حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

نسخ المصاحف العثمانية.. بقلم أ.د/ عبد التواب الأكرت

أستاذ أصول اللغة ورئيس القسم السابق بكلية اللغة العربية بالقاهرة ومقرر اللجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة بجامعة الأزهر

أسلفنا من قبل بأن أمير المؤمنين عثمان بن عفان أمر بنسخ المصاحف من صحف أبي بكر عندما كثر الاختلاف في وجوه القرآن، حين قرءُوه بلغاتهم على اتساع اللغات، فأدى ذلك ببعضهم إلى تخطئة بعض، فخشي من تفاقم الأمر في ذلك، فنسخ تلك الصحف التي جمعها أبو بكر الصديق في مصحف واحد، واقتصر من اللغات على لغة قريش؛ لأنه نزل بلغتهم، مع التجوز في قراءته بلغة غيرهم.

ومما يدل على أن المصحف العثماني قد انتسخ من صحف أبي بكر وليس من غيرها، ما روي عن أنس بن مالك، وهو الحديث الذي ذكرناه قبل ذلك، وفيه، أن عثمان: «أرسل إلى حفصة أن أرسلي إليَّ بالصحف، ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، ثم أمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف» ([1]).

وفي رواية عن سالم وخارجة جاء فيها: «أرسل إليها عثمان (أي حفصة) فأبت أن تدفعها إليه حتى عاهدها لَيردّنها إليها، فبعثت بها إليه، فنسخها في هذه المصاحف، ثم ردّها. إليها…» ([2]).

فهذا دليل واضح على أن انتساخ المصاحف العثمانية كان من صحف أبي بكر، وأن القرآن كان مكتوبًا في صحف وليس في العُسب واللَّخاف والرِّقاع وغيرها. وهناك رواية أخرى تدل على أن المادة التي كتب فيها القرآن في عهد أبي بكر هي العُسب واللِّخاف وغيرهما، وقد ذكر هذه الرواية السجستاني في كتاب المصاحف، عن «مصعب بن سعد قال: قام عثمان فخطب الناس، فقال: أيها الناس عهدكم بنبيكم منذ ثلاث عشرة سنة، وأنتم تمترون في القرآن، وتقولون قراءة أبي، وقراءة عبد الله، يقول الرجل: والله ما تقيم قراءتك، فأعزم على كل رجل منكم ما كان معه من كتاب الله شيء لما جاء به، وكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن حتى جمع من ذلك كثرة…. وفي رواية أخرى عن مصعب بن سعد… «فجعل الرجل يأتيه باللوح والكتف والعُسب فيه الكتاب (يعني الكتابة)… ([3]).

وما ورد عن مصعب قد ناقشه أستاذنا الدكتور: محمد حسن جبل مناقشة موضوعية، وأثبت أن هذه الرواية مهوشة، وأثبت أن المصاحف العثمانية كتبت نَسْخًا من مصحف أبي بكر، ولم تكن جمعًا جديدًا من الرقاع والعُسب ونحوها، وقد جاء التعبير بالنسخ في روايات هذا الخبر الصحيحة للزهري عن سالم وخارجة، وعن أنس وعثمان، ولم يأت الجمع من الرقاع إلا في روايتي مصعب ابن سعد وعمارة بن غزية، وقد بين أوهامها.

وعلى هذا فالمصاحف العثمانية مطابقة للمصحف البكري، بحكم انتساخها منه، ثم لعدم ذكر أحد اختلافًا بينها وبينه([4]).

========================

([1]) المصاحف: ص18, 19، فتح الباري: 9/11.

([2]) المصاحف: ص9, 10.

([3]) السابق: ص23, 24.

([4]) المصاحف: ص34.

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu