Site icon كُنُوز الْعَرَبِيَّة

النظرية التداولية مقالات وبحوث [1] بقلم د. طارق أبو الطاهر محمود

الحمد لله رب العالمين، المتفرد بالخلود، الغني عن الشريك والولد، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد، سيد الأولين والآخرين، وبعد.

فهذه مقالة أولى في سلسلة مقالات أرجو الله أن يوفقني لإتمامها، وهي محاولة صادقة في تقريب النظرية التداولية إلى طلاب وباحثي اللغة العربية من إخواني في الأزهر الشريف أولاً، والباحثين في اللغة العربية عامة ثانية.

ولعل أهم الدوافع إلى البدء في هذه السلسلة راجع إلى ما يأتي:

أولا- رغبة صادقة في الانفتاح على النظريات الحديثة التي طالما غاب حضورها في الدرس الأزهري، لسبب جدير بالتقدير والاحترام، وهو الحفاظ المخلص على التراث العربي الأصيل، الذي لا يعكر صفوه تلك المذاهب الوافدة إلينا من الغرب، ولكن مع التطور الهائل في وسائل التواصل الإنساني عبر شبكة المعلومات الدولية، والانفتاح على العالم بشكل أكبر بكثير عن السابق أصبح الاطلاع على تلك النظريات أمرًا ملحًا وضروريا؛ حتى لا يفوتنا ركاب الحضارة الحديثة، وما فيه من نظريات يمكن الإفادة منها لخدمة اللغة العربية لغة القرآن الكريم .

غير أن هذا الانفتاح العلمي على تلك النظريات هو انفتاح ملتبس بالحرص على الأصالة في التناول، والحذر من الانجراف وراء ما قد يسيء إلى لغتنا الخالدة .

كما أنه انفتاح فيه محاولة صادقة للربط بين هذه النظريات، والتراث العربي الأصيل، فجدير بالإشارة أن كثيرًا جدًا من هذا الوافد الغربي له أصول تراثية لدى علمائنا الأجلاء الذين أفنوا حياتهم خدمة للقرآن ولغة القرآن، وكل ما حدث هو مجرد إعادة تصنيع وصياغة لهذه الأفكار التراثية.

ثانيًا- نزولا على رغبة أخي وأستاذي الدكتور/ عصام فاروق صاحب الهمة العالية، والعلم الواسع الذي أسس هذا المنتدى المتميز الذي أدعو الله له بالتوفيق والنجاح.

وفي هذا المقال سوف أقدم مهادًا للنظرية التداولية، مشتملا على :

أولاً: في اللغة:

التداولية في معناها المعجمي ترجع إلى الأصل اللغوي ( د و ل)، وهذه المادة تدل في معاجم اللغة على معانٍ عدة منها:

ومن المشتقات من هذا الجذر اللغوي ( دول) كلمة (المتداول)، ولعلها أقرب المشتقات لكلمة (تداولية)، وهي تفيد معنى المستعمل المشهور في عبارات العلماء في معاجم اللغة، ومن هذه العبارات:

ثانيًا: التداولية في الاصطلاح:

التداولية هي المقابل العربي للمصطلح الغربي (Pragmatics) (البرجتماتية)، ويعود هذا المصطلح إلى الفيلسوف الأمريكي (تشالز موريس) الذي استخدمه سنة 1938م، والتداولية لم تصبح مجالاً يعتد به في الدرس اللغوي المعاصر إلا في العقد السابع من القرن العشرين، بعد أن عمل عليها ثلاثة من فلاسفة اللغة، وهم: أوستن، وسيرل، وجرايس ([10]).

والحقيقة أن هناك تعريفات كثيرة للتداولية، وهي في جملتها متقاربة في بيان مضمون المصطلح، ولا أكون مبالغاً إذا ما قلت: إن المعنى الاصطلاحي للتداولية يتقاطع مع معناها اللغوي، فيتصلان معًا في نقطة جوهرية، وهي النظر إلى الشيء في حيز الاستعمال، كما سبقت الإشارة عند الحديث عن معنى كلمة (المتداول).

ومن تعريفات التداولية الكثيرة أذكر:

ومن خلال تلك التعريفات نجد أنها تجري كلها في وادٍ واحد، مع اختلاف العبارات؛ حيث إن ([15]) ” التحليل التداولي لا يرتكز على العلامات في ذاتها، ولا يتعامل معها بشكل مستقل، بل يرتكز على الذين يستخدمونها، وعلى النتائج التي يحدثها هؤلاء المستخدمون في إطار التفاعل التواصلي للحياة الواقعية”.

وبعد، فهذا مقال تمهيدي في التعريف اللغوي، والاصطلاحي بالنظرية التداولية، يتبع إن شاء الله بمقالات أخرى لبسط الحديث عن النظرية، نشأتها، وأركانها، وأبرز الدراسات التداولية العربية . وأسأل التوفيق والسداد .

===========================

([1]) جمهرة اللغة،  أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد، المحقق: رمزي منير بعلبكي2/682 (د ول)،  دار العلم للملايين – بيروت،  1987م، مجمل اللغة لابن فارس، تحقيق: زهير عبد المحسن سلطان، 1/340،  مؤسسة الرسالة – بيروت.

([2])جمهرة اللغة، 3/1273.

([3])معجم ديوان الأدب، أبو إبراهيم إسحاق الفارابي، تحقيق: دكتور أحمد مختار عمر، مراجعة: دكتور إبراهيم أنيس، 3/460، : مؤسسة دار الشعب للصحافة والطباعة والنشر، القاهرة،  1424 هـ – 2003 م.

([4])تهذيب اللغة،  محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، المحقق: محمد عوض مرعب، 14/124، دار إحياء التراث العربي – بيروت،  2001م، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، : أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار4/1700، دار العلم للملايين – بيروت، الطبعة: الرابعة 1407 هـ‍ – 1987 م.

([5])المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، أحمد بن محمد بن علي الفيومي، ص203،  المكتبة العلمية – بيروت.

([6])الصحاح 1/28، وينظر: أساس البلاغة، : أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري، تحقيق: محمد باسل عيون السود 10/16،  دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان.

([7])النهاية في غريب الحديث والأثر،  مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن م ابن الأثير، تحقيق: طاهر أحمد الزاوى – محمود محمد الطناحي 1/272، المكتبة العلمية – بيروت، 1399هـ – 1979م، لسان العرب،  محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور ، 1/266، دار صادر – بيروت، الطبعة: الثالثة – 1414 هـ، تاج العروس من جواهر القاموس، مرتضى، الزَّبيدي، 12/16، المحقق: مجموعة من المحققين، دار الهداية

([8])المغرب في ترتيب المعرب،  المُطَرِّزِىّ، ص45،  دار الكتاب العربي.

([9])الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة،  زكريا الأنصاري، المحقق: د. مازن المبارك، ص65، دار الفكر المعاصر – بيروت.

([10])ينظر: آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر، د/ محمود أحمد نحلة، ص9، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 2002م.

([11])المقاربة التداولية، ألفي بولان، ترجمة/ محمد تنقور، ليلى حميان، ص19، رؤية للنشر والتوزيع 2018م.

([12])مقدمة في علم الدلالة والتخاطب، د/ محمد محمد يونس علي، ص13، دار الكتاب الجديد المتحدة. وجدير بالذكر أنه استعمل مصطلح (علم التخاطب) مرادفًا للتداولية ترجمة للمصطلح الأجنبي.

([13])التداولية عند العرب دراسة تداولية لظاهرة الأفعال الكلامية في التراث اللساني العربي، د/ مسعود صحراوي، ص26، دار الطليعة، لبنان، 2005م .

([14])من أفعال الكلام إلى بلاغة الخطاب السياسي، تبسيط التداولية، د/ بهاء الدين محمد مزيد، ص 18، شمس للنشر والتوزيع، القاهرة 2010م.

([15])المقاربة التداولية، ص 19، مرجع سابق