ثالثا : النص المدروس :
ـ مكان وروده :
النص المدروس في هذا البحث هو كل ما ورد عن العرب والأعراب في الدعاء على الإنسان ، وقد جمعت مادتي من كتب اللغة الأصيلة التي جمعت كلام العرب والأعراب وهي :
1ـ ذيل الأمالي والنوادر لأبي علي القالي ، وقد جمع الأدعية في مبحـث بعنوان
( دعاء العرب ).[1]
2 ـ المخصص لابن سيده ، الذي وجدت فيه بابا بعنوان : ( الرجل يدعو على الرجل بالبلايا )[2] .
3 ـ المزهر للسيوطي ففيه باب بعنوان : ( باب ما يدعى به عليه )[3] .
4 ـ ثم ما تيسر لي جمعه من معاجم اللغة العربية المختلفة : كالعين للخليل بن أحمد ، والتهذيب للأزهري ، والمحكم والمحيط الأعظم لابن سيده ، ولسان العرب لابن منظور، وغيرهم .
5 ـ هذا بالإضافة إلى كتب النوادر والإتباع .
ـ لغـتـه :
وبالنظر في هذه الأساليب اللغوية المجموعة عن العرب والأعراب وجدت أنها تمثل صورة حية لكلام العرب والأعراب في حديثهم العادي الذي يخلو من التكلف ، والذي حدد اللغويون للأخذ به حدودا زمانية تارة ، ومكانية أخرى .
ـ الحدود الزمانية والمكانية للأخذ عن العرب والأعراب :
ـ الحدود الزمانية :
حددها مجمع اللغة العربية بعد النظر في منهج علماء اللغة في جمعها وروايتها فقال: ” العرب الذين يوثق بعربيتهم ، ويستشهد بكلامهم هم عرب الأمصار إلى نهاية القرن الثاني ، وأهل البدو من جزيرة العرب إلى أواسط القرن الرابع “[4]
وذلك لأن البدو أكثر ثباتا في الحياة وأقل عرضة للتطور والتغير، بخلاف الحضر الذي يفد عليهم وفودا من بلاد أخرى قد يتأثرون بلغتهم فيؤدي ذلك إلى فساد لغتهم .
ـ الحدود المكانية :
كما حدد علماء العربية الفترة الزمنية التي يأخذون عنها اللغة ، حددوا كذلك القبائل التي يؤخذ عنها اللغة ، فوضحوا أن ” قريشا أجود العرب انتقاء للأفصح من الألفاظ “[5]
ثم نظروا إلى باقي قبائل العرب وقالوا : “إن الذين عنهم نقلت اللغة العربية ، وبهم اقتدي ، وعنهم أخذ اللسان العربي من بين قبائل العرب هم : قيس وتميم وأسد …ثم هذيل، وبعض كنانة ، وبعض الطائيين ، ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم “[6]
وكما حددوا القبائل التي يؤخذ عنها اللغة ، حددوا كذلك القبائل التي يمتنع الأخذ عنها وهي كما حددها أبو نصر الفارابي فيما ذكر عنه السيوطي : ” لم يؤخذ عن حضريّ قط، ولا عن سكان البراري ممن كان يسكن أطراف بلادهم المجاورة لسائر الأمم الذين حولهم، فإنه لم يؤخذ لا من لخم، ولا من جذام؛ لمجاورتهم أهل مصر والقبط، ولا من قضاعة وغسان وإياد؛ لمجاورتهم أهل الشام وأكثرهم نصارى يقرأون بالعبرانية، ولا من تغلب واليمن؛ فإنهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونان، ولا من بكر؛ لمجاورتهم للقبط والفرس،ولا من عبد القيس وأزد عمان؛ لأنهم كانوا بالبحرين مخالطين للهند والفرس، ولا من أهل اليمن؛ لمخالطتهم للهند والحبشة، ولا من بني حنيفة وسكان اليمامة، ولا من ثقيف وأهل الطائف؛ لمخالطتهم تجار اليمن المقيمين عندهم، ولا من حاضرة الحجاز؛ لأن الذين نقلوا اللغة صادفوهم حين ابتدأوا ينقلون لغة العرب قد خالطوا غيرهم من الأمم “[7]
وبالنظر في النص السابق يتضح أن الأساس الذي اعتمد عليه علماء العربية فيمن تؤخذ عنه اللغة هو : نقاء لغته ، وعدم تأثرها بغيرها من اللغات ، وأن من ثبت اختلاطه بأي جنس ينطق بغير العربية امتنعوا عن الرواية عنه ، واعتبروا لغته غير نقية لاختلاطها بغيرها .
وهذه حيطة شديدة تبين مكانة اللغة عند أصحابها ورواتها ، وأنهم يدركون تماما أن هذه اللغة دين فكانوا يتحرون ويتشددون فيمن تؤخذ عنه هذه اللغة .
=======================
[1] ـ ينظر ذيل الأمالي من 62 : 70 { الهيئة المصرية العامة للكتاب 1976م }
[2] ـ ينظر المخصص لأبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي (ت 458هـ) تح: خليل إبراهم جفال ج 3 ص 388 : 393 { دار إحياء التراث العربي – بيروت . ط : الأولى، 1417هـ 1996م }
[3] ـ ينظر المزهر في علوم اللغة وأنواعها لعبد الرحمن جلال الدين السيوطي تح/ محمد أبو الفضل إبراهيم وأخرين ج 2 ص263 : 269 { دار التراث . القاهرة .ط. الثالثة ( د . ت ) }
[4] ـ مجلة مجمع اللغة العربية ج 1 ص 202 { المطبعة الأميرية . بولاق . القاهرة 1353هـ ـ 1935 م }
[5] ـ المزهر في علوم اللغة ج 1 ص 202
[6] ـ الاقتراح للسيوطي ص 44 { ضبط وتصحيح د/ أحمد سليم الحمصي . د/ محمد أحمد قاسم . مطبعة حروس برس . ط. الأولى 1988م } وينظر المزهر ج 1 ص 311
[7] ـ المزهر ج 1 ص 212