الخرائط الدلالية:
هي شبكة تترابط فيها المفاهيم بعلاقات منطقية ودلالية، ويمثل مجموع العلاقات التي يكون المفهوم طرفا فيها المحتوى الدلالي والمعرفي له. وهي تتكون من مجموعة من العقد Nodes، تتحمل كل عقدة مفهوما من المفاهيم، وتترابط هذه العقد فيما بينها بعدد من الروابط أو العلاقات Links تحدد طبيعة الصلة بين تلك المفاهيم([1]). والخريطة الدلالية العامة للمفاهيم التي تحملها لغة من اللغات تتألف من مجموعة من الخرائط الدلالية الجزئية، حيث يتولد من كل مفهوم مجموعة من العلاقات الدلالية، تمتد كل علاقة منها إلى مفهوم آخر، ويمكن أن نسمي المفهوم الذي تتولد منه العلاقات بالمفهوم الأساسي أو المركزي، والمفاهيم التي تمتد إليها العلاقات بالمفاهيم الفرعية، أو المفاهيم الأطراف أي التي تقع على أطراف العلاقات الدلالية، ومن ذلك تتكون خريطة دلالية جزئية، يتوسطها المفهوم الأساسي، ويقع على أطراف العلاقات المتولدة منه مجموعة من المفاهيم الفرعية، ثم تتولد من كل مفهوم فرعي علاقات يقع على أطرافها مفاهيم فرعية أخرى، ويعد بذلك كل مفهوم منها أساسيا إذا نظرنا إليه بوصفه مركزًا لخريطة دلالية جزئية، ومصدرا تتولد منه العلاقات الدلالية، وفرعيا إذا نظرنا إليه بوصفه مستقبِلا لعلاقة أو أكثر من تلك العلاقات.([2])
وتتنوع أشكال الخريطة الدلالية بتنوع طبيعة المفاهيم المكونة لها، ونوع العلاقات الرابطة بينها جميعا، فقد تكون هرمية أو شجرية أو شبكية أو تسلسلية..إلخ، وهكذا تنمو الخريطة الدلالية حتى تغطي جميع المفاهيم التي يتبادلها أبناء اللغة، والعلاقات التي تترابط بها. ([3]) فالخريطة الدلالية هي إستراتيجية لتمثيل المحتوى المعرفي المقدَّم للمتعلم في شبكة من المفاهيم المترابطة فيما بينها بمجموعة من العلاقات والصلات التي تحاكي هيكلة بنيته المعرفية.([4])
والخريطة الدلالية في إطار علم اللغة التطبيقي تفيد من نظريتين أساسيتين هما نظرية دلالات الألفاظ Semantic Theory ، ونظرية المخطط العقلي Theory Schema، أما النظرية الدلالية فهي التي تفسر معنى الكلمة، وتحدد خصائصه ومكوناته، ففي النظرية السياقية Contextual Theory يرى فيرث وأتباعه أن معنى الكلمة يتمثل في كيفية استعمالها في اللغة، ولهذا صرح فيرث بأن المعنى لا ينكشف إلا من خلال تسييق الوحدة اللغوية، أي وضعها في سياقات مختلفة، وأن معنى الكلمة لا يمكن وصفه إلا بملاحظة الكلمات المجاورة لها في السياق([5]). مع ضرورة أن نفهم هذا التجاور على أنه اجتماع الكلمتين في جملة واحدة مفيدة، وترابطهما بعلاقة تركيبية؛ لأن وجود العلاقة التركيبية بينهما دليل على توافقهما الدلالي، وارتباطهما بإحدى العلاقات الدلالية، ومن ثم تقوم كل كلمة منهما بدور المعرِّف والمقيِّد للكلمة الأخرى.([6])
كما يرى كاتز وفودر أصحاب نظرية الحقول الدلالية Semantic Fields Theory أن معنى الكلمة يفهم من خلال معرفة الكلمات المتصلة بها دلاليا، أو أنه محصلة علاقاتها بالكلمات الأخرى التي تنتمي إلى حقلها المعجمي([7])، فالكلمات ليست “وحدات معزولة فهي مرتبطة بعضها ببعض ارتباطا متبادلا، إذ إن معنى الكلمة لا يتحدد إيجابيا بمدلوله فقط، وإنما سلبيا بعلاقاته مع الوحدات الأخرى في النظام”.([8])
فمعنى الكلمة يتكون من مجموعة من السمات الدلالية Semantic Features بعضها مركزي، وبعضها الآخر هامشي، وأن الكلمة قد تتوافق دلاليا مع كلمة أخرى في سمة منها أو أكثر، ويمكن تمثيل هذا التوافق بإحدى العلاقات الدلالية التي يمكن أن تربط بين الكلمتين، وتبين منزلة إحداهما من الأخرى، بحيث إن رصد العلاقات الدلالية التي تدخل الكلمة طرفا فيها يعني تحديد جميع سماتها الدلالية، وتعيين الكلمات التي تتوافق معها دلاليا، فالعلاقات الدلالية تعبر تعبيرا دقيقا عن معنى الكلمة التي يمكن أن ترد به في أحد السياقات اللغوية([9])، ومن ثم يمكن الاعتماد عليها في نسبة الكلمة في سياقها إلى معناها المناسب، وفك ما قد يطرأ عليها من اللبس الدلالي؛ حيث إن ثمة صلة بين التصاحب اللفظي بين الكلمتين في السياق اللغوي، كما يراه فيرث وأتباعه، والتوافق الدلالي بين هاتين الكلمتين في الحقل المعجمي كما يراه كاتز وفودر. ([10]).
أما النظرية الثانية (المخطط العقلي) التي جاء في إطارها كلام أوزبل السابق، وما أضافه د. نوفاك، فإنها تؤمن بأن العقل مكون من أبنية افتراضية يختزن فيها ما هو معروف، وما يُتعلم من معلومات، وهذه الأبنية تكوِّن شبكات من المعرفة، كل شبكة تمثل مجالا معينا من مجالات المعرفة، ويطلق عليها مخططات (شبكات) أو أطر داخلية، فعندما يستثار عقل الإنسان بمعلومات جديدة يتعرفها أولا، ثم يقوم بتفسيرها في ضوء خبراته السابقة والمختزنة في هذه الأطر والشبكات، وهي تقوم بدورها بتخزين المعلومات المكتسبة لاستخدامها في فهم المعلومات والمعارف الجديدة.([11])
===============================
([1])الذكاء الاصطناعي واقعه ومستقبله، تأليف آلان بونيه، ترجمة د. علي صبري فرغلي: ص 117.
([2]) أثر استخدام خرائط المفاهيم في التحصيل وتعديل قصور الانتباه لدى تلاميذ التربية الخاصة، غصون خالد الشريف، مجلة أبحاث كلية التربية الأساسية، المجلد11، العدد2، 2011م، ص68.
([3]) الاستراتيجيات الحديثة لتعليم وتعلم اللغة، د. علي عبد السميع قورة، ودوجيه المرسي أو لين، وانظر: أثر استخدام خرائط المفاهيم في التحصيل وتعديل قصور الانتباه لدى تلاميذ التربية الخاصة، غصون خالد شريف، جامعة الموصل، كلية التربية الأساسية، 2011م ، وانظر: أثر استراتيجية الخريطة الدلالية في تنمية مهارات القراءة الجهرية لدى تلاميذ الصف الرابع الابتدائي، أحمد خليل علي حسين، مجلة الفتح العدد 52، 2012م.
([4]) أثر استعمال الخريطة الدلالية في تنمية مهارات الأداء التعبيري لدى طالبات الصف الأول المتوسط، نور فراس عبد الكريم، رسالة ماجستير، كلية التربية للعلوم الإنسانية، قسم العلوم النفسية والتربوية، 2011م. ص69.
([5] ) علم الدلالة، د.أحمد مختار، ص 68،69. وانظر أيضًا: علم الدلالة: أصوله ومباحثه في التراث العربي، منقور عبد الجليل، ص 89
([6]) أثر استعمال الخريطة الدلالية في تنمية مهارات الأداء التعبيري لدى طالبات الصف الأول المتوسط، نور فراس عبد الكريم، ص65.
([7]) علم الدلالة، د.أحمد مختار ، ص79، 80.
([8] ) اللغة والاتصال في الخطاب متعدد المعنى، د. ماجدة توماس حانة، ترجمة: د. ماري شهرستان، ص35 .
([9]) يرى نوبل وهو أحد علماء النفس اللغويين، أن معنى المثير ليس أكثر من مجرد عدد الارتباطات التي يمكن أن يثيرها مثير لفظي معين (يقصد بالارتباطات الكلمات المثارة)، ويرى أن قياس معنى هذا المثير اللفظي هو متوسط عدد الارتباطات التي أعطتها أفراد عينة معينة أثناء فترة زمنية محددة. انظر: علم النفس اللغوي، د. نوال محمد عطية، ص 136
([10]) علم الدلالة، د.أحمد مختار، ص 68،69. وانظر أيضًا: علم الدلالة: أصوله ومباحثه في التراث العربي، منقور عبد الجليل، ص 89.
([11] ) أثر استعمال الخريطة الدلالية في تنمية مهارات الأداء التعبيري لدى طالبات الصف الأول المتوسط، نور فراس عبد الكريم، ص65. وانظر: أثر استخدام الخريطة الدلالية في التحصيل والاستبقاء لدى تلميذات الصف الخامس في مادة العلوم العامة، نسرين حمزة عباس السلطاني، جامعة باب، كلية التربية الأساسية، 2011م.
[جزء من بحث: الخريطة الدلالية ودورها في تعليم المفاهيم القرآنية. دراسة لغوية تطبيقية، مجلة كلية الآداب بقنا- جامعة جنوب الوادي، العدد (44) لسنة 2015م، تم نشره بإذن من كاتبه]