حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

الحلقة الثالثة: مخارج الأصوات وصفاتها الجوهرية بقلم أ.د/ عصام فاروق

أستاذ أصول اللغة ووكيل كلية العلوم الإسلامية الأزهرية للوافدين

لكل صوت من الأصوات العربية جانبان مهمان: المخارج والصفات، فما مخارج الأصوات العربية؟ وما صفاتها؟

أولا- مخارج الأصوات:

المخرج، هو الموضع الذي يخرج منه، والذي قد يكون نتاج عضو  أو أكثر من أعضاء النطق.([1]) وذكر بعض العلماء أنه اسم لموضع خروج الحرف وتمييزه عن غيره.([2]) لكن من الملاحظ أن المخرج لا يميز الحرف عن غيره دائما، ويتضح ذلك في أحرف المخرج الواحد، والتي تفرق بينها الصفات.

طريقة معرفة مخرج الصوت:

وتعرف مخرج الصوت بأن” تنطق به ساكنا أو مشددا، ثم تدخل عليه همزة الوصل محركة بأي حركة كانت، فحيث انقطع الصوت فهو مخرجه المحقق، ولمعرفة مخرج حروف المد: أدخل على أي حرف منها حرفًا محركًا بحركة مناسبة له ثم اصغ إليه، تجد أنه ينتهي بانتهاء الهواء الخارج من جوف الفم، وبذلك يتضح أن مخرجها مقدر، وباقي أحرف الهجاء مخرجها محقق”([3])

لكن الدراسات الحديثة اعتمدت على وسائل أكثر تطورا؛ نتيجة الاعتماد على المعامل والاخترعات التي تمخضت عنها الحاجةُ، من خلال تطويع مبادئ العلوم الطبيعية لدراسة الأصوات وحل مشكلاتها، فظهر ما يعرف بالحنك الصناعي([4])، أو الاعتماد على الأشعة المصورة للجهاز الصوتي، أو برامج الأصوات مثل: برات(Praat)، أو غيرها.

تأهب المخارج لإخراج الأصوات:

عند إرادة الإنسان إصدار أصوات معينة تبدأ تلك العملية باستنشاق الهواء الداخل إلى الرئتين وتسمى هذه المرحلة في عملية التنفس (الشهيق)، وعند تشبع الرئتين بهذا الهواء، تبدأ المرحلة التنفسية الثانية، وهي الزفير، لكنّ الهواء في هذه المرة لا يخرج حرًّا طليقا، وإنما تقابله عوائق وحواجز تضعها أمامه بعض أعضاء النطق، وتأتي هذه المهمة لهذه الأعضاء بأوامر عليا من الجهاز العصبي (( فعندما يصدر الجهاز العصبي أوامره بنطق صوت معين، فإن هذا الصوت ينتقل على  هيئة نبضات كهربية electrical pulses تنقلها أعصاب متخصصة إلى أعضاء النطق، وتتأهب هذه تبعا لذلك لاتخاذ أوضاع معينة .))([5])

 ومن هنا تأتي فكرة المخرج، وتتعدد الأصوات نتيجة أسباب من أهمها تعدد المخارج، فما هي مخارج الأصوات العربية؟

اتفقنا على أن الهواء يخرج من الرئتين – في حالة الزفير-  طليقًا حرًّا، لكن عند إرادة إصدار الأصوات تقف أمامه بعض العوائق، التي قد تكون في المواضع التالية التي اخترتها بعيدا عن اختلافات العلماء المتعددة حولها فمن علمائنا من جعلها سبعة عشر مخرجا، ومنهم من جعلها ستة عشر مخرجا، ومنهم من جعلها أربعة عشر، ومنهم من جعلها أحد عشر مخرجا كالدكتور/ كمال بشر([6]) ، وعليه المعتمد فيما سيأتي ذكره:

  1. أصوات حنجرية: فمن الحنجرة يخرج صوتا الهمزة والهاء.
  2. أصوات حلقية : فمن الحلق يخرج صوتان آخران هما: (العين والحاء)، ويسمى كل منهما صوتا حلقيا.
  3. الأصوات اللهوية: فمن اللهاة يخرج صوت القاف، ولذا فهو صوت لهوي.
  4. أصوات أقصى الحنك (الطبقية)، والطبق هو الحنك اللين الموجود في آخر الفم، فعندما يقترب منه مؤخر اللسان يخرج أربعة من الأصوات (الكاف، والغين، والخاء، والواو في مثل يَوْم).
  5. أصوات وسط الحنك، وهو الحنك الصلب في وسط الفم، فعندما يقترب منها وسط اللسان يخرج صوت الياء غير المدية في مثل (بَيْت).
  6. أصوات لثوية حنكية، فمن التقاء اللسان بالحنك من ناحية واللثة من ناحية أخرى، يخرج صوتا (الجيم الفصيحة والشين)
  7. أصوات لثوية: وهنا يخرج الصوت نتيجة التقاء أو اقتراب طرف اللسان باللثة العليا، وأصوات هذا المخرج هي: (الزاي، والسين، والصاد، والراء) فهي أصوات لثوية.
  8. أصوات لثوية أسنانية، يشترك في إخراج هذه الأصوات الأسنان واللثة العليا واللسان، وهذه الأصوات هي: (الدال، التاء، الطاء، الضاد، اللام، والنون).
  9. أصوات أسنانية أو بين أسنانية، هنا يلتقي طرف اللسان مع أطراف الأسنان العليا، أو مما بينها، فتخرج الأصوات التالية: (الثاء، والذال، والظاء)
  10. أصوات أسنانية شفوية، تنغرس الأسنان العليا في وسط الشفة السفلى لتخرج لنا صوتا واحدا هو الفاء.
  11. أصوات شفوية، ومن الشفة يخرج صوتا الباء والميم، ويشترك التجويف الأنفي في إخراج هذين الصوتين، فعند النطق بأحدهما، تنطبق الشفتان انطباقا تاما، لا يسمح معه للهواء بالمرور، وبالتالي يعود الهواء إلى داخل الفم، ليجد له مخرجا مناسبا، فيصادف التجويف الأنفي فيخرج الصوت من الأنف. ولذا فهما (صوتان شفويان).

إن معرفة هذه المخارج وتوزع الأصوات عليها يفيدنا هنا في تنمية المهارات من ناحية معرفة صعوبة نطق بعض الأصوات على المتعلمين، الذين لا أصوات مشابهة في لغتهم لتلك الأصوات المتعلمة، أو بمعنى آخر خمول المخرج بعدم وجود أصوات تخرج منه في اللغة الأصلية للمتعلم.

ثانيا- صفات الأصوات:

أما وقد علمنا مخارج الأصوات العربية، فننتقل الآن على الشق الثاني من الحديث وهو  الصفات، والصفة، هي التي تشخص الصوت – غالبًا – وتميزه عن غيره من الأصوات. ([7])

لكن: ما المتحكم في توزيع الأصوات على تلك الصفات؟ هذا ما سأوضحه هنا معتمدا في ذلك على الصفات الجوهرية([8])؛ مراعاة لمقام الحديث غير المتخصص.

 

  1. الجهر والهمس:

ذكرنا فيما سبق أن من أعضاء النطق الوترين الصوتيين، وهما من الأعضاء الصوتية المهمة؛ نظرا للاعتماد على اهتزازهما أو عدمه في تصنيف الأصوات اللغوية، فعندما يهتز الوتران الصوتيان مع بعض الأصوات يعطي هذا الاهتزاز لتلك الأصوات قوة تكسبها نوعا من الجهرية، ولذا اتصفت الأصوات في هذه الحالة بأنها أصوات مجهورة. وتتميز بأنها ليست ضمن مجموعة الأصوات المهموسة التالي ذكرها.

وبالتالي عند عدم اهتزازهما تخرج الأصوات لا قوة دافعة لها، ومن هنا اتصفت هذه الأصوات بالمهموسة. وهي المجموعة في قولهم: (سكت شخص فحثه قط)، وما عدا هذه الأصوات الاثنا عشر فهو مجهور.

  1. الشدة والرخاوة والتوسط:

توصف بعض الأصوات بالشديدة وأخرى بالرخوة وثالثة بالمتوسطة، فما مقياس هذا التصنيف؟

عند خروج الهواء المحمل بالصوت ينغلق الطريق أمام بعض الأصوات انغلاقا تاما، ثم يسمح له بالمرور بعد انفتاح هذا الإغلاق، وتوصف الأصوات التي يحدث معها هذا الأمر بأنها (أصوات شديدة)، وهي  المجموعة في قولهم: (أجدت طبقك) بالإضافة إلى الضاد بنطقنا الحالي.

في حين يضيق مجرى الصوت مع بعض الأصوات، وبذلك توصف هذه الأصوات بالرخاوة، وهي: (الهاء، والعين، والحاء، والغين، والخاء، والشين، والصاد، والزاي، والسين، والثاء، والذال، والظاء، والفاء).

وتتبقى بعض الأصوات العربية التي لم ترد في المجموعة الشديدة ولا الرخوة، وهذه تسمى الأصوات المتوسطة، أي بين الشدة والرخاوة، وهي:

  • الصوت المركب، وهو صوت الجيم (الفصحى) حيث يبدأ هذا الصوت شديدا بغلق مجرى الهواء وينتهي رخوا بتضييقه.
  • الصوت التكراري، وهو صوت الراء، حيث يلتصق مقدم اللسان باللثة العليا ثم ينفصل عنها، وهكذا عدة مرات.
  • الصوت الجانبي، وهو صوت اللام، حيث يغلق معه مجرى الهواء في وسط الفم، ولكن يسمح له بالمرور من جانبي اللسان.
  • الأصوات الأنفية، وهما صوت الميم والنون، اللذان وصفناهما من قبل بالشفويين من حيث المخرج، لكن ما يحدث للهواء معهما هو إغلاق المجرى بالشفتين، ولكن يسمح له بالمرور من التجويف الأنفي.
  • الأصوات اللينة، وهي الواو والياء المتحركتان أو الساكنتان بعد حركة غير مجانسة لهما، كالواو في كلمة (يوم) والياء في كلمة (بيت). ([9])
  1. الإطباق والانفتاح:

عند خروج الهواء في بعض الأصوات يأخذ اللسان مع الحنك الأعلى شكل الطبق بالتقاء أول اللسان مع أول الحنك، ومؤخر اللسان مع ما يحاذيه من الحنك، ومن ثم يحصر الصوت بين هذا التقعر،مكونا حجرة من حجرات الرنين التي تعمل على تضخيم الصوت؛ وتوصف التي تحدث معها هذه الحالة، وهي: ( الصاد- الضاد- الطاء- الظاء ) بأنها مطبقة، وفي المقابل يأخذ اللسان مع بقية الأصوات وضع عدم الإطباق أو الانفتاح.

  1. الاستعلاء والاستفال:

يتحكم شكل اللسان أيضا في تصنيف الأصوات إلى صفتين أخريين، فحينما يستعلي اللسان إلى ما يحاذيه من الحنك الأعلى – دون تقعر كالموجود في حالة الإطباق – مع بعض الأصوات، يشكل ذلك صفة الاستعلاء، والأصوات التي تتصف بهذه الصفة هي المجموعة في قولهم: (خص ضغط قظ), ويقابل هذه الصفة صفة الاستفال حينما لا يرتفع مؤخر اللسان ذلك الارتفاع، وحروف الاستفال ما عدا الحروف السبعة السابقة.

كما تجدر الإشارة إلى أن هناك صفاتٍ خاصةً بواحد من الأصوات أو مجموعة منها، كالصفير مع (السين والصاد والزاي)، والقلقلة مع الأصوات المجموعة في عبارة: ( قطب جد )، والتفشي في ( السين )، والغنة في ( النون والميم ).. إلخ

**************

[1])) ينظر: عن علم التجويد القرآني في ضوء الدراسات الصوتية الحديثة (71) د.عبد العزيز علام، 1427ه -2006م

[2]))  غاية المريد في علم التجويد (116)

[3]))  غاية المريد في علم التجويد (116)

[4]))  يرجع في شرحه إلى: مناهج البحث في اللغة د. تمام حسان (73)

[5])) الأصوات اللغوية رؤية عضوية (77)

[6])) علم الأصوات (183 وما بعدها)

[7])) ينظر: عن علم التجويد القرآني في ضوء الدراسات الصوتية الحديثة (71) د.عبد العزيز علام، 1427ه -2006م

[8])) أورد أستاذنا أ.د/ عبد العزيز علام نوعين من الصفات، الصفات الجوهرية التي تشخص الصوت وتميزه عن غيره، والصفات المكتسبة، أي التي يكتسبها الصوت من خلال السياق أو بسبب الجوار الصوتي، كالإدغام والإخفاء والإقلاب بالنسبة للنون الساكنة مثلا. ينظر: عن علم التجويد القرآني (71، 72)

[9])) ينظر: مقدمة في أصوات اللغة العربية وفن الأداء القرآني (114) د. عبد الفتاح البركاوي، ط الثانية، 2003م.

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu