حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

صفحات من كتاب [2]: دراسات في فقه اللغة للدكتور/ صبحي الصالح

إعداد أ.د/ عصام فاروق

نعرض اليوم – بشيء من التصرف اليسير- لصفحات كتاب (دراسات في فقه اللغة) للدكتور/ صبحي الصالح – عليه رحمة الله- وذلك في الجزء الذي يتحدث فيه عن:

منهج فقه اللغة واستقلاله

وحين نأخذ بهذا الاصطلاح، يسهل علينا أن نحدد نطاق فقه اللغة، سواء أتعلق بعرض المباحث القديمة عرضًا جديدًا, أم يقوانين علم اللغة في العصر الحديث، فليس شرطًا لازمًا أن يتحدث العالم اللغوي بعدة لغات؛ لأن كثيرًا من علماء اللغة وفقهائها المشاهير لم يكونوا قادرين على الاستخدام العمليّ لأية لغة غير لغتهم القومية. على أننا لا نجحد الثمرات التي يجنيها فقه اللغة إذا أجاد تلك اللغات قراءة وكتابة وحديثًا، فلا ريب أنها توطئ لمباحثه، وترفده بالدقة فيما يستخلصه من الأحكام.
وفي دراسة لغتنا العربية, بخاصة أعظم بالباحث إذا كان ملمًّا ببعض اللغات السامية؛ كالسريانية والعبرية! فبهذا الإلمام يلاحظ مواطن التقارب والاختلاف، والأخذ والاقتباس.
ومنهج فقه اللغة في البحث مستقلٌّ كل الاستقلال عن مناهج العلوم الأخرى، فيجب إقصاء التفكير الفلسفي عنه، لئلَّا تجيء الأحكام فيه مطبوعة بالطابع الغيبي أو “ما وراء الطبيعة”، أو المنطق الصوري.
ولعل فقه اللغة في آثار علمائنا القدامى لم يأت بالكثير من الآراء الأصلية؛ لأنهم عدوه جزءًا لا يتجزأ من التفكير الفلسفي القديم، ولا سيما التفكير اليوناني الذي كان يرى أن “دراسة اللغة اليونانية في تراكيبها وأساليبها تصدق على جميع لغات العالم؛ إذ لا مناص من أن تجري تلك اللغات على مقياس اليونانية”.
وعندما نطرح جانبًا كل أثر للمباحث التي لا تتعلق باللغة تعلقًا وثيقًا، نستطيع أن نعرف فقه اللغة بأنه “منهج للبحث استقرائي وصفي يُعرَف به موطن اللغة الأول وفصليتها وعلاقتها باللغات المجاورة أو البعيدة، الشقيقة أو الأجنبية، وخصائص أصواتها، وأبنية مفرداتها وتراكيبها، وعناصر لهجاتها، وتطور دلالتها، ومدى نمائها قراءة وكتابة”.
والبحوث الأساسية المذكورة في التعريف تتعلق بعلوم ثلاثة:
1- التاريخ: لمعرفة موطن اللغة الأول، وروابط القربى بينها وبين اللغات الإنسانية الأخرى، وتنوع لهجاتها، وتطور خطها وكتابتها.
2- علم الصوت: لبحث لهجات اللغة وأصواتها، ومعرفة أنواع التطور الصوتي فيها.
3- علم الدلالة: لبحث تطور ألفاظها وما تفيده من المعاني.
ولقد انحصرت مناهج العلماء في القرن التاسع عشر في دراسة اللغة من وجهة النظر التاريخية1، فأعلن كبارهم: “أن علم اللغة تاريخي”.
وأضاف كثير منهم إلى الناحية التاريخية معرفة التطور الذي أصاب اللغات في مخلتف العصور.
أما القرن العشرون فقد طبع بطابع الوصفية، وتناول العلماء فيه اللغات بدراسة خصائصه الصوتية والتعبيرية، فكانت مباحثهم مجموعة مستقلة من المواد المتداخلة؛ كالأصوات والتشكيلات والمعجمات والدلالات وما يمكن أن يسمى: “علم الاجتماع اللغوي”
في ضوء هذه الدراسة الوصفية، انطلقوا يعالجون الأصوات الإنسانية بالبحث العميق، فقارنوا بين الحروف وصفاتها، ودرسوا أعضاء جهاز النطق, وأخضعوا ذلك كله للملاحظة المباشرة, وسنرى أن العرب برزوا في ذلك منذ قرون في علمي التجويد والصرف.
وبحثوا في اشتقاق الكلمات، وأصولها، وصيغها، وأبنيتها، وسمعاها, وقياسها.
ثم عنوا بدراسة معاني الألفاظ ودلالاتها, ملاحظين ما بينها وبين الاشتقاق من اتصال وثيق.

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu