حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

أساليب العرب والأعراب في الدعاء على الإنسان دراسة في ضوء علم اللغة الاجتماعي [الحلقة الرابعة].. بقلم أ.د/ فاطمة رجب

أستاذة أصول اللغة ووكيلة كلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات بالقاهرة

الأنماط التركيبية لأسلوب الدعاء على الإنسان

ذكر سيبويه أن ” الدعاء بمنزلة الأمر والنهي، وإنما قيل: ( دعاء )؛ لأنه استعظم أن يقال: أمر أو نهي. وذلك قولك: اللهم زيداً فاغفر ذنبه، وزيداً فأصلح شأنه، وعمراً ليجزه الله خيراً. وتقول: زيداً قطع الله يده، وزيداً أمر الله عليه العيش ؛ لأن معناه معنى زيداً ليقطع الله يده “[1]

   وقد أخذت أساليب الدعاء على الإنسان أنماطا تركيبية ميزتها عن غيرها من الأساليب ، ونص علماء العربية على هذه الأنماط .

 1 ـ أساليب تبدأ بالفعل

يقول ابن مالك : “الأصل في الدعاء والإنشاء والتوبيخ والاستفهام أن يكون بالفعل “[2]

وقد وردت أساليب عديدة تبدأ بالفعل منها [3] :

ـ استأصل الله شأفَته : وهو قرْح يخرج بالقَدم.

ـ أباد الله خضراءهم : أي سوادهم ومعظمَهم .

ـ أبْدى الله شَوارَه : يعني مَذاكيرَه .

ـ ألحق الله به الحوْبة : وهي المسْكنة والحاجة.

ـ سَباه الله يسبيه سبْياً : لعنه .

ـ بهلَه الله : لعنه .

ـ قطع الله به السّبب : أي قطع الله سببه الذي في الحياة .

ـ جعل الله رِزقَك فوق فمك : أي تنظر إليه قدْر ما يفوت فمَك ولا تقدر عليه .

ـ قبح الله كلمَته : يريدون الفَم وما حوله .

ـ دفَق الله روحه : إذا دعا عليه بالموت .

ـ  شيّأ وجهه : إذا دعا عليه بالقُبْح والتغيير.

ـ قبح الله كَرشَمَته – أي وجهه .

ـ رماه الله بالطُلاطلة وهو – الداء العُضال .

ـ رماه الله بالزُلّخة وهو – وجع يأخذ في ظهر الإنسان ولا يتحرّك من شدته

ـ رماه الله بثالثة الأثافي : أي بأمر لا يقوم به .

ـ قَصَمَهُ اللَّهُ : قِيلَ : مَعْنَاهُ أَهَانَهُ وَأَذَلَّهُ وَقِيلَ قَرَّبَ مَوْتَهُ.[4]

وقد جاءت الأساليب السابقة ” في صورة الخبر عن اللّه ثقة بالاستجابة “[5]؛ لذلك قالها العربي بصيغة الماضي ثقة منه في قبولها من الله ووقوعها على المدعي عليه .

2ـ أساليب تبدأ بالمصدر

ويأتي المصدر في الدعاء نيابة عن الفعل ؛ لأن الفعل هو الأصل في أساليب الدعاء وفي ذلك يقول ابن مالك : “الأصل في الدعاء والإنشاء والتوبيخ والاستفهام أن يكون بالفعل ، وكثرت نيابة المصدر عنه في ذلك، لقوة دلالته عليه نحو مَعاذَ الله وغُفْرانَه”[6]

ومن أمثلة الدعاء بالمصدر[7] :

ـ ابن السكيت : قُبْحاً له وشُقْحاً وقَبحاً له وشَقحاً .

ـ ابن دريد : حقْراً له وحَقارة ومحقَرة .

ـ خيبَةً لك ودَفْراً وجدْعاً وعقْراً وقد جدّعْته وعقّرْته قلت له : جدْعاً وعَقْراً وبوساً وأفّة له وتُفّة وبُعداً وسُحقاً .

ـ تَعساً وتَباً وجوعاً ونوعاً وذكر غير سيبويه جُوساً وجوداً.

وورد منه في المزهر[8] :

ـ يقال : برحا له : إذا تعجبت منه ، أي : عناء له .

ـ قال أبو مهدي : بسلا وأسلا : إذا دعي عليه بالشيء . كما يقال : تعسا ونكسا .

ويأتي المصدر منصوبا على أصله إلا أنه قد يجيء مرفوعا مثل قوله تعالى: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ )[9]   ورأى الزمخشري أنه في أصله مصدرا منصوبا ولكن عدل به إلى الرفع لغرض دلالي فقال : “هو في أصله مصدر منصوب سادّ مسدّ فعله ، ولكنه عدل به إلى الرفع للدلالة على معنى ثبات الهلاك ودوامه للمدعو عليه . ونحوه (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ) ( الأنعام : 54 ) ، ويجوز : ويلا ، بالنصب؛ ولكنه لم يقرأ به”[10]

    وانتصب هذا المصدر : “عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ بَدَلًا مِنْ فِعْلِهِ مِثْلَ: تَبًّا وَسُحْقًا، أَيْ أَتَبَّهُ اللَّهُ وَأَسْحَقَهُ “[11].

  ويرى سيبويه أنَّ : ” ذكرهم ( لك ) بعد سقياً فإنما هو ليبينوا المعنىَّ بالدعاء. وربما تركوه استغناء، إذا عَرَفَ الداعي أنه قد عُلم مَن يَعني. وربما جاء به على العلم توكيداً، فهذا بمنزلة قولك: ( بك ) بعد قولك: مرحباً، يجريان مجرى واحداً فيما وصفت لك”[12].

والغرض من نيابة المصدر عن الفعل في الدعاء : هو الإيجاز ، والمبالغة في الدعاء

3ـ أساليب تبدأ بصفات

   الصورة الثالثة التي يأتي عليها أسلوب الدعاء على الإنسان كما نص النحاة هي :

أن تبدأ بصفات . يقول ابن مالك :

   ” وقد يقوم مقام المصادر صفات مقصود بها الحالية على سبيل التوكيد نحو: عائذا بالله من شرها، وهنيئا لك، وأقاعدا وقد سار الركبُ … فوقعت الصفات في مواقع المصادر لتضمنها إياها، وجعلت أحوالا مؤكدة لعواملها المقدرة واستغنى بها عن المؤكد، كما استغنى عن المصادر، ولا يستبعد كون الحال مؤكدة لعاملها مع كونه من لفظها، فإن ذلك واقع في أفصح الكلام، كقوله تعالى: (وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا )[13] … ومن نيابة الحال عن المصدر في الإنشاء قول عبد الله بن الحارث السهمي من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين :

ألحَقْ عذابَكَ بالقومِ الذين طَغَوا … وعائِذا بك أن يَعْلُو فيُطْغُوني[14]

أراد وأعوذ عائذا بك، فحذف الفعل وأقام الحال، كما كان يفعل بالمصدر لو قال عياذا بك”[15].

===========================

[1] ـ الكتاب لأبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر تح / عبد السلام هارون ج 1 ص 142 { مكتبة الخانجي .ط. الثالثة 1408هـ ـ 1988م } .

[2] ـ شرح تسهيل الفوائد لمحمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني، أبو عبد الله، جمال الدين (ت 672هـ)  تح / د. عبد الرحمن السيد، د. محمد بدوي المختون ج 2 ص 192{ هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان .ط .الأولى (1410هـ – 1990م) }

[3] ـ ينظر المخصص لابن سيدة ج 3 ص 388 ، 389

[4] ـ المصباح المنير  للفيومي ( ق ص م ). { المطبعة الأميرية بالقاهرة . ط. السابعة 1928م

[5] ـ تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي تح :صدقي محمد جميل .ج 2 ص 453 { دار الفكر ـ بيروت . 1420 هـ }.

[6] ـ شرح التسهيل  ج 2 ص 193 .

[7] ـ ينظر المخصص لابن سيدة ج 3 ص 388 ، 389.

[8] ـ المزهر ج 2 ص 266

[9] ـ المرسلات آية 15

[10] ـ الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل فى وجوه التأويل لأبي القاسم محمود بن عمر الزمخشرى الخوارزمي( 467 ـ 538 هـ )  ج  4 ص 679 { دار إحياء التراث العربي ـ بيروت  . لبنان . ط. الأولى 1417هـ  ـ 1997م }.

[11] ـ التحرير والتنوير لمحمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (ت : 1393هـ) ج 18 ص 59 { الدار التونسية للنشر – تونس .سنة النشر: 1984هـ } .

[12] ـ الكتاب ج 1 ص 312 ، 313

[13] ـ سورة النساء  آية 79

[14] ـ البيت من البسيط  ينظر : الكتاب لسيبويه ج 1 ص 342 . والروض الأنف في شرح السيرة النبوية لأبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلي (ت: 581هـ) ج 3 ص 230 {دار إحياء التراث العربي، بيروت . ط . الأولى، 1412 هـ }

[15] ـ شرح التسهيل لابن مالك الطائي الجياني، ج 2 ص 193.

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu