Site icon كُنُوز الْعَرَبِيَّة

تغريب المصطلحات النقدية والبلاغية مشكلات التواصل ووأد الانتماء [الحلقة السادسة].. بقلم أ.د/ إبراهيم الهدهد

تغريب المصطلحات ووأد الانتماء

من فرائض الأمة على بني جلدتها من النقاد والبلاغيين أن يكونوا سدنة لغتها، وحماة سنخها، وأصلها، وأن يكون همهم الأجلّ الذود عن حياضها، وحماية ذمارها، والانتفاع الحق بما أجاد فيه أبناء اللغات الأخرى في الارتقاء بلغتهم، دونما استعجام، ولاتعمية، ولاتغريب، ولاتهويم، لكن الذي حدث هو جعل النقدي العربي غربي الوجه واللسان،بدافع التنكر لكل ما هوتراثي؛ إمعانا في العصف بالانتماء، وإيغالا في ترسيخ التبعية، ودفعا إلى الاستلاب الثقافي، وإشاعة للشعور بالانهزام، والارتكاس بالأمة إلى براثن التخلف، ولقد صدق المرحوم الدكتور عبد العزيز حمودة حينما قال ” إننا في انبهارنا بإنجازات العقل الغربي الحديث أدرنا ظهورنا بالكلية، أو بدرجات متفاوتة لتراث البلاغة العربية، وكنا حينما نعود إلى تلك البلاغة ـ في أضل الحالات ـ نفعل ذلك من منطلق الدراسة الأكاديمية التي تنتهي فوق أرفف المكتبات، ثم حينما نتحول إلى الممارسات النقدية نلجأ إلى المصطلحات والمفاهيم المستوردة، كان التراث بالنسبة لكثيرين من الحداثيين العرب أمرا من شؤون الماضي، الماضي الذي يجب أن نحقق معه قطيعة معرفية”([1])

ويكشف الباحثون عن سر هذه الانتكاسة، فيؤكدون على أن هذا الانبهار نشأ في ظل ثورة 1952، ونكسة 1967م حيث وجد الأدباء الشبان والفنانون الحداثة سبيلهم الوحيد لرفض الماضي، والشك في الحاضر، واليأس من المستقبل، والشعور بالدونية أمام منجزات العقل الغربي([2])

وقد وصل ـ يقول د/ حمودة ـ الانبهار بالعقل الغربي إلى ذروته في ربع القرن الأخير من القرن العشرين، مع النخبة الحداثية، ومابعد الحداثية العربية، والانبهار بمنجزات العقل الغربي في حد ذاته ليس خطيئة لاتغتفر، لكنه يصبح كذلك حينما يقرن بالتنكر للتراث الثقافي العربي، أو المناداة ـ كما تفعل النخبة ـ بضرورة حدوث قطيعة معرفية كاملة معه كشرط لتحقيق التحديث والحداثة([3])

وأصحاب الحداثة ـ كما يقول د/ شكري عياد ـ كبارهم وصغارهم يتجاهلون نقائص الحضارة الغربية مع علمهم بهذه النقائص،([4]) ويوضح د/ حمودة أن الأزمة ليست أزمة مصطلح وترجمته، ونقله إلى العربية بل أزمة الثقافة التي أفرزت ذلك المصطلح أزمة اختلاف حضاري، وثقافي بالدرجة الأولى([5])

ولقد ” خضع النقد العربي الحديث لعوامل كثيرة على مستوى تغريب ممارساته، فإن فترة الخمسينات شهدت مرحلة ترسيخ النقد الواقعي الاشتراكي في الحقل الثقافي العربي…هذه الكتابات قد ارتكزت على روافد غربية مثل الاشتراكية الفابيانية(Fabianisme) والاشتراكية الديمقراطية(Lasalle) ثم الاشتراكية العلمية(ماركس إنجلز) فإن النقد الواقعي الاشتراكي العربي قد عرف مع ذلك انحرافات في توجهاته نظرا لغياب تصور كامل لمفهوم الجمالية الماركسية”([6]) و” لقد عزلنا المصطلح النقدي عن هذا التاريخ،وعزلناه عن الحساسية العامة، ثم عزلناه عن التعاطف الأساسي الذي لاتتم معرفة دونه”([7])

وهناك شبه إجماع من عقلاء النقاد العرب على أن هذا التغريب قائم على تعميق القطيعة مع الماضي، وتبغيضه إلى جمهور القراء والدارسين العرب، وشغلهم بنماذج نقدية غربية نظرية وتطبيقا لتنشأ أجيال لاصلة لها بتراث الأمة، لأنها ربيت على الالتفات عن الماضي،والنظر إلى الغرب، وإن عرض شئ من التراث نال من السخرية والتقزيم ما يرسخ الانتماء للغرب، ويؤكد على أنه المخرج الوحيد من أزمة التخلف، وعار التقهقر، وتلك قاصمة لاعاصم منها ـ بعد الله ـ إلا إعادة إنتاج التراث النقدي، والوفاء بحقه عرضا وتطبيقا، ومن اليقين أنه الهدى سبيلا في فقه نصوص العربية، والوقوف على أسباب جمالها، فقد نبت في البيئة نفسها التي أبدع فيها النص موضوع الدراسة، وكل ذلك مما يعود بالدارسين إلى الانتماء لعربيتهم ودينهم.     

======================

([1])  المرايا المقعرة،د/ عبد العزيز حمودة، ص13، عالم المعرفة، الكويت.

([2])  ينظر : المذاهب الأدبية والنقدية عند العرب والغربيين، د/ شكري عياد ص 45، عالم المعرفة ، الكويت، والمرايا المقعرة 29.

([3])  ينظر: المرايا المقعرة 31.

([4])  المذاهب الأدبية ص 17.

([5])  المرايا المقعرة ص 53.

([6]) النقد العربي الحديث بين التغريب والتأصيل ص 2 منشور على الشبكة العنكبوتية (http://www.siteavie.com19/9/2003)

([7] ) النقد العربي نحو نظرية ثانية د/ مصطفى ناصف15،عالم المعرفة، الكويت،مارس2000م.