حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

الحلقة السادسة: المقاطع الصوتية: مفهومها، وصورها، وأهميتها في تعليم العربية للناطقين بغيرها

أ.د/ عصام فاروق

أولا- مفهوم المقاطع الصوتية:

عندما نقرأ عبارة ما فإنه الكلام يبدو للأذن المجردة منتظما لا توقف فيه ولا انقطاع، ولكننا إن أبطأ هذا النطق تظهر لنا سكتات أكبر من الصوت المفرد وأصغر من الكلمات المنطوقة نفسها.

فعندما (( ننطق عبارةً مثل القول الكريم: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ ([1]) نحس بأن هناك سكتات قصيرة تحدث بين كل مجموعة صوتية والتي تليها، وأن ذلك كان على الوجه الآتي: (كُنْتُمْ – خَيْرَ-  أُمَّةٍ- أُخْرِجَتْ- لِلنَّاسِ).

ومن هذا يتضح أن تلك العبارة تشتمل على خمسة أقسام، كل قسم منها يمثل ما يمكن تسميته بالكلمة الصوتية، لكننا عندما ندقق السمع أكثر نجد أن كل قسم من هذه الأقسام يرجع إلى أقسام أخرى أصغر، تأتي أيضًا نتيجة حدوث سكتات مثل السكتات السابقة, ولكنها قصيرة جدًّا، حتى لا يكاد الإنسان يحسها بأذنه، لكنه يستطيع رؤيتها على أوراق التحليل بصورة أفضل، وهذه الأقسام الصغير تبدو لنا على النحو التالي: (كُنْ/ تُمْ/ خَيْ/رَ/ أُمْ/ مَ/ تِنْ/ أُخْ/ رِ/جَتْ/ لنْ/نَاسِ).

وإذا كنا قد سمينا الأقسام الأولى بالكلمات الصوتية، فإننا نسمي هذه الأقسام الصغيرة بالمقاطع”([2]) وواحد هذه المقاطع نطلق عليه (مقطع)، ولعلنا تعرفنا من الكلام السابق على ماهيته بما يغنينا عن تعريفه؛ ذلك أن العلماء لم يتفقوا على تعريفٍ موحَّدٍ له؛ نظرًا للاعتبارات المختلفة التي ينظر كل منهم للمقطع باعتبارها.

فمنهم من ينظر  إلى المقطع على أنه (ضغطة صدرية للهواء)، ومنهم من يراه شكلا معينا من تجمع الذبذبات الهوائية، ومنهم من ينظر إليها على أنها الأجزاء الأوضح في الكلام؛ لاشتمالها على الحركات (الصوائت) التي تتصف بالجهر وحرية الهواء عند إصدارها.

ولابد أن نعلم أن اللغة ما دامت صوتية فهي مبنية على نظام المقاطع، ومن هنا تتفق اللغات جميعا في اعتمادها على المقاطع، وإن كان بعضها يختلف عن بعض في نظام تلك المقاطع، من حيث تركيبها وتتابعها وشيوعها.

وبالتالي فإن متعلم اللغة العربية من الناطقين بغيرها قد يصطدم بنظام مقطعي جديد لم يعهده في لغته الأم، ومن ثم يحاول نقل العادات النطقية لهذه اللغة عند تعلم العربية.

ولذا رأينا أن نتعرف أولا على صور المقاطع في اللغة العربية، ثم نتبع ذلك بكيفية استغلال ذلك النظام في العملية التعليمية، والحذر من العادات النطقية غير الصحيحة للدارسين. 

ثانيا- صور المقاطع الصوتية في اللغة العربية:

تشتمل المقاطع في العربية على الصور الواردة في الجدول التالي([3])- مع ملاحظة الرموز التالية:

(ص) تدل على: صوت صامت.

(ص ص) صوتان صامتان ليس بينهما حركة.

(ح) تدل على: حركة قصيرة (فتحة أو ضمة أو كسرة).

(ح ح) تدل على: حركة طويلة (ألف- واو- ياء).

الصورة مكونات المقطع الرمز له المثال
الأولى صوت صامت+ حركة قصيرة ص +ح كَ
الثانية صوت صامت+ حركة طويلة ص+ ح ح كَا
الثالثة صوت صامت + حركة قصيرة+ صوت صامت ص+ح+ص قُلْ
الرابعة صوت صامت + حركة طويلة+ صوت صامت ص+ح ح+ص قَالْ
الخامسة صوت صامت + حركة قصيرة+ صوتان صامتان ص+ح +ص ص بَحرْ
السادسة صوت صامت + حركة طويلة+ صوتان صامتان ص+ح ح+ص ص ضَالّ

على أن هذه الصور ليست على درجة واحدة من الشيوع في اللغة العربية، وإنما ترد بالشكل التالي:

الصور(الأولى، والثانية، والثالثة): أكثر ورودًا.

الصورة الرابعة: أقل من الثلاثة السابقة.

الصورة الخامسة: نادرة،لا ترد -غالبًا- إلا في حالة الوقف.

الصورة السادسة: نادرة،لا ترد -دائمًا- إلا في حالة الوقف.

أقسام المقاطع:

للمقاطع أقسام متعددة باعتبارات عدة، أشهرها ما يلي:

أولا- من ناحية فتح المقطع وغلقه: تنقسم المقاطع بهذا الاعتبار إلى قسمين:

الأول: أن ينتهي المقطع بحركة قصيرة أو طويلة، ونطلق عليه (المقطع المفتوح)، ويشمل الصورتين الأوليين.

الثاني: أن ينتهي المقطع بصوت صامت، ونطلق عليه (المقطع المغلق)، ويشمل الصور (الثالثة، والربعة، والخامسة، والسادسة).

ثانيا: من ناحية الكم: تنقسم المقاطع بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام:

الأول: مقطع قصير، ويشمل الصورة الأولى فقط.

الثاني: مقطع متوسط، ويشمل الصورتين الثانية والثالثة.

الثالث: مقطع طويل، ويشمل الصور: الرابعة، والخامسة، والسادسة.

النظام المقطعي للغة العربية:

من الخصائص المقطعية للغة العربية بحسب بعض الدراسات التي أجريت بهذا الشأن ما يلي:

الخاصية الأولى:

          المقطع يتكون من وحدتين صوتيتين (أو أكثر)؛ ومن ثم فلا وجود لمقطع من صوت واحد، حتى أن فعل الأمر من وقى ووعى على: (قِ) و (عِ) فيكون من صوتين: صامت+ حركة.

وذلك بخلاف لغة الملايو- على سبيل المثال- فيمكن أن تجد فيها مقطعا مكونا من صوت واحد، وذلك مثل المقطع الأول في كلمة (i/ni) ومعناها هذا.([4])  

الخاصية الثانية:

          المقطع يتكون من وحدتين صوتيتين (أو أكثر)، إحداهما (أو إحداها) حركة قصيرة أو طويلة؛ ومن ثم فلا وجود لمقطع خالٍ من الحركة.

الخاصية الثالثة:

          يبدأ المقطع بصوت صامت واحد تليه حركة قصيرة كان أو طويلة؛ ومن ثم فلا وجود لمقطع يبدأ بصوتين صامتين، ومن ذلك ما نجده في لغة الملايو، حيث فيها: صامت+ صامت+ حركة، كما في المقطع الأول في (Pra/ka/ta) بمعنى مقدمة. أو صامت+ صامت+ حركة+ صامت، مثل: (skrip)K وهي مقترضة من الإنجليزية وبنفس المعنى scrip أو script، ونجد فيها أيضا: صامت+ صامت+ صامت+ حركة، ومثالهStrategi  وهي إنجليزية الأصلStrategy  كما هو واضح.

وبالتالي تلاحظ في هذه اللغة تلك المقاطع التي تخلو منها العربية ورموزها: (ص ص ح ص/ ص ص ص ح/ ص ص ص ح ص)

وقد وجد أيضا أن هذه اللغة تتفق مع العربية في نمطين اثنين فقط من المقاطع هما: (ص ح/ ص ح ص) في حين تختلف باقي الأنماط الملايوية عن المقاطع العربية. ([5])  

وقد يعزى إلى هذا السبب صعوبة اللغة العربية على قطاع كبير من المتكلمين بهذه اللغة، لقلة المقاطع التي تلتقي فيها لغتهم مع العربية.

الخاصية الرابعة:

          لا ينتهي المقطع بصوتين صامتين، إلا في حالات الوقف، أو إهمال الإعراب.

الخاصية الخامسة:

          يغلق المقطع بصوت صامت واحد، أو يظل مفتوحًا.

الخاصية السادسة:

          قد يصل عدد مقاطع الكلمة إلى خمسة مقاطع، وقد تتصل إلى سبعة، خصوصًا عند احتساب الوحدات الصرفية مثل: (همزة الاستفهام، تاء التأنيث، واو الجماعة… إلخ).

الخاصية السابعة:

          تميل المقاطع العربية من حيث: الغلق والفتح إلى المقاطع المغلقة.

الخاصية الثامنة:

          تميل أكثر المقاطع من حيث: الكم إلى المقاطع القصيرة والمتوسطة.

ومما لاحظه بعض العلماء عند دراسة مقاطع العربية أن هناك كلمات:

  • أحادية المقطع مثل (مَنْ) وتقطيعها:[مَن/ ص ح ص].
  • ثنائيته مثل (لمَّا) وتقطيعها:[ لم/ ص ح، ما/ ص ح ح].
  • ثلاثيته مثل (يُقَاتِل) وتقطيعها:[يُ/ ص ح، قَا/ ص ح ح ، تِل/ ص ح ص].
  • رباعيته مثل (يَتَعَلَّم) وتقطيعها:[يَ/ ص ح، تَ/ ص ح، عَلْ/ص ح ص، لَم/ ص ح ص ].
  • خماسيته مثل: (مُتَخَاصِمين) وتقطيعها:[مُ/ ص ح، تَ/ ص ح، خا/ ص ح ح، صِ/ ص ح، مين/ ص ح ح ص].
  • سداسيته مثل: (يتجاهلونَ) وتقطيعها:[يَ/ ص ح، تَ/ ص ح، جا/ ص ح ح، هَ/ ص ح، لو/ ص ح ح، نَ/ ص ح].
  • سباعيته مثل: (مُتَحَدِّثيهما) وتقطيعها:[مُ/ ص ح، تَ/ ص ح، حَدْ/ ص ح ص، دِ/ ص ح، ثِي/ ص ح ح، هِ/ ص ح، ما/ ص ح ح ].

           فأما الكلمات ذات المقطع الواحد فإن المقطع الذي تتكون منه قد يكون قصيرا أو متوسطا أو طويلا. ومعظم الكلمات التي يكونها مقطع قصير أو متوسط واحد أدوات نحوية، فمما يقع من هذه في مقطع واحد قصير باء الجر المكسورة، وواو العطف المفتوحة. ومما يقع في المقطع المتوسط (ما) و (في). وأما الكلمات غير الأدوات، فقلما نجد منها ما تركيبه مقطع واحد قصير أو متوسط، مثل (يد) و (دم)، ولكن لكلمة كثيرا ما تأتي في صورة مقطع طويل واحد مثل (قال) و(عبد).

وأما الكلمات ذات المقاطع الثلاثة أو الأربعة أو الخمسة أو الستة أو السبعة فإنها جميعا من ذوات الملحقات الصرفية، ولو جئنا بكلمة مثل (مُحْتَمِلِيهمَا) لوجدناها تتكون من مقاطع ستة كما يأتي:

مُحْ (ص ح ص )/ تَ (ص ح)/ مِ (ص ح)/ لِي (ص ح ح)/ هُ (ص ح)/ مَا (ص ح ح) ([6])

ما أهمية دراسة المقاطع؟

قلنا قبل ذلك إن لكل لغة نظامها المقطعي الخاص، وبذلك نستطيع معرفة بعض الكلمات التي لا تتوافق مع نظامنا المقطعي في اللغة العربية، ومن ثم يكون دليلاً واضحًا على أنها دخيلة “ولقد ثبت من خلال الدراسات القليلة التي تمت حول هذا الموضوع أن اللغة العربية لا تسمح:

بتوالي مقطع من النوع الثالث (ص+ح+ ص) يلية مقطعان من النوع الثاني (ص+ ح ح) في كلمة واحدة، فإن تصادف ووجدنا كلمة تتوالى مقاطعها على هذا النحو أدركنا أنها غير عربية، وذلك مثل كلمة: (بِرْنَابَا).

كما لا توجد كلمات تتوالى مقاطعها على النحو التالي: (مقطع من النوع الثاني+ مقطعان من النوع الثالث)، فإذا وجدنا كلمة هذا نسجها؛ حكمنا بأنها غير عربية، وذلك مثل: كلمة (كَالِنْدَر).

وقد سبق أن ذكرنا أن أيَّ مقطع يبدأ بصوتين صامتين لا ينتمي إلى المقاطع العربية، ومن ثم فإن وجوده دليل على أن الكلمة التي تشتمل عليه هي كلمة غير عربية”([7])

أي أنه لا يوجد فيها هذه الأنماط:

النمط الأول: ص ح ص/ ص ح ح/ ص ح ح

النمط الثاني: ص ح ح / ص ح ص/ ص ح ص

النمط الثالث: ص ص

ثالثاأهمية المقاطع الصوتية في تعليم اللغة العربية:

           بعد أن عرفنا مفهوم المقطع الصوتي وصوره في اللغة العربية، يأتي الآن السؤال المهم: كيف أوظف المقاطع الصوتية في تعليم العربية للناطقين بغيرها؟

في الحقيقة هناك جانبان يختصان بالمقاطع لابد أن يُعنى بهما معلمُ العربية للناطقين بغيرها، وهما كالتالي:

الجانب الأول: يتمثل في مراعاة الفروق بين النظام المقطعي العربي للأصوات، وغيرها من أنظمة المقاطع في اللغات الأخرى، ذلك أن اختلاف هذا النظام بين اللغة المتعلمة واللغة الأم لا شك يترك أثرًا في تلك العملية التعليمية.

              فعلى سبيل المثال فإن العربية كما ذكر علماؤنا لا تزيد مقاطعها على السبعة، في حين (( أن التركية – على سبيل المثال- بوصفها لغة إلحاقية تزيد فيها المقاطع على سبعة مقاطع في كثير من الأحيان، مما يسبب صعوبة عكسية للمتعلم العربي للغة التركية، في حين لا يمثل المشكلة نفسها بالضرورة عند المتعلم التركي للعربية )) ([8]) وإنما قد يشكل الأمر مشكلة بالنسبة لمن كانت المقاطع الصوتية في لغته لا تصل إلى السبعة مقاطع، عند نطق هذا النوع من الكلمات في العربية، من مثل كلمة (فسيكفيكهم) ذات الست مقاطع، وتقطيعها الصوتي هكذا:

ف س يك في ك هم
ص ح ص ح ص ح ص ص ح ح ص ح ص ح ص

 

     وهو ما يتطلب اللجوء إلى تقسيم الكلمة إلى مقاطع صوتية يسهل نطقها، ثم تجميعها بعد ذلك في نطق الكلمة كاملة، وقد قابلت هذه النوعية من النطق الخاطئ مع طالب بريطاني صعب عليه نطق كلمة (استنشاق)، مما جعلني ألجأ إلى تقطع الكلمة صوتيا هكذا: (اس/ تن/ شاق) مع الحرص على ترديدها مرارا وتكرارا، ثم نطق الكلمة كاملة.

الجانب الثاني: يتمثل في التنبه إلى أخطاء المتعلم من حيث نقل خبراته النطقية من لغته الأم إلى اللغة العربية، فقد عرفنا أن العربية لا تسمح بالبدء بالساكن، في حين تسمح به بعض اللغات كالإنجليزية فقد تبدأ بعض الكلمات بساكن دون حركة تفصل ما بينه وبين ما بعده  في مثل كلمة: (Stad)

و(( كذلك لا يمكن أن تبدأ الكلمة في العربية بحركة شأن الكلمة الإنجليزية important فإذا كان لابد من البدء بحركة في أول الكلمة اجتلبت قبلها همزة، ليكون البدء بمتحرك.. مثل: كتب- يكتب فإن صوغ الفعل الأمر من المضارع يقتضي إسقاط ياء المضارعة، فيبقي لصيغة الأمر بنية (كْتب) ولما كان من العسير النطق بالصامتين (الكاف والتاء) في بداية الكلمة فإن من الطبيعي الإتيان بحركة قبل الكاف.. ولكن محظور آخر سوف يحدث، وهو وجود حركة في بداية المقطع الأول من الكلمة، فكانت همزة الوصل هي الصوت المساعد للنطق بالمجموعة الممنوعة في بناء اللغة العربية، وقد توصلت إلى هذا الحل الفطرة العربية السليمة التي نطقت الفعل (اُكتب) ولذا سميت (همزة الوصل) أي: التي يتوصل بها وبحركتها إلى النطق بصامتين تبدأ بهما الكلمة)) ([9]

=============================

[1]))  آل عمران (من الآية 110)

([2]) علم الصوتيات (478)

([3]) نقلت هذا الجدول من كتاب علم الصوتيات (234)، مع بعض التعديلات البسيطة.

([4])  ينظر: علم اللغة التطبيقي بحوث ودراسات (75، 77)

([5])  ينظر: علم اللغة التطبيقي بحوث ودراسات (77 وما بعدها)

([6])  مناهج البحث في اللغة (142) بتصرف.

([7]) مقدمة في أصوات اللغة العربية (193، 194)، وينظر – أيضًا- للمزيد عن موضوع المقاطع: الأصوات اللغوية (87 وما بعدها), علم الأصوات (503 وما بعدها)، دراسة الصوت اللغوي (279 وما بعدها)، مدخل إلى علم اللغة(80 وما بعدها), علم الصوتيات (231 وما بعدها).

[8]))  صعوبات تعلم اللغة العربية (إلهيات غازي عنتاب نموذجا) (7) بتصرف، د. سمير عمر سيد.

[9]))  علم اللغة العام (109) بتصرف، د. عبد الصبور شاهين.

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu