Site icon كُنُوز الْعَرَبِيَّة

عرض كتاب: (المُلَمَّع) للنَّمَريِّ

يُعدُّ كتاب (المُلَمَّع) للحسين بن علي النَّمَريِّ (ت 385ه) من أوائل الرسائل اللغويَّة التي تخصصتْ في دراسة الألوان، بعد تناثُر الحديث عنها في أبواب الكتب وفصولها، يقول د. عبد الكريم خليفة:  ((  ونحن إذا تركنا القرنين الثاني والثالث الهجريين جانبًا إلى القرن الرابع وبداية القرن الخامس الهجري، نجد أن موضوع الألوان في العربية قد ازداد أهمية، واتصفتْ الدراسات حوله بالاتساع والعمق من ناحية، وتطور منهج البحث فيه من ناحية أخرى كي يصبح نواة لمعجم لغوي خاص بالألوان. وهذا ما نراه بوضوح متمثلاً بكتاب: (المُلَمَّع) صنعة أبي عبدالله الحسين بن علي النَّمَرِيّ، المتوفى سنة 385هـ. فقد حرص المؤلِّف على تحديد معاني الألوان من خلال نصوصٍ وشواهدَ شعريةٍ اختار أكثرها من أشعار الفحول من شعراء الجاهلية والإسلام. ))([1])

وعلى الرغم مما يتمتع به التصنيفُ العربي القديم من تنوع وثراء، إلا أنه (( لم تستأثر باهتمام أحدهم هذه الفكرة الطريفة، وهي أن يجمع مسميات الألوان، كلًا على حدة، ويستهلها بالحديث عن صفات كل لون ومؤكداته.))([2]) وهو ما يجعل لهذه الرسالة اللغويَّة قيمةً كبيرةً في مجالها، ومكانتها في تراثنا العربي.

ومن اللافت في عنونة هذا الكتاب أن النَّمَرِيّ لم يضعْ له عنوانًا يتضمن كلمةَ (الألوان) – أو إحدى مشتقاتها- وهي الكلمة الرئيسة في الحقل الدلالي الذي جعله إطارًا لمؤلَّفه، مع أنَّ هذه الكلمة استعملها من قبله كثيرٌ من اللغويين عنوانًا لبعض الأبواب داخل كتبهم، على نحو ما نجده عند أبي عبيد (224ه) في ( الغريب المصنف ) من خلال تسميته: ( باب الألوان واختلافها )، أو عند ابن قتيبة (276ه) في: ( أدب الكاتب ) من خلال تسميته: (باب ألوان الخيل)، وغيرهما.

لكنه اختار كلمة (المُلَمَّع)، وهذه الكلمة على غرابتها إلا أنَّ لها علاقة بالألوان أيضًا، فقد أورد ابن سيده أنَّ (( كل متلون بألوان مختلفة مُلَمَّع))([3]) وكأنَّ النَّمَرِيّ يقصد إلى أنه سيتناول في كتابه ألوانًا متعددةً مختلفةً، ولعل هذا هو السر وراء عدم ذكر كلمة (المُلَمَّع) داخل كتابه، فهي واجهةٌ دالة على هذه الألوان المتناولَة داخل الكتب جميعِها.

ولعل هذا الاجتهادَ قريبٌ جدًّا من اجتهاد مُحقِّقة الكتاب في بيان سر هذه التسمية، حيث تقول:(( ولعل تسمية المؤلف لكتابه بالمُلَمَّع- على غرابتها- تحمل الكثير من الشحنة اللونية. فالتلميع لغة أن يكون في الخيل بقع تخالف سائر لونه. وكأن المؤلف قصد إلى تنوع الألوان في كتابه، واستقلال كل لونٍ منها بذاته استقلالًا يجعله مخالفًا للألوان الأخرى في نوعه، ومتوافقًا معها في تكوين لوحة لونية متجانسة.)) ([4])

ولعل مثل هذه الاجتهادات مقبولة في ضوء عدم تعليل النَّمَرِيّ نفسِه لاختيار هذه التسمية.

والملمع مكون من مقدمة وضح فيها النمري طبيعة الكتاب، وذكر الألوان الخمسة التي خلقها اللهُ – عزوجل- والتي ستكون مدار كلامه في كتابه، وعليها سيبني تقسيمه، وخَصَّ منها أربعةً ببني آدم: البياض والسواد والحمرة والصفرة، وبيَّن حظ الأمم من هذه الألوان: ((  فأُعطى العرب والحبشة والزنج وشكلهم عامة السواد.. على أنَّ العرب تدعي البياض، وتمدح به نساءَها ورجالها.. وتدعي الحمرة أيضًا.. وتدعي الصفرة لنسائها.. وأعطى الفرس والروم والنبط وشكلهم عامةَ البياض، والحمرة، والصفرة..)) ([5])

ووضح العلاقة بيَّن هذه الألوان الخمسة بغيرها من الألوان الأخرى المعروفة، كالغبرة، والسمرة، والزرقة، فسمى الألوانَ الخمسةَ النواصعَ الخوالصَ، وغيرهم مردود إليهم.

وختم مقدمته، بقوله: (( ونحن نبتدئ بنوعٍ نوعٍ، فنذكر ما سمعنا فيه إن شاء الله.))([6]) يقصد الألوان الخمسة السابق الإشارة إليها، مُمهدًا القارئَ لتقسميات كتابه، مؤكِّدًا اقتصارَه- فيما سَيَذكُر- على السَّماع؛ ولذا تجد كتابَه يعج بالمرويات عن الأعراب والعلماء، مالِئًا إياه بالكثير من الشواهد شعريةً كانت أو غيرها.

وبعد المقدمة فصَّل المؤلفُ كلَّ نوعٍ من الأنواع الخمسة الدالةِ على الألوان، مُسمِّيًا كلَّ عنوانٍ منها كما يأتي:

لهذا كله نعدُّ كتاب (الملمع) من أهم الكتب المؤلفة في تناول الألوان والألفاظ الدالة عليها، وهو أقدم كتاب يتناولها بشكل منفرد.

===========================

[1])) الألوان في معجم العربية (15)، د. عبد الكريم خليفة، بحث منشور بمجلة مجمع اللغة العربية بالأردن، العدد (33) سنة 1408ه- 1987م.

[2])) مقدمة تحقيق الملمع (أ)

[3])) المخصص (2/132) لابن سيده، قدم له: د. خليل جفال، دار إحياء التراث العربي- مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1417ه- 1996م.

[4])) مقدمة محققة الملمع (أ)

[5])) السابق (1 وما بعدها)

[6])) السابق الصفحة نفسها.