Site icon كُنُوز الْعَرَبِيَّة

تعدد الجمع للمفرد الواحد في القرآن الكريم [الحلقة الأولى] بقلم د. حاتم أبو سعيدة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رحمة الله للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

فإنَّ القرآنَ الكريمَ مصدرُ اللغةِ العظيمُ، وأساسُها القويمُ، ارتباطُ علومِها به ارتباطٌ وثيقٌ، لا تنفك عنه، ولا يقع بينهما انفصامٌ، به تعلو، وإلى مقاصده تسمو، ومن أجله تبقى، ولشرف مكانه ترقى، لا منزلة رفيعة لها لولاه، والمتمسك بكل ما فيه يبلغ العزَّ ومنتهاه؛ فالعَلاقةُ بين القرآن الكريم واللغة العربية علاقةٌ تبادليةٌ؛ هما وجهان لعملة واحدة، حيث تجاوز القرآن باللغة حُدودَها وعُرفَها إلى آفاقٍ لم تطرقها من قبل، وأعطت العربية للقرآن بُعدًا لغويا لم يسبقه مثيل، وكانت أداة مثلى للتعبير عن دلالاته ومراداته.

إنَّ بِنا كبيرَ حاجةٍ لدراساتٍ قرآنيةٍ تتناسبُ مع خصوص النظم القرآني وسُمُوِّ بيانه وعُلو بلاغته، وتتواءمُ مع وظيفة هذا الخطاب من حيثُ كونُه نصا ثابتا إلى يوم القيامة ومعنًى متحركا إلى يوم الدين؛ وقد عكف عليه العلماء والدارسون –منذ فجر نزوله إلى يومنا هذا– وفي هذين النموذجين أحاول أن أضع بين يدي القارئ الكريم دور السياق في تعدد الجموع الواردة في القرآن الكريم، فـ “قد يجمع الاسم الواحد عدة جموع فما تفسير هذه الظاهرة؟ وهل تختلف معاني الجموع باختلاف الأوزان؟

لم يفسر النحاة هذا الأمر، ولم يفرقوا بين أن يكون فُعّال جمعا لفاعل، وبين أن يكون فَعلة جمعا لفاعل وذلك كطلاب وطلبة جمعا لطالب. وأرجعوا مثل هذا إلى اختلاف اللغات، وإلى دلالة الجمع على القلة، أو الكثرة، أو تعود إلى اختلاف المعاني بأن تكون اللفظة مشتركة بين معنيين فيجمع كل معنى على وزن كالخيلان جمع الخال الذي هو بمعنى الشامة، والأخوال جمع الخال الذي هو أخو الأم، وربما فرقوا في ألفاظ قليلة بين جميعين لمفرد واحد غير مشترك، وذلك مثل: الركبان والركاب جمع راكب، ولكن لابد أن يكون اختلاف الأوزان في الغالب يؤدي إلى معان مختلفة فالعُمى ليس بمعنى العميان تماما، ولولا اختلاف المعنى ما اختلفت الأوزان”([1]).

وتعد نظرية السياق من أكثر النظريات اللغوية قدرة على فهم النص اللغوي فهما صحيحا، لا سيما تلك النصوص التي يوحي ظاهرها بأكثر من معنى.

والجمع لغة: مصدر قولك جمعت الشيء أي ضممت بعضه إلى بعض، ويقول ابن فارس (ت:395هـ): “الجيم والميم والعين أصل واحد، يدل على تضام الشيء. يقال جمعت الشيء جمعا، أو الجمع اسم بمعنى الجماعة”([2]).

 فالجمع ضم شيء إلى أكثر منه، والغرض منه الايجاز والاختصار، إذ كان التعبير باسم واحد أخف من الإتيان بأسماء متعددة.

واصطلاحا: هو اسم ناب عن ثلاثة فأكثر: إما بزيادة في آخر واحده نحو متعلم ومتعلمون، ومتعلمة ومتعلمات، وإما بتغيير في بناء واحده نحو صَقْر وصُقْر، ومعبد ومعابد([3]).

والجموع في العربية على نوعين جمع سالم، وجمع تكسير، وقد يجمع الاسم الواحد عدة جموع وذلك نحو: كافر يجمع على كفّار وكفرة وكافرين، فما تفسير هذه الظاهرة؟ وهل تختلف معاني الجموع باختلاف الأوزان؟

لم يفسر النحاة هذا الأمر، ولم يفرقوا بين أن يكون فُعّال جمعا لفاعل، وبين أن يكون فَعلة جمعا لفاعل وذلك كطلاب وطلبة جمعا لطالب. وأرجعوا مثل هذا إلى اختلاف اللغات، وإلى دلالة الجمع على القلة، أو الكثرة، أو تعود إلى اختلاف المعاني بأن تكون اللفظة مشتركة بين معنيين فيجمع كل معنى على وزن كالخيلان جمع الخال الذي هو بمعنى الشامة، والأخوال جمع الخال الذي هو أخو الأم، وربما فرقوا في ألفاظ قليلة بين جميعين لمفرد واحد غير مشترك، وذلك مثل: الركبان والركاب جمع راكب. ولكن لابد أن يكون اختلاف الأوزان في الغالب يؤدي إلى معان مختلفة فالعُمى ليس بمعنى العميان تماما، ولولا اختلاف المعنى ما اختلفت الأوزان. وإن أهم أسباب لاختلاف أوزان الجموع ما يأتي:

وقد أرجع الدكتور/ السامرائي ذلك إلى اختلاف اللهجات([6]).

بعد هذه المقدمة سأذكر ما يوضح دور السياق في تحديد نوع الجمع، وذلك في المقالات التالية.

… يتبع

========================

([1]) معاني الأبنية في العربية: فاضل السامرائي، ص: 133  ط: الثانية، دار عمار1428ـ2007م

([2]) العين/ (ج م ع)/1/239. و: لسان العرب/( ج م ع) /8/53. و: مقاييس اللغة/ (ج م ع)/ 1/479.

([3]) معجم الجموع في اللغة العربية/ أدما طربيه ص:1 /ط: الثالثة/ مكتبة لبنان ناشرون 2003م.

([4]) لسان العرب/1/175.

([5]) معاني الأبنية العربية  ص:113: 118 بتصرف.

([6]) دراسات في اللغة ص:78.