حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

الفروق الدلالية عند ابن القيم [13] الغفلة والنسيان .. بقلم أ.د/ أحمد علي ربيع

أستاذ أصول اللغة ورئيس القسم بكلية الدراسات العليا ووكيل كلية اللغة العربية بالقاهرة السابق

1- الغفـلة:

فرق ابن القيِّم بين الغفلة والنسيان، “فالغفلة ترك باختيار الغافل, والنسيان ترك بغير اختياره, ولهذا قال: (وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ )[1] ولم يقل ولا تكن من الناسين, فإن النسيان لا يدخل تحت التكليف, فلا ينهى عنه”[2].

ومعنى كلام ابن القيم أن الغفلة ترك متعمد على خلاف النسيان الذي هو ترك غير متعمد, وهذا عين ما قاله الليث في الباب, إذ يقول: “أغفلت الشيء: تركته غفلاً وأنت له ذاكر … والتغافل: التعمد”[3]، وفي اللسان “التغافل: تعمد الغفلة, على حد ما يجيء عليه هذا النحو”[4].

لكن المتتبع للسياقات المختلفة التي وردت فيها الكلمة في القرآن الكريم يرى أن التعمد موجود في عدد منها, مثل قوله تعالى: (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا )[5]  وفي قوله: (وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ)[6] وقوله تعالى: (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً)[7], ولذلك عرفها الراغب بقوله: الغفلة سهو يعتري الإنسان من قِلة التحفظ والتّيقُّظ”[8]. وعلى هذا لا يتحقق إلا فى التغافل، وهو تعمد الغفلة أو تصنعها باختيار من المتغافل، وإذا استخدمت كلمة الغفلة في معنى التغافل فهي على شيء من التجوز وليس الحقيقة.

2- النسـيان:

جعل ابن القيم النسيان ترك بغير اختيار, فكأنه ينفي عن صاحبه صفة التعمد في الترك, لكن ابن فارس ذكر للمادة أصلين يقترب أحدهما من الآخر, “فالنون والسين والياء أصلان صحيحان, يدل أحدهما على إغفال الشيء، والثاني على ترك الشيء”[9] فكأن الأول غفلة غير متعمدة، والثاني ترك باختيار, والمتتبع للسياقات التي وردت فيها اللفظة ومشتقاتها في القرآن والسنة يرى أنها كذلك, بعضها ذمه الله سبحانه, وهذا من النوع الثاني, مثل قوله تعالى ﯓ  ﯔ  ﯕ[10] وقوله تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ )[11] وبعضها غير مذموم, وهو ما كان عن غفلة غير متعمدة، مثل قوله تعالى على لسان صاحب موسى: (وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ )[12] وقوله تعالى: (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى )[13]، ولذلك يقول الراغب: فكل نسيان من الإنسان ذمه الله تعالى به فهو ما كان أصله عن عمد, وما عذر فيه نحو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: “رفع عن أمتي الخطأ والنسيان” فهو ما لم يكن سببه منه”[14].

وقد قسمه الراغب أنواعاً ثلاثة, “فالنسيان ترك الإنسان ضبط ما استودع، إما لضعف في قلبه, وإما عن غفلة, وإما عن قصد حتى ينحذف عن القلب ذكره”[15].

وعلى ما تقدم يتبين أن النسيان أعم من الغفلة, لأنه يشمل ما ترك عن عمد, وما جاء سهواً أو غفلة.

==============

[1] الأعراف آية 205

[2] مدارج السالكين 2/405 , 406

[3] تهذيب اللغة 8/137 “غفل” وانظر الصحاح “غفل”

[4] اللسان “غفل”

[5] القصص آية 15

[6] البقرة آية 144

[7] النساء آية 102

[8] المفردات ص 364

[9] المقاييس 5/421 وانظر مجمل اللغة ص 866 والصحاح وتهذيب اللفة واللسان “نسي”

[10] التوبة آية 67

[11] الحشر آية 19

[12] الكهف آية 63

[13] الأعلى آية 6

[14] المفردات ص 493

[15] السابق والصفحة ذاتها

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu