المعنى في شروح المنظومات الحديثية- دراسة في بعض شروح منظومة (غرامي صحيح) [1] بقلم د. عمرو عطيفي
مدرس بقسم اللغة العربية وآدابها في كلية الآداب - جامعة القاهرة
مدخل:
معروف أن المنظومات الشعرية نوع من الشعر التعليمي الذي يهدف إلى مساعدة المتعلم في الإحاطة بالفن العلمي الذي يدرسه عن طريق حفظ متونه المشكلة في قالب شعري منظوم على بحر سائغ سهل هو بحر الرجز، وقد شاع هذا النوع من الشعر في البيئات الثقافية المختلفة: النحاة والفقهاء والعروضيين وعلماء التجويد والحديث وغيرهم. وقد تتعدد المنظومات المنتمية إلى البيئة الثقافية الواحدة، ويكتب لواحدة الذيوع والانتشار ما لا يكتب لغيرها، ويتلقاها العلماء بالشرح والتفسير وتوضيح ما يشكل ويستغلق على الأفهام، على نحو ما نجد مثلًا في ألفية ابن مالك التي لاقت من الرواج والانتشار ما لم تحظ به غيرها من المنظومات، كمنظومة ابن معط مثلًا رغم تقدمها.
وفي بيئة المحدثين نجد الأمر نفسه، فقد كتب لمنظومة ابن فرح في مصطلحات الحديث رواج وقبول من لدن العلماء ممن أخذوا يشروحونها.
ولا شك أن فهم العلوم الدينية واستجلاء مشكلها وغامضها واستنباط الدلالات الممكنة متوقف على علوم العربية نحوها وصرفها ومعجمها وصوتها وبيانها، فمن أراد التصدي لفهم أي علم ديني ومنه علم الحديث فعليه أن يتمكن من الأدوات اللغوية التي تؤهله إلى فهم كلام الله تعالى وإلى فهم من أوتي جوامع الكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وترنو هذه الدراسة إلى الكشف عن الجهود اللغوية التي أولاها المحدثون في شروح المنظومات الحديثية، فمادتها أربعة شروح منجزة على منظومة ابن فرح في مصطلح علم الحديث، وسبب اختيارها هو اهتمام الشرح بالجانب اللغوي في بدء شروحهم، وهدفها إبراز أهمية المنطق اللغوي في فهم العلم الشرعي، ومنهجها وصفي نقدي، فهي تصف الآليات المختلفة للشراح في شروحهم من أجل استجلاء المعنى، وهي تستعين بمنهج النقد اللغوي الذي يهدف إلى تقييم وتقويم المادة اللغوية كلما دعت الحاجة.
تنهض الدراسة بالتعريف بابن فرح صاحب المنظومة، والتعريف بالشراح وشروحهم، وبيان موقف الشراح من مصادرهم اللغوية التي ارتكزوا عليها. كما تضطلع ببيان وسائل المعنى التي اعتمد عليها الشراح، والمعلومات اللغوية التي قدموها وتوسلوا بها في فهم المعنى، والشواهد والأمثلة التوضيحية التي ذكروها.