الإيجاز
الإيجاز: “هو أن يبنى الكلام على قلة اللفظ وكثرة المعاني، يقال : أوجز الرجل في كلامه إذا جعله على هذا السبيل”[1]
وهو يختلف عن الاختصار الذي يقصد به ” إلقاؤك فضول الألفاظ من الكلام المؤلف من غير إخلال بمعانيه ؛ ولهذا يقولون : قد اختصر فلان كتب الكوفيين أو غيرها، إذا ألقى فضول ألفاظهم وأدى معانيهم في أقل مما أدوها فيه من الألفاظ فالاختصار يكون في كلام قد سبق حدوثه وتأليفه”[2]
واللغة العربية كما هو معلوم لغة البلاغة والبيان ، والبلاغة هي الإيجاز ، فقد سأل معاوية بن أبي سفيان صحار بن عياش العبدي قال له : ” ما تعدون البلاغة فيكم ؟ قال : الإيجاز”[3]
يقول الخليل : ” ومن شأن العرب الإيجاز ، والاكتفاء بالقليل عن الكثير إذا كان ما بقي دالا على المعنى “[4]
وقد اتسم أسلوب الدعاء على الإنسان بالإيجاز، وقد ذكر سيبويه العديد من هذه الأساليب تحت باب أسماه ( ما ينصب من المصادرعلى إضمار الفعل غير المستعمل إظهاره) ومن هذه الأساليب التي ذكرها سيبويه : “خيبة، ودفراً، وجدعاً وعقراً، وبؤساً، وأُفة وتُفة، وبعداً وسحقاً. ومن ذلك قولك: تعساً وتباً، وجوعاً وجوساً . ونحو قول ابن ميادة:
تفاقد قومي إذ يبيعون مهجتي … بجارية بهراً لهم بعدها بهرا[5]
أي تباً “[6].
ويبين سيبويه وجه الإيجاز في ذلك فيقول : ” وإنما ينتصب هذا وما أشبهه إذا ذُكر مذكورٌ فدعوت له أو عليه، على إضمار الفعل، كأنك قلت: سقاك الله سقياً، ورعاك الله رعياً، وخيبك الله خيبة. فكل هذا وأشباهه على هذا ينتصب.
وإنما اختزل الفعل هاهنا لأنهم جعلوه بدلاً من اللفظ بالفعل، كما جعل الحذر بدلاً من احذر. وكذلك هذا كأنه بدل من سقاك الله ورعاك الله ، ومن خيبك الله.
وما جاء منه لا يظهر له فعل فهو على هذا المثال نصبٌ، كأنك جعلت بهراً بدلاً من بهرك الله، فهذا تمثيل ولا يتكلم به “[7].
وهذه المصادر التي حذف فعلها قد يصاحبها ( لاما ) تسمى لام التبيين تأتى لتعيين المدعو عليه وفي ذلك يقول الزجاجي : ” لام التبيين تلحق بعد المصادر المنصوبة بأفعال مخزولة مضمرة لتبين من المدعو له بها ، وذلك قولك : سقيا ورعيا ورحبا ونعمة ومسرة وخيبة ودفرا وسحقا وبعدا … إنما اختزل الفعل لأنهم جعلوا المصدر بدلا منه ثم تلحق لام التبيين فيقال سقيا لزيد ورعيا له وتبا لعمرو ونكرا له وجوعا له ونوعا ؛ لأنه لولا هذه اللام لم يعلم من المدعو له بشيء من هذا أو المدعو عليه ومن ذلك قول الله عز وجل { فسحقا لأصحاب السعير}[8]“[9]
وقد تجيء هذه المصادر مضافة ، فتكون الإضافة بمنزلة اللام وفي ذلك يقول سيبويه : ” هذا باب ماجرى من المصادر المضافة مجرى المصادر المفردة المدعو بها ، وإنما أضيفت ليكون المضاف فيها بمنزلته في اللام إذا قلت : سقيا لك ؛ لتبيّن من تعني . وذلك : ويْلَك ، وويحك ، وويْسك ، وويبَك . ولا يجوز : سقيك ، إنما تُجْرِى ذا كما أجرت العرب “[10]
ويعقب السيرافي على كلام سيبويه السابق بقوله : ” ذكر سيبويه هذه الأشياء على نحو استعمال العرب لها، ولم يجز سقيك ؛ لأنّ العرب لم تدع به، وإنّما وجب لزوم استعمال العرب إيّاها ؛لأنّها أشياء قد حذف منها الفعل وجعلت بدلا من اللفظ بالفعل على مذهب أرادوه من الدّعاء، فلا يجوز تجاوزه؛ لأنّ الإضمار والحذف اللازم وإقامة المصادر مقام الأفعال حتّى لا تظهر الأفعال معها ليس بقياس مستمرّ فيتجاوز فيه الموضع الّذي لزموه “[11].
يتضح من كلام سيبويه والسيرافي : أن أساليب الدعاء على الإنسان أساليب سماعية ـ في بعض الأمثلة ـ لا يقاس عليها ، وإنما يوقف فيها على ما نطقت به العرب .
=====================
[1] ـ الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري تح / محمد إبراهيم سليم ص 40 { دار العلم والثقافة . القاهرة . 1998م }.
[2] ـ الفروق اللغوية ص 40
[3] ـ البيان والتبيين لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ( ت 255هـ ) تح/د / درويش جويدي ج 1 ص 68 {المكتبة العصرية . بيروت .ط. الأولى 1420هـ ـ 1999م }
[4] ـ الجمل في النحو للخليل بن أحمد تح / فخر الدين قباوة ص 229{ مؤسسة الرسالة . ط. الأولى 1405هـ ـ 1985م }
[5] ـ البيت في الكامل في اللغة والأدب لمحمد بن يزيد المبرد، أبي العباس (ت 285هـ) ج 2 ص 182 { .تح: محمد أبو الفضل إبراهيم .دار الفكر العربي – القاهرة .ط . الثالثة 1417 هـ – 1997 م }
[6] ـ الكتاب ج 1 ص 311
[7] ـ الكتاب ج 1 ص 312
[8] ـ سورة الملك من آية 11
[9] ـ اللامات لأبي القاسم عبدالرحمن بن إسحاق تح / مازن المبارك.ص 122، 123 { دار الفكر ، دمشق .ط .الثانية ، 1985م }
[10] ـ الكتاب ج 1 ص 318
[11] ـ شرح كتاب سيبويه لأبي سعيد السيرافي ج 2 ص 208 ، 209 ، وينظر المخصص ج 2 ص 392.