن عمي ونحن طلبة جمع لها ألبوماً كاملا أغاني للقمر فقط كان من أجمل التوليفات.. فيروز صوت يحتار مثلي في وصفه من أول رقتها في “حبيبي بدو القمر” و “احنا والقمر جيران” إلى ذوبانها في “سلّم لي عليه ” و “يا عاقد الحاجبين” إلى أغانيها الوطنية والقومية للقدس ولبنان والعروبة ..

في كلمات الأمير أحمد شوقي تجد الرقة والتعبير المواتي والكلمة التي تذهب إلى مكانها مثل راقصة باليه من رشاقتها وتتناغم مع أخواتها كأنها نغمة في لحن متناسق .. هذا أحمد شوقي بيك.. سمعت ذات أمسية صديقنا الناقد المثقف أحمد عنتر مصطفى يقول : لقد كان شوقي موسيقيا ضلّ طريقه إلى الشعر وأقول : بل خُلق شوقي ليكون شاعرا يحس بإيقاع الكون كما تصور الغزالي في تائيته العظيمة ..

أرى كل ذي سكر سيصحو من الهوى
 سواي فصحوي فيك علة سكرتي

 اللهم ارحم أمير الشعراء أحمد شوقي واجزه عن الشعر واللغة العربية خيرا.

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu