المبحث الثالث – تابع الدراسة المقارنة :
أولا – اللغة الإنجليزية :
4ـ عند البحث في الأصوات الإنجليزية ومحاولة وضع صوت عربي موازٍ في النطق للصوت الإنجليزي نستطيع أن نرصد مجموعة من الحقائق وذلك من خلال وضع جدول يقابل بين كل صوتين متماثلين في الإنجليزية والعربية كما يلي :
Z | Y | X | W | V | U | T | S | R | Q | P | O | N | M | L | K | J | I | H | G | F | E | D | C | B | A |
ز | ي | ز | و | ف | صامت ـ حركة | ت | س | ر | ك | ب | صامت ـ حركة | ن | م | صامت ـ حركة | ك | ج | صامت ـ حركة | هـ | ج | ف | صامت ـ حركة | د | س ـ ك | ب | صامت ـ حركة |
ومن خلال استقراء الجدول سوف نلاحظ غيابا تاما لبعض الحروف العربية مثل حروف [ العين والغين والحاء والخاء والثاء والذال والضاد والظاء ]، وحاولت الإنجليزية التعبير عن هذه الحروف بأصوات قريبة منها ، فطبيعة البيئة الصحراوية التي عاش فيها العرب ، جعلت العربي يستطيع نطق الأصوات الحلقية وغيرها من الأصوات التي لا يستطيع غيرُهم نطقها بسهولة ، ولذلك نجد أن الأوربيين لا يستطيعون نطق الأصوات الحلقية ، فيحاولون نطقها بما يتناسب مع الجهاز الصوتي عندهم ، فينطقون العين همزة فيقولون في “عادل”Adel ، وفي ” عَلِيّ “Ali ، كما أنهم استخدموا صوتا مركبا للتعبير عن صوت الغين وهو[ Gh ] مثل Ghassan في ” غسان ” ، أما صوت الحاء فقد استخدموا حرف [ H ] للتعبير عنها فيقولون Hamed في ” حامد ” ، و Mohammed في ” محمد ” ، وAhmed في ” أحمد ” وهكذا ، كما أنهم استعملوا صوتا مركبا للتعبير عن صوت الخاء وهو[ Kh ] مثل Khalid في ” خالد ” ، أما الحرف المركب [ th ] فاستعمل للتعبير عن صوت [ الذال ] مثل this، وللتعبير عن صوت[ الثاء ] مثل three ، أما صوت الضاد والظاء فلم يكن لهما وجود في النطق الإنجليزي ، وبناء على ذلك ، فإن الإنجليزية لم تمثل كل الحروف العربية بشكل تام وصريح ، بل عجزت عن استعمال بعض الأصوات العربية كالضاد والظاء .
5 ـ من الملاحظ أن الأبجدية الإنجليزية لا تَتَّبِع الترتيب الأبجدي ” أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ ” وإلا لكان ترتيب الحروف والأصوات فيها هو A B G D HWZ ……………………………………………………..
كما أنها لا تَتَّبِع الترتيب الهجائي الألفبائي الذي يعتمد على ترتيب الحروف المتشابهة في الكتابة والتي يُفـرِّقها النقط في اللغة العربية ، وربما لم تعتمد على هذا النوع من الترتيب ؛ لأن الحروف الإنجليزية غير منقوطة ، ومن ثم فأساس الترتيب غير موجود ، وبَقِيَ لنا ترتيب أخير وهو الترتيب الصوتي حسب مخارج الأصوات ، وفي الحقيقة رغم عدم إحاطتنا التامة بالمخارج الدقيقة لأصوات اللغة الإنجليزية ، إلا أنني أعتقد بأن اللغة الإنجليزية تخالف هذا الترتيب أيضـًا ، ودليلي على ذلك هو الأصوات المكررة في الأبجدية الإنجليزية ، فكيف يُرتب صوتًا تبعًا لمخرج معين ، ثم يتبعه بآخر تبعا لمخرج آخر ، ثم يعود لصوت ثالث قد يتبع المخرج الأول وهكذا ، ومن ثم فالأصوات لم تُرتَّب حسب المخارج الصوتية ، وعليه فإنني أستطيع الجزم بأن الإنجليزية خالفت كل أنواع الترتيب المتعارف عليها في اللغة العربية ، وفي اعتقادي أن الترتيب الموجود للأصوات الإنجليزية ما هو إلا نفس ترتيب حروف اللغة اللاتينية القديمة التي انتقلت بكامل حروفها وأصواتها للغة الإنجليزية.
6ـ نستطيع أن نرصد مجموعة من الملاحظات التي ترتبط بالأداء الصوتي للغة الإنجليزية ، حيث نجد أننا أمام لغة لا يوجد فيها علاقة بين الكتابة والنطق ، وندلل على ذلك من خلال مجموعة من الأمثلة فكلمة عين بالإنجليزية تعني [eye ] ، وتنطق ” أَيْ ” ، وضمير المتكلم [ أنا ] يعني بالإنجليزية [I ] ، وينطق ” أَيْ ” فكلا اللفظين لهما نطق واحد رغم عدم وجود حرف مشترك بينهما ، وعليه فإنه لا علاقة بين الكتابة والنطق ، وأيضـًا فكلمة [ لا ] بالإنجليزية تعني [ No ] وتنطق [ نُـو ] ، وكلمة يعرف تعني بالإنجليزية [Know ] وتنطق [ نُـو ] رغم أن حرف[ K ] لا ينطق ، أما العربية فيرتبط فيها المبنى بالمعنى ، كما أن العلاقة بين الكتابة والنطق علاقة قوية وصريحة جدا ، بل امتدت تلك العلاقة للأزمنة في الفعل ، فمثلا الفعل العربي يقطع في الأزمنة الثلاثة يتخذ ثلاث صور هي [ قطع – يقطع – اقطع ] في حين أن الإنجليزية تستعمل الفعل [ cut ] بصيغة واحدة في الأزمنة الثلاثة .
7ـ من المعلوم أن الأبجدية الإنجليزية تكتب من اليسار إلى اليمين بخلاف العربية التي تكتب من اليمين إلى اليسار ، بالإضافة إلى أن الإنجليزية تكتب بحروف مفردة غير متشابكة ، بما يعني أن كل حرف يمثل وحدة كتابية مستقلة ، تجمعها كلمة قد تحمل أكثر من معنى ، فمثلا الفعل لعب بالعربية مكون من ثلاث وحدات صوتية وكتابية هي [ اللام والعين والباء ] ، وقد كتبت هذه الوحدات الصوتية بشكل متشابك مؤديةً معنى واحد وهو اللعب ، أما إذا نظرنا للإنجليزية ، فنجد أن كلمة [ Play ] عبارة عن أربع وحدات كتابية وصوتية منفصلة عن بعضها أي غير متشابكة مؤديةً أكثر من معنى ، فالكلمة تؤدي معنى اللعب ، ومعنى مسرحية ، ومعنى عزف ، ومعنى تنافس أي أن الكلمة الواحدة لها أكثر من معنى وهو ما لا تقبله العربية .
8 ـ هناك ملاحظة هامة جدا في طريقة كتابة الحروف الإنجليزية ، حيث أن الحروف الإنجليزية تتخذ شكلين أساسيين : الأول الحروف الكبيرة أو ما تسمى Capital ، والحروف الصغيرة أو ما تسمى Small ، حيث تكتب أسماء الأعلام والمدن وخلافه في أولها بحرف كبير ثم نكمل الكلمة بالحروف الصغيرة مثل كلمة [ Ali ] ، والمراد بالعربية ” عَِليّ ” بحرف كبير في أول الاسم ثم جاءت بقية الحروف بشكلها الصغير ، وعند التدقيق في أشكال الحروف الكبيرة والصغيرة لا نجد علاقة واضحة وصريحة تربط بينها ، وربما نجد مجموعة من هذه الحروف يَثْبُتُ شكلها في الحروف الكبيرة والصغيرة مع صغر حجمها قليلا في الحروف الصغيرة ، وهذه المجموعة عبارة عن عشرة حروف هي : [ C O S U V X Z P W K ] في شكلها الكبير في بداية الجملة ، وحروف [ c o s u v x z p w k ] في شكلها الصغير ، أي أن الحرف احتفظ بشكله الأساسي مع صغر حجمه ، وهناك مجموعة أخرى لا يربط بين شكليها الكبير والصغير علاقة ولا رابط وهي سبعة حروف ، وهي في شكلها الكبير كالتالي : [ A D G M N Q R ] ، والتي يكون شكلها الصغير هو : [ a d g m n q r ] ، فالملاحظ أنه ليس هناك قاعدة لتغيير الشكل يقاس عليها ، وهناك مجموعة نستطيع أن نقول أنه حدث تغيير معين في الشكل الكبير يمكن تطبيقه على المجموعة كلها ، وهي مكونة من ثلاثة حروف كبيرة هي : [ B H L ] التي تحولت في شكلها الصغير بحذف جزء من الرسم من الأعلى أو من الأسفل إلى : [ b h l ] .
أما المجموعة الثالثة فسوف نجد أن كل حرف تحول من الشكل الكبير إلى الشكل الصغير بعلاقة مختلفة مع بقية الحروف ، وهذه المجموعة مكونة من ستة حروف كبيرة وهي : [ E T Y I F J ] ، والتي يكون شكلها الصغير هو[ [ e t y i f j ، فكل حرف حدث فيه تحريف معين لا يقاس عليه ، أما اللغة العربية فقد احتفظت فيها الحروف بشكل واحد سواء في أول الكلام أو في وسطه أو في آخره مع إضافة بسيطة عبارة عن شرطة ـ إذا كان الحرف موصولا بما قبله أو بما بعده في بعض الحروف مثل : [ بـ ، ـبـ ، ـب ] ، [ جـ ، ـجـ ، ـج ] ، [ كـ ، ـكـ ، ـك ] ، [ هـ ، ـهـ ، ـه ] ، وهكذا .
وهناك حروف تحتفظ بشكل واحد مهما كان موقعها في الجملة مثل حرف الراء في هذه الكلمات : رجل ، سرج ، بدر ، فلم يتغير شكل الراء رغم اختلاف موقعه ، وقس على ذلك حروف الدال والذال والزاي …..
9ـ إن الصوائت أو الأصوات المتحركة التي تستخدمها الإنجليزية أكبر عددا من الحركات التي تستخدمها العربية ، حيث تستخدم العربية ثلاث حركات مقابل خمس حركات للإنجليزية وذلك بهدف الاختزال والاقتصاد .
” إن اللغة العربية الفصحى تستعمل الصّوائت بطريقة اقتصادية عجيبة ؛ لأنها حققت بأقل وأسهل الأصوات فوائد عدة ، فاختارت أقل عدد يحويه نظام الصوائت في اللغات المعروفة ، وهو ثلاثة صوائت [ u،a ، I ] ، في حين أن اللغات الأخرى قد أوغلت في استخدامها ، ابتداءً من خمسة صوائت إلى ما يفوق التسعة ([1])
يقول الدكتور كمال بشر في الصوائت العربية: ” هذه الحركات القليلة العدد ظاهرة بارزة تستحـق النظر والتأمـل إذا قيست بما يناظرها في اللغـات الأخرى” ([2]) ، ثم بين لنا أن قلة الصوائت ” في لغة ما حسنة من حسنات هذه اللغة في النطق والأداء الفعلي للكلام ، ذلك أن الحركات – في عمومها- أصعب من الأصوات الأخرى وأكثرها تعرضًا للتغير والتبدل ، ومن الطبيعي أنه كلما زاد عدد الحركات كانت صعوبة النطق أقوى احتمالاً وظاهرة التغير والتحول أكثر وقوعًا ([3]) .
لا شكّ أنّ الصّوائت أقلُّ كلفةً على جهاز النّطق من الصّوامت لما ذكرنا سابقا في وضعها الحرّ أثناء إنتاج الصّوت لاتّساع المخرج وعدم وجود التّعويق ، ولكنّ المشقّة تكمن في القرب الشّديد بينها ، إذ يؤدّي أيُّ انحراف إلى سوء الفهم ، خاصّة مع كثرة دورانها ووضوحها السّمعي الذي تمتلكه قياسا بالأصوات الصّامتة ما يجعل الانحراف في نطقها واضحا ومستكرها ، وهذا ما يجعل كثرةَ عدد الصّوائت تنهك النّاطق والسّامع في تمييزها عن بعضها البعض، خصوصا في تعلّم اللغات الأجنبية.
وما يزيد من صعوبة الصّوائت هو عدم ارتكازها على موضع محدّد [ مخرج ] أثناء صدورها ، ما يجعلها كثيرة التّغير مع مرور الزّمن واختلاف البيئات والعادات .
والعربية الفصحى تجنَّبت هذه التعقيدات باختيار ثلاثة صوائت فقط اثنين متقابلين أحدهما في مقدمة اللسان والآخر في أقصاه والثالث في الوسط ، وتضاف لها ثلاثة أخرى إذا أُخِذَ الطول والقصر في الحسبان ، ” وعلى الرّغم من هذه القلة النسبية في عدد الحركات العربية، فإن لهذه الحركات دورًا خطيرًا في المادة اللغوية على كل المستويات، فهي بالإضافة إلى دورها الصوتي المتمثل في كونها لبنات أساسية في البناء الصوتي للغة تؤدي وظائف ذات أهمية فائقة على المستوى الصرفي والمعجمي والدلالي والنحوي جميعًا ([4]) .
وكل ما عدا هذه الصوائت لا يدخل إلا ضمن التغيرات التركيبية التي تفرزها التوازنات الصوتية داخل التشكيل ، أو التنوع اللهجي ، وقد تؤدي هذه الانحرافات إلى معرفة لكنة المتكلم أو بيئته ومدى أصالته في اللغة ، ولكن لا تصل إلى سوء الفهم والإخلال بالمعنى ، ولعل هذه القلة العددية للصوائت العربية هي التي ساهمت في ثباتها واستقرارها ، وضمنت بقاء لغتها محتفظةً بخواصها الصوتية الأساسية على مر الزمن ([5]) .
=================
([1]) انظر بمزيد من التفصيل : دراسة الصوت اللغوي . د . أحمد مختار عمر. عالم الكتب . القاهرة . تحت عنوان أنظمة العلل في اللغات . ص 156 – 157 .
([2]) خواص صوتية تمتاز بها اللغة العربية : مقال للدكتور كمال بشر . مجلة مجمع اللغة العربية . القاهرة . العدد 71 نوفمبر1992م . ص 37 .
([5]) المظاهر الاقتصادية في صوائت العربية . د . حمزة بوجمل . جامعة سيدي بلعباس . الجزائر .