حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

السُّمُوُّ الحضاري في مدح الشعراء المسيحيين للصادق الأمين [1] بقلم: أ.د/صبري أبوحسين

أستاذ ورئيس قسم الأدب والنقد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بمدينة السادات، بجامعة الأزهر

من الظواهر الثقافية الإيجابية والبانية والهادية والواقية في مُدَوَّنة الشعر العربي الحديث والمعاصر، إقبال كثير من الشعراء المسيحيين، من أبناء الحضارة العربية المُقيمة والمُهاجِرة، على مدح سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- بأشعار تنويرية سامية راقية، تدل على نفوس صافية نقية، وعقول معتدلة مُنصفة، ووجدان رحيب.

من أبرز هؤلاء الشعراء:

خليل مطران (1842-1945م)، وشبلي شميل(1850-1917م)، ومحبوب الشرتوني (1855-1931م)، ونقولا فياض (1871-1930م)، وشبلي الملاط (1875-1961م)، ورشيد سليم الخوري(1887-1984م)، وحليم دموس (1888-1957م)، الملقب بـ«حسان»؛ تيمنًا باسم شاعر الرسول حسان بن ثابت، رضي الله عنه، وإلياس فرحات (1893-1976م)، وجورج صيدح (1893-1978م)، وحسني رشيد جرجيس غراب (1899–1950م)، وميشال المغربي (1901-1977م)، وإلياس طعمة (1903-1947م)، وميخائيل خيرالله ويردي (1904-1978م)، ونصر سمعان (1905-1967م)، وجورج ميشيل سلسلمي (1909-1968م)، ووصفي قرنفلي (1911-1971م)، وعبد الله يوركي حلّاق (1911-1996م)، ورياض المعلوف (1912-2002م)، وإلياس قنصل (1914-1981)، ، وجاك صبري شماس(1947م-2017م)،…وغيرهم، هذا إضافة إلى الشعراء المسيحيين الغربيين أمثال الفرنسي (ألفونس لامارتين1790-1869م)، والروسي (ألكسندر بوشكين(1799-1837م)…وغيرهما!

ومثل هذه الأشعار تحتاج منَّا في عصرنا هذا أن نكثر من تسليط الضوء عليها، وأن نزيد من عرضها على الأجيال الشابة في أوطان العروبة كافة، بكل وسيلة متاحة ومُمكنة؛ حتى نشيع هذه الروح الإنسانية العالية: روح الإنصاف، والاعتدال، والمواطنة، وروح التقريب بين أهل هذين الدينين السماويين، ومن ثم نُحارب نزغات التشدد، ونزعات التعصب، وأساليب الاستقطاب والإرهاب، التي تظهر كل حين، ويظهر ضررُها في أحداث مروعة وسلوكيات همجية، والتي يستغلها أعداء العروبة ودعاة الاتجاهات الأحادية الأنانية التدميرية والتخريبية، أولئك الذين يحاولون أن يجعلونا على شفا حفرة من التمزق والتشرذم، فنصير قبائل يغير بعضها على بعض، ونقع في فتن وقلاقل وفوضى، تصيب الجميع، وتنال من الجميع، وتقضي على وحدتنا وقوتنا!

وبقراءة بعض الأشعار المسيحية الخاصة بسيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- نجدها تنطلق من مرجعية ثقافية عربية واحدة، تنبني على احترام كل طرف للآخر، وتقوم على إعلاء قيم التعايش المشترك، والمواطنة الحقة للجميع! ومن الجميع! بعيدًا عن اختلاف الدين والعقيدة.

ومن أبرز الرؤى الحضارية السامية في خطاب هذه الأشعار النبوية المسيحية، ما يأتي:

[1] الصادقُ الأمين مُصطَفى الشرق:

رأى الشعراء العرب المسيحيون في الصادق الأمين- صلى الله عليه وسلم- أنموذج الإنسان المُبَرِّز والمُمَيَّز في الشرق، مثلُه في ذلك مثل المسيح عليه السلام، وأدلُّ دليل على ذلك قول الشاعر (رياض معلوف) معلنًا عن عظمة نبي الإسلام، وعن أخوته في النبوة لأخيه عيسى ابن مريم، عليهما السلام، ومشيدًا بالمآذن التي تفوق ناطحات السحاب، ومفتخرًا بمكة المكرمة:

يا رسولَ الأنامِ أنتَ وعيسى        خيرُ مَن يُصطَفَى ويُرجَى ويُقصَدْ

شرْقُنا باسمٌ بعيدِك زهوًا            شرْقُنا كلُّه بعيدِك عيَّدْ

أينَما سِرْتَ رُكَّعٌ لصلاةٍ              ودُعاءٌ كأنما الشرقُ معبدْ

يا لَتلكالمآذنِ الشُّمِّ تعلو              ناطحات السحابِ فيها تُمجِّدْ

بوركتْ مكَّةُ وبُوركَ يومٌ             أنتَ فيه وُلدتَ للدِّينِ فَرْقدْ

وكفَى العُرْبَ فخرُهم بنبيٍّ         عبقريٍّ هو النبيُّ محمدْ

وفي قصيدة ثانية يقول شاعرنا (رياض المعلوف) مخاطبًا الصادق الأمين:

قُدْتَ شعبًا إلى تقًى وصلاحِ    هذه مَيزةُ الرجالِ العِظامِ

         فاتخذتُ الكلامَ عنك بليغًا          إن شعري من وحيك المتسامي

وإذا ما أجدت فيك قصيدي      عاد فضلي إليك في إلهامي

وما أجمل أن يربط بين ذاته والذات النبوية! وما أجمل أن يجعل شعره من وحي رسولنا وإلهامه، صلى الله عليه وسلم!

وهذا الشاعر (رشيد سليم الخوري)، يزيد بروز الرسول الخاتم من حيث المساحة، لتشمل الكون كله، حين مدحه، يوم مولده، بقصيدته “عيد البرية”،فقال:

        عِــيــدُ  الــبَـرِيَّـةِ عِــيــدُ الـمَـوْلِـدِ الـنَّـبَـوِيّ      فِــي الـمَـشْرِقَيْنِ لَــهُ وَالـمَغْرِبَيْنِ دَوِي
عِـيدُ الـنَّبِيّ ابـنِ عَـبْدِ اللهِ مَـنْ طلعَتْ         شَـمْـسُ  الـهِـدَايَةِ مِــنْ قُـرْآنِـهِ الـعلوَي
بَــدَا  مِــنَ الـقَـفْرِ نُــورًا لِـلْـوَرَى وَهُـدًى      يَـــا  لِـلْـتَمَدُّنِ عَــمَّ الـكَـوْنَ مِــنْ بَــدَوِي

       يَــــــا  فَـــاتِــحَ الأَرْضِ مَــيْــدَانـًا لِــدَوْلَــتِـهِ      صَـــارَتْ  بِـــلادُكَ مَـيْـدَانًا لِــكُـلِّ قَــوِي

   يَـــــا  قَـــــوْمُ  هَـــــذا مَــسِـيـحِـيٌّ يُــذَكِّـرُكُـمْ      لا يُـنْهِضُ الـشَّرْقَ إلاّ حُـبُّنَا الأخَـوِي
فَــــــإنْ  ذَكَـــرْتُـــمْ رَسُــــــولَ اللهِ تــكــرِمَــةً      فَــبَـلِّـغُـوهُ  سَـــــلامَ الــشَّــاعِـرِ الـــقَــرَوِي

فيعبرالشاعر القروي فيها عن كونه- صلى الله عليه وسلم- رمزًا عالميًّا، حيث عيد مولده عيد البرية، ولهذا العيد دوي وتأثير عال في المشرقين والمغربين،وفيهذا المولد الشريف الهداية والنور والتمدن للعالَم كله، ويُبيِّن شاعرنا الأثر القوي لكونه –صلى الله عليه وسلم فاتحًا، ويُذكِّر الدرس الأعظم من هذا الميلاد وهو أن المواطنة والحب الأخوي بين عنصري الأمة(المسلمين والمسيحيين) هو أساس نهضة الشرق، ثم يعلن في الختام عن تبجيله وتحيته للصادق الأمين!

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu