حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

الحلقة التاسعة: الأنظمة الدلالية بين اللغات

إعداد أ.د/ عصام فاروق

لا شك أن اللغات كما تختلف في النظام الصوتي مما أسلفنا طرفا منه تختلف كذلك في النظام الدلالي بينها، لكن ما يمكن أن يدعو إلى التفاؤل فيما يخص الجانب الدلالي في العملية التعليمية لغير الناطقين بالعربية، وجود مساحة كبيرة جدا من المشتركات الدلالية بين اللغات جميعا.

فالأشياء المختلفة في الكون – سواء أكانت من المحسوسات كأثاث المنزل أو أدوات الكتابة أو آلات الأعمال المختلفة، أم من المعنويات كصفات الإنسان كالكرم والشجاعة والأمانة، أو غيرها- كلها أمور يشترك فيها أصحاب اللغات المتعددة، فلا يُتخيل أن أبناء أمة تعرف رأس الإنسان أو شعره أو يده ورجله في حين لا تعرفها أمة أخرى، لكن الفرق غالبا ما يكون في اللفظ الذي أعطته أمة لهذا الشيء، بينما أعطته أمة أخرى لفظا آخر، وهكذا تتعدد الألفاظ الدالة على المعنى الواحد بتعدد اللغات.

وقد ذكرنا من قبل أن الكلمة الواحدة لها ثلاثة مكونات: اللفظ (الدال) – الأشياء (المدلول)- النسبة بينهما.

وأرى أن وجود الأشياء ومعرفة البشر جميعا لها كالشمس والقمر والنجوم وغيرها من المشتركات أرضية مهمة يمكن البناء عليها في تعليم اللغات، فمهمة المُعلم هنا هي إعطاء الشيء الذي يعرفه الدارس بلفظ معين في لغته لفظا آخر في اللغة المُتَعلَّمة، وربط النسبة بين الشيء المعروف للدراس واللفظ الجديد، ومحاولة تكرار ذلك الربط كلما سنحت فرصة تذكيرا وتثبيتا لما اكتسبه من معلومات.  

لكننا قد نصادف مشكلة في افتقاد الدراس لتلك العناصر الثلاثة: اللفظ- الشيء- النسبة، عندما يتعلق الأمر بالأشياء التي لا يعرفها الدارس مما يدخل في عادات وتقاليد وأمثال أصحاب اللغة المتعلمة، مما لم يعهده الدارس في لغته، وهنا فإن مهمة المعلم تزداد كبيرة شيئا ما، لأنه مطالب بالتالي:

أولا– بيان الشيء سواء بشرح مكوناته أو لونه أو وظيفته أو علاقته بغيره، أو بيان الحقل الذي ينتمي إليه مما يعرفه الدارس، كالمأكولات إن كانت أكلة من الأكلات، أو الأجهزة الكهربية إن كان جهازا منها، أو تقديم صورة أو رسم له، أو غيرها من وسائل الشرح والتوضيح.

ثانيا– إعطاء اللفظ الدال على الشيء المشروح، مع بيان جمعه ومرادفاته، واشتقاقاته (إن كان المستوى متقدما).

ثالثا– التأكيد على النسبة بين الشيء المشروح واللفظ الدال عليه وتكرار تلك النسبة بين وقت وآخر، حتى يتم الربط التام لدى الدارس بينهما.

إذا لدي دائرتان دلاليتان كبيرتان متصلتان ببعضهما في مناطق منهما، تشكلها النظائر الدلالية، تلك المناطق التي تزيد مساحتها عن النظائر الصوتية فيما شرحنا من قبل.

 

 

 

 

 

وتفرز هاتان الدائرتان والتقاؤهما ثلاث مساحات:

الأولى، الأشياء ( معنوية كانت أم حسيًّا) ذات الدلالات غير الموجودة في اللغة المتعلمة مما هو موجود في لغة الدارس، وهذه المساحة لا تفيدنا في مقامنا هذا.

الثانية، الأشياء ذات الدلالات المشتركة بين لغة المتعلم واللغة المتعلمة، وهي الأرضية المشتركة التي تحدثت عنها من قبل.

   ودائرة المشتركات الدلالية بين اللغات تعد أكبر منها في المشتركات الصوتية؛ ذلك أن الدلالات والأفكار والمعاني غير متناهية من جانب، ومن جانب آخر كثيرةٌ هي المشتركات الإنسانية سواءً في الأمور الكونية أو النظم الاجتماعية أو الاقتصادية والسياسية أو الحيوانات المحيطة به وشئونه من مسكن ومشرب وغيره.

في حين أن دائرة المشتركات الصوتية محدودة بحدود أصوات اللغات التي يمكن عدها وحصرها بسهولة ويسر.

 

الثالثة، الأشياء ذات الدلالات الموجودة في اللغة المتعلمة، وغير موجودة في لغة الدارس، وهذه تحتاج إلى وسائل معينة وجهدا زائدا في بيان ألفاظها والربط ما بين الألفاظ والمعاني.

وتعد هذه الدلالات منطقة لابد أن يعيها واضع المنهج ويوظفها في بناء دروسه توظيفا منهجيا، من خلال محاولة عمل مصفوفات لهذه الكلمات والانتقال فيها من السهولة إلى الصعوبة، أو من العام إلى الخاص، ليكتسبها الدارس بطريقة تسلسلية نافعة.

ومما يتعلق بصعوبة مثل هذه الدلالات فيما يخص اللغة العربية البيئة العربية القديمة بمكوناتها المتعددة التي نقلها لنا الشعر العربي وصفا، لكن الإحاطة بها وتصورها تصورا واضحا أمور تصعب علينا نحن أهل العربية بله غير الناطقين بها.

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu