حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

المعنى في شروح المنظومات الحديثية- دراسة في بعض شروح منظومة (غرامي صحيح) [4] بقلم د. عمرو عطيفي

مدرس بقسم اللغة العربية وآدابها في كلية الآداب - جامعة القاهرة

 مصادر الشروح اللغوية:

لا شك أن المصادر هي الوثيقة التي يقتبس منها المصنف مادة مساعدة ومعينة على إيضاح معنى، أو دعم رأي، أو نقده؛ ومن ثم تحرص المدونات اللغوية قديمًا وحديثًا على ذكر المصادر المعتمد عليها، لينشأ بين القارئ ومقروئه نوع من التآلف والمصداقية فيما يُعرض من معان ودلالات وحقائق من ناحية، ولتمييز قول السابق عن اللاحق من ناحية أخرى. ولم تكن فكرة الاعتماد على المصادر في التصانيف لغوية خالصة بل كانت غاية كل العلوم العربية قديمًا وحديثًا.

وقد اهتم جل الشراح على اختلاف بيئاتهم الثقافية- مفسرين ومحدثين وأدباء ونحاة ولغويين- بذكر المصادر التي يعولون عليها في الشرح، إما في صدر مصنفاتهم، أو فيما يعرضون من معلومات ودقائق داخل النصوص المشروحة، وهذا أمر جلي واضح كالنهار لا يحتاج إلى دليل.

وإذا انتقلنا إلى الشروح الأربعة مادة دراستنا فأول ما يلفت الانتباه أنها لم تنبئ القارئ مصادرها التي اعتمدت عليها في الشرح، اللهم إلا صاحب شرح شرف الطالب في أسنى المطالب، ورغم ذلك فقد ضنت مقدمته بذكر المصادر اللغوية التي اعتمدت عليها في استجلاء المعاني، فقد اقتصر حديث ابن قنفذ في المصادر على المصادر التي اعتمد عليها في شرح مصطلحات الحديث النبوي الشريف، جاء في المقدمة: “وعمدتنا في بسطها كتاب أبي عبد الله الحاكم وكتاب أبي عمرو عثمان بن الصلاح وكتاب الألماع للقاضي عياض وبعض تقاييد في هذا الشأن”([1]).

ولم يكن هذا شأن ابن قنفذ في مقدمته فحسب، بل ضن شرحه بذكر المصادر اللغوية التي اعتمد عليها، على الرغم من إكثاره من المعلومات اللغوية والنحوية- على نحو ما نبين في موضعه- إذ لم نعثر على مصادر إلا في مواضع معدودة، ربما لا تتعدى ثلاثة مواضع، كإشارته إلى ابن مالك في خلاصته وابن عصفور في مقربه([2])، بل إنه يضن أحيانًا بتصريح أصحاب المذهب النحوي، كقوله عقب بيت المنظومة: (ولا حسن إلا سماع حديثكم): “ويجوز رفع لا حسن على أن لا عملت عمل ليس في مذهب قوم، فهو اسمها”([3])، وهؤلاء القوم هم البصريون كما يعرف أرباب هذا الفن.

وقريب من منهج ابن قنفذ المالكي في شرحه، فإذا لم يبين في مقدمته مصادره، فلم يثبتها في تضاعيف شرحه.

وأما الشرحان الآخران فقد اتفقا مع الأوليين في إبهام المقدمة للمصادر، وتفردا في ذكر مصادرهما في الشرح، وإن تفاوتا في ذلك؛ فقد أشار السفاريني في ملحه إلى كتاب الصحاح في أربعة مواضع([4])، وإلى القاموس المحيط في موضع([5])، كما عزا رأيًا إلى بعض شراح المنظومة دون التصريح، يقول السفاؤيني عقب قول الناظم: (وأجريت دمعي فوق خدي مدبجًا): “وقال بعض من شرح هذه القصيدة: مدبجًا مجمرًا على ديباجة الوجه، ويحتمل أن يعني به مستويًا على حالة واحدة، أي لا ينقطع. انتهى”([6]).

كما عزا السفاريني بعض التعريفات أو المعاني القلبية كالغرام والصبر والحب إلى أصحابها، فيلقانا ابن القيم في كتابه روضة المحبين يحدثنا عن الغرام: “وللطف المحبة عندهم استعذابهم لها يكادوا يطلقون عليها لفظ الغرام وإن لهج به المتأخرون”([7]). ويلقانا سعيد بن جبير والإمام أحمد وغيرهما في تعريف الصبر: “وقال سعيد بن جبير: الصبر اعتراف لله بما أصابه واحتسابه عند الله ورجاء ثوابه. قال الإمام أحمد رضي الله عنه: الصبر في القرآن في تسعين موضعًا، وقال بعضهم: الصبر حبس النفس عن المكروه وعقل اللسان عن الشكوى”([8]).

أما صاحب البهجة السنية فقد تفرد عن غيره من الشراح الثلاثة بذكر المصادر التي اعتمد عليها في شرح المادة اللغوية، صحيح اتفق مع ثلاثتهم في إبهام المصادر من المقدمة، لكن الصحيح أيضًا أنه ذكرها بكثرة في تضاعيف شرحه.

وإذا تميز التتائي بذكر مصادره في الشرح، فإن نظرة فاحصة في منهجية مصادره توقفنا على ألا منهج في طريقة ذكر المصادر، فقط اتخذ التتائي في مصادره أشكالًا ثلاثة:

الأول- عزو الكلام إلى المصنف دون ذكر مصنفه اعتمادًا على شهرته، كأبي عبيدة([9])، والجوهري([10])– ولنا معه وقفة- وابن قتيبة([11])، والفراء([12])، وابن السكيت([13])، وابن السراج([14]).

الثاني- عزو الكلام إلى المصنف، كالصحاح- وسنتوقف عنده كما ذكرت من قبل.

الثالث- النقل عن السابقين دون إشارة إلى علم أو مصنف، كالنقل عن الفيروزابادي([15])، والجوهري([16])، والقزويني والبغدادي([17]) على نحو ما أشار المحقق في هوامشه.

        وقد ظهرت هذه الطرائق الثلاث مع مصنف واحد، أكثر التتائي من النقل عنه، بل كان أهم كتاب دائر في الشرح، وهو تاج اللغة وصحاح العربية للجوهري، وهو ما اختصره التتائي بالصحاح؛ فلم يذكر اسمه سوى مرة واحدة: “قال الجوهري: يقال به ردع من زعفران أو دم، أي لطخ وأثر، وردعته فارتدع، أي لطخته به فتلطخ. انتهى”([18]).

        وأشار إلى المعجم في خمسة مواضع، بطريقين: الأول- الابتداء بالكتاب قبل ذكر المعلومة اللغوية، مثل: “قال في الصحاح: وأنا أظن أن أصل المثل: (جناتها بناتها)؛ لأن فاعلا لا يجمع على أفعال، وأما الأشهاد والأصحاب جمع على شهد وصحب، إلا أن يكون هذا من النوادر؛ لأنه يجيء في الأمثال ما لا يجيء في غيرها. انتهى”([19]).

        وأما الطريقة الأخرى في التعامل مع المصنف (الصحاح) فهو تأخيره عن ذكر المادة التي تذيل بإحدى عبارتين: كذا في الصحاح([20])، و انتهى من الصحاح([21]).

        والأكثر من ذكر اسم الجوهري أو الإشارة إلى كتابه الصحاح هو النقل عنه دون أي إشارة، بل قد تتعدد النقول فيشير تارة ولا يشير أخرى، ويمكن الرجوع إلى أي موضع من مواضع شرح التتائي لتبين ذلك فهي أكثر من أن تذكر كما يسر محقق الشرح هذا الأمر على القارئ.

========================

([1]) شرف الطالب في أسنى المطالب، ص 65، ص 66.

([2]) شرف الطالب في أسنى المطالب، ص 198.

([3]) شرف الطالب في أسنى المطالب، ص 105.

([4]) انظر الملح الغرامية، ص 19، ص 60، ص 61، ص 76.

([5]) انظر الملح الغرامية، ص 43.

([6]) الملح الغرامية، ص 48.

([7]) الملح الغرامية، ص 19.

([8]) الملح الغرامية، ص 25.

([9]) البهجة السنية، ص 25.

([10]) البهجة السنية، ص 53.

([11]) البهجة السنية، ص 53.

([12]) البهجة السنية، ص 83.

([13]) البهجة السنية، ص 84.

([14]) البهجة السنية، ص 84.

([15]) البهجة السنية، ص 54.

([16]) البهجة السنية، ص 43، وغيرها.

([17]) البهجة السنية، ص 89.

([18]) البهجة السنية، ص 53.

([19]) البهجة السنية، ص 85، وانظر أيضًا، ص 88.

([20]) البهجة السنية، ص 53.

([21]) البهجة السنية، ص 55.

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu