حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

ابن القيم ونظرية الحقول الدلالية بقلم أ.د/ أحمد علي ربيع

ابن القيم ونظرية الحقول الدلالية بقلم أ.د/ أحمد علي ربيع

نظرية الحقول الدلالية:

يقصد بالحقل الدلالي مجموعة من الكلمات التي ترتبط دلالاتها ويجمعها معنى عام واحد, وذلك مثل ألفاظ القرابة أو الألوان[1]، أو الصحبة, أو المعادن أو غيرها. “وعلاقة هذه النظرية بالمعنى أن معرفة الحقل الذي تنتمي إليه الكلمة يساعد في تعريف معناها, كما أن موقع الكلمة بين أخواتها في الحقل- أي ترتيب ذكرها – يعني درجة من تحرير معناها في الحقول القابلة لذلك الترتيب[2]“؛ ولكي نعرف معنى كلمة ما لابد من دراسة محصلة العلاقات التي تربطها بالكلمات التي تدخل معها في إطار هذا الحقل. ويدرك أصحاب هذه النظرية أثر السياق في تحديد معنى الكلمات, كما أدركوا أن للتركيب النحوي أثرًا في هذا التحديد[3].

ولاشك أن جذور هذه النظرية قد نبعت من الفكر العربي المعجمي, فتعد مجموعة الرسائل اللغوية التي صنفها الأوائل من علماء اللغة في خلق الإنسان والخيل والنبات والسيف وغيرها من الموضوعات – والتي تلتها معاجم الموضوعات – نموذجًا عمليًا لهذه النظرية، ومنها الغريب المصنف والمخصص وغيرها, فقد قسموا الكتاب إلى مجموعة حقول دلالية، كل حقل يجمع مجموعة من الكلمات تنضوي تحت حقل دلالي واحد, وتتفاوت هذه الحقول من حيث كبر الحجم وصغره, ومن حيث عدد الكلمات المندرجة تحت كل منها.

ابن القيم والحقول الدلالية:

أورد ابن القيم في موضع واحد في كتابه “روضة المحبين” واحدًا وخمسين اسمًا كلها تنضوي تحت حقل الحب, وهي ألفاظ يجمعها معنى عام واحد, ويفرق بينها بعض الملامح الدلالية, ويتجلى في هذا مدى براعة ابن القيم في تفسير معاني هذه الألفاظ وتأصيلها من الناحية الاشتقاقية.

ولا تعجب إذا رأيت ابن القيم يردد اللفظ الواحد بين مجموعة من الأصول الاشتقاقية، ومع كل أصل يظهر معنى جديد للفظ يربطه بالمعنى العام للحقل الدلالي بأسلوب عجيب.

خذ مثلًا لذلك كلمة “المحبة”, هل هي من حَبَب الإنسان, أو من الحَبَاب، وهو ما يعلو الماء عند المطر الشديد, أو من أحَبَّ إذا برك فلم يَقُمْ, أو من الحِبِّ, وهو القُرْطُ, لقلقه في الأذن واضطرابه, أو من الحَبِّ جمع حبة, وهي لُباَبُ الشيء وخالصه، أو من الحُبّ الذي هو إناء واسع يُوضع فيه الشيء فيمتلئ ولا يتسع لغيره. أو من الحُبّ وهو الخشبات الأربع التي يستقر عليها ما يُوضع عليها من جَرَّةَ أو غيرها, أو من حَبّة القلب, وهي سويداَؤه[4]. وانظر ما قيل في العشق[5].

كذلك ترى أن ابن القيم يستعرض كثيرًا من الآراء الاصطلاحية في تحديد مفهوم اللفظ ذاته, وقد وصل – بدون مبالغة – إلى خمسة وعشرين رأيًا في تحديد مفهوم المحبة، لكن المتأمل لهذه الألفاظ التي جمعها ابن القيم ضمن هذا الحقل يرى أن هناك تكلفًا فى إدراج بعضها فيه, من ذلك مثلًا الوَهَلُ, وأصله الفزَع، والروع، والسَّدَمُ، والشّجَنُ، والاكتئَاب، والوصَبُ, والحزن، والكَمَدُ، واللَّذْع, وأصله من لَذْع النار … وغيرها, فبعض هذه الأسماء من لوازم الحب, وبعضها من أحكامه, وبعضها من عوارضه, وبعضها من أسمائه, وقد تنبه ابن القيم لذلك حين قال: “وأما الكَمَدُ: فمن أحكام المحبة في الحقيقة وليس من أسمائها, ولكن المتكلمين في هذا الباب لا يفرقون بين اسم الشيء ولازمه, وحكمه[6]“. وقال أيضًا: “وأمّا الحُرَق: فهي أيضًا من عوارض الحب وآثاره[7]“.

كما تساءل ابن القيم، هل هذه الأسماء متباينة أو مترادفة بالنسبة للحب، وبين أن المترادفة هي التي تدل على الشيء باعتبار الذات فقط, وذلك كألفاظ البُرِّ والقمح والحنطة. أما المتباينة فهي التي تدل على ذات واحدة باعتبار تباين صفاتها, وذلك كأسماء السيف, كالمهند والعضب, والصارم وغيرها[8]،

ولاشك أن جملة الأسماء التي ذكرها تندرج تحت النوع الأخير, وذلك لأنها تمتلك صفات متباينة بالنسبة للمعنى الجامع, كما أن كلًا منها له دلالته الخاصة التي ينفرد بها عن غيره من الألفاظ.

[1] علم الدلالة د. أحمد مختار عمر ص 79

[2] المعنى اللغوي د. محمد محمود حسن جبل ص 160

[3] علم الدلالة د. أحمد مختار عمر ص 79, وفي علم الدلالة د. محمد سعد ص 46

[4] روضة المحبين ص 49 , 50

[5] السابق ص 59 وما بعدها

[6] السابق ص 72

[7] السابق ص 73

[8] السابق ص 90 ، 91

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu