Site icon كُنُوز الْعَرَبِيَّة

المقياس الصوتي النقدي للغات العرب المزهر للسيوطي أنموذجًا [الحلقة الخامسة] د/ رجب فوزي إمام

7 ـ  العجعجة :

        قال السيوطي: «العجعجة في لغة قضاعة، يجعلون الياء المشددة جيمًا، يقولون في تميميّ: تميمج»([1]).

        يرى السيوطي أن العجعجة من اللغات المذمومة، وهو في ذلك متابع لسيبويه الذي قال: «وأما ناس من بني سعدٍ فإنهم يبدلون الجيم مكان الياء في الوقف؛ لأنها خفية، فأبدلوا من موضعها أبين الحروف، وذلك قولهم: هذا تميمج، يريدون: تميميٌّ، وهذا علج، يريدون: عليٌّ. وسمعت بعضهم يقول: عربانج، يريد: عربانيٌّ،وحدثني من سمعهم يقولون:

خَالي عويفٌ وأبو علـج

المطعمان الشحم بالعَشِجِّ

وبالغداةِ فِلَقَ البَرْنِــجِّ([2])

يريد: (أبو علي)، بالعشي، والبرني»([3]).

        وسيبويه يشير في كلامه إلى التعليل الصوتي لقلب الياء جيمًا؛ وهو خفاء الياء الصائتة، وأن ذلك لا يكون إلا في الوقف؛ لأن المشددة ليست خفية .

       يقول الدكتور إبراهيم أنيس: «ويظهر أن الياء فيما ساقوه من أمثلة لم تكن في نطق القضاعيين ياء مدّ، بل كانت صوتًا ساكنًا، حتى يمكن أن نتصور قلبها إلى جيم»([4]).

        ويؤكد الدكتور رمضان عبد التواب هذا الرأي، حيث يقول: «وهذا صحيح؛ لأن الذي يقلب إلى الصوت الصامت، هو صوت صامت مثله، ولم نعهد ذلك في حركة قصيرة كانت أو طويلة»([5]).

        وأما عن العلاقة الصوتية التي تسوغ هذا الإبدال، فيقول الدكتور إبراهيم أنيس: «العلاقة بين الجيم والياء من الناحية الصوتية واضحة جدًا؛ لأن كلا منهما صوت مجهور، ومخرجهما واحد، وإنما تختلف الجيم عن الياء في أن الأول صوت أقرب إلى الشدة منه إلى الرخاوة، في حين أن الياء من الأصوات المتوسطة الشبيهة بأصوات اللين، وليست بشديدة ولا رخوة، أو فيها بعض الرخاوة، وربما قد التجأت تلك القبائل إلى الانتقال بالصوت من صفة اليسر إلى صفة العسر، قصد التفخيم في الكلام، وهو ما لا نستطيع تصوره إلا بين قبائل البدو»([6])، ولهذا رغبت عنه اللغة المشتركة .

        وعليه يكون السبب في عدّ هذه اللهجة من اللهجات المرغوب عنها أمرين:

1 –  قلة استعمال هذه اللهجة؛ حيث عُدت من اللهجات التي خرقت الإجماع اللغوي على الفصيح من كلام العرب .

2 –  عدم الاقتصاد العضلي فيها؛ لأن النطق بالجيم «وهو صوت شديد» أصعب من النطق بالياء «وهو صوت متوسط ».

8 ـ  الاستنطاء :

        قال السيوطي: «الاستنطاء في لغة سعد بن بكر، وهذيل، والأزد، وقيس والأنصار: تجعل العين الساكنة نونا؛ إذا جاورت الطاء، كأنْطي في أعْطِي»([7]) .

        يرى السيوطي أن هذه اللهجة من اللهجات المذمومة، ويتابعه في ذلك الزَّبيدي([8])، وأحمد فارس الشدياق([9]) ، والاستنطاء كما عرفه السيوطي: « جعل العين الساكنة نونًا؛ إذا جاورت الطاء، كأنطى في أعطى» ومع ذلك لم تمثل له المصادر إلا بمثال واحد، وهو «أنطى» بدلًا من «أعطى» ([10])، ومشتقاته([11])  .

        وقد قرىء: «إنا أنطيناك الكوثر»([12]) في قوله تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ )([13])، وعليها جاء قول الشاعر:

جِيادُكَ في الصَيفِ في نِعمَةٍ  \   تُصانُ الجِلالَ وَتُنطى الشَعيرا([14]).

        ومع أن قلب العين نونًا لا تؤيده الدراسات الصوتية الحديثة؛ «لأن العين تختلف اختلافًا كبيرًا من الناحية الصوتية عن النون، والصوت لا يقلب إلى صوت آخر إلا إذا كان بين الصوتين نوع من القرابة الصوتية»([15]) ، إلا أن الدكتور إبراهيم أنيس يرى أن «الصوت الذي تنطقه هذه القبائل كان صوتًا أنفميًا؛ وذلك بأن يجعلوا مجرى النفس معه من الفم والأنف معًا، فتسمع العين ممتزجة بصوت النون، وليست في الحقيقة نونًا، بل هي «عين» أنفية، وأن الرواة قد سمعوا هذه الصفة ممثلة في الفعل «أعطى»، فأشكلت عليهم، ولم يصفوها لنا على حقيقتها»([16]).

        ويرى الدكتور عبد الغفار هلال أن هذا اتهام للقدماء من الرواة الموثوق بهم من دون دليل، كما يرى أن التبادل بين العين والنون جائز؛ لأنهما وإن تباعدا مخرجًا فهما متقاربان في الصفات، فهما مشتركان في الجهر، والتوسط، والاستفال، والانفتاح، وهذا يسوغ التبادل بينهما([17]).

        ويرى أحد الباحثين المحدثين أن إيجاد علاقة صوتية أمر متكلف، وأنه يكفي أن نقول: أنهما لغتان؛ لأن إبدال العين نونًا لم يصدر عن ناطق واحد([18]).

        وعليه فإن سبب عدّ هذه اللهجة من اللهجات المرغوب عنها هو قلة استعمال هذه اللهجة؛ حتى اقتصرت شواهدها على جذر واحد؛ والسبب يرجع إلى عدم وجود القرابة الصوتية القوية التي تسوغ التبادل بين الصوتين.

==================

([1]المزهر 1/222 .

([2]الأبيات من الرجز، بلا نسبة في العين 5/337(ك ت ل)، وتهذيب اللغة 1/55(ع ج)، وغريب الحديث للخطابي 2/253 .

([3]الكتاب 4/182 .

([4]في اللهجات العربية ص 110 .

([5]فصول في فقه العربية ص 132 .

([6]في اللهجات العربية ص 111،  وينظر: اللهجات العربية نشأة وتطورًا ص 161 .

([7]المزهر 1/222 .

([8])  ينظر: تاج العروس 1/22(مقدمة المؤلف) .

([9])  ينظر: الجاسوس على القاموس 1/183 .

([10])  ينظر: فصول في فقه العربية ص 120 .

([11])  ينظر: فقه اللغة مسائله ومناهله ص 230 .

([12]هي قراءة الحسن، وابن محيصن، وطلحة، والزعفراني . ينظر : مختصر في شواذ القرآن لابن خالويه ص 182، والجامع لأحكام القران «تفسير القرطبي» 20/216، والدر المصون في علوم الكتاب المكنون للسمين الحلبي 11/125.

([13]الكوثر: الآية (1) .

([14]البيت من المتقارب، وهو للأعشى في ديوانه ص 99 برواية «تعطي الشعيرا»، والإبدال لأبي الطيب 2/318 ، برواية «تنطي الشعيرا»، الجلال: جمع جُل بضم الجيم، وهو ما تلبسه الدابة؛ لتصان به. ينظر لسان العرب 11/119 (ج ل).

([15]فصول في فقه العربية ص 121 .

([16]في اللهجات العربية ص 124 .

([17]ينظر : اللهجات العربية نشأة وتطورًا ص 166 .

([18])  ينظر: الإبدال في لغات الأزد دراسة صوتية في ضوء علم اللغة الحديث للدكتور أحمد بن سعيد قشاش ص 436 .