حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

الصناعة المصطلحية وأثرها في الدرس اللغوي.. بقلم: أ.د/عصام فاروق

أستاذ أصول اللغة ووكيل كلية العلوم الإسلامية للطلاب الوافدين لشئون الدراسات العليا- جامعة الأزهر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وبعد،،

فتقوم مداخلتي على محورين:

الأول أتحدث فيه عن الصناعة المصطلحية.

الثاني عن أثر هذه الصناعة في الدرس اللغوي الحديث

المحور الأول: الصناعة المصطلحية

أولا- علم المصطلح وأهميته:

علم المصطلح علمٌ تطبيقي، حديثٌ، بينيٌّ، مهم:

أما كونه علمًا تطبيقيًّا فلأنه أحد أهم فروع علم اللغة التطبيقي أو اللسانيات التطبيقية، وإذا علم اللغة التطبيقي يبحث عن مشكلة (لها علاقة باللغة)، ويحاول حلها بطريقة علمية منهجية.  فإن علم المصطلح بالتالي يبحث عن مشكلة المصطلحات تنظيما وتوحيدا وصياغة، ويحاول حلها بطريقة علمية منهجية، لذا عده الباحثون تطبيقيا.

وأما كونه علمًا حديثًا؛ فلأنه لم يظهر كعلم مستقل له مبادئه وقواعده وتطبيقاته، إلا في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي، تلت ذلك خطوة مهمة أخرى كانت في بداية القرن العشرين، وأتت أهمية هذه الخطوة, من كونها انتقلت من مرحلة توحيد المصطلحات أوروبيًّا, إلى توحيدها عالميًّا, لذلك فهو علم أوروبي النشأة، عالمي الطابع، والذي دعا الأوربيين إليه حاجتُهم إلى ضرورة توحيد المصطلحات على المستوى الأوروبي، للقضاء على مشكلة تشتت المصطلحات وتعددها وعدم وجود مقاييس حاكمة لها، لكن ما ساعدهم على ذلك بحق عدم تعصب الفرنسيين لضرورة صياغة المصطلحات بالفرنسية، ولا الألمانيون للغتهم.. وإنما اتفقوا على معايير تحكمهم جميعا. وهذا درس مهم لنا إن أردنا توحيدًا عربيًّا للمصطلحات.

ولعل السؤال المهم الذي يدور في أذهاننا الآن مفاده:

أليست هناك جهود عربية في المصطلحات من حيث صياغتُها واختيارُها وترجمةُ بعضها وتعريبُ بعضها الآخر.. إلخ؟

أقول نعم، وسأورد حديثًا عن هذا في عنصر تالٍ إن شاء الله تعالى.

لكني أقول: مع وجود جهود كبيرة للعرب في وضع المصطلحات, وجمعها, وتعريفها, وترجمة بعضها، فإنهم لم يَعرِفوا علم المصطلح كعلمٍ مقننٍ له قواعده وأسسه وتطبيقاته، كما هو الحال فيه كعلم حديث مستقل.

أو يمكن أن نتهم أنفسنا نحن المحدثين في أننا لم نستطع الوصول إلى نظريات مصطلحية متكاملة في تراثنا العربي في ظل وجود جهود جبارة في هذا المجال، والشأن في ذلك كشأننا في عدم استطاعتنا الإفادةَ من النظريات القابعة في التراث اللغوي العربي كالموجودة في كتاب سيبويه أو خصائص ابن جني أو غيرهما من الكتب، التي لم تأخذ حقها في المعالجة والدرس، في الوقت الذي أفاد فيه بعض الغربيين إما مباشرة أو بطريق غير مباشر من هذه الجهود في بناء نظريات حديثة، وما إفادة تشومسكي- وهو من أهم اللغويين المعاصرين-  من الدراسات اللغوية العربية القديمة ببعيدة، وقد ذكر ما يدل على ذلك صراحةً كما أثبتها بعض الباحثين المحدثين، من مثل ما نجده في مقدمة ترجمة كتاب (نظرية تشومسكي اللغوية لجون ليونز، ترجمة: د. حلمي خليل. ([1])  وكذلك بحث ( تأثير الخليل بن أحمد الفراهيدي والجرجاني في نظرية تشومسكي، د. جاسم علي جاسم) ([2])، وبحث ( نظرية النظم وأثرها في اللسانيات الحديثة) للزميل الدكتور/ صالح عبد الوهاب([3])

نخلص من هذه النقطة إلى أنني أتحدث هنا عن علم له مبادئه وقواعده التي تنهض بالجانب التنظيري وتنتج هذه الأطر التنظيرية تطبيقات عملية خادمة لها. إذا فالعلم حديث النشأة لحداثة نشأة العلم الأكبر المنضوي تحته وهو علم اللغة التطبيقي أو اللسانيات التطبيقية.  

وأما كونه علما بينيا مهما، فلعلاقاته المتشعبة بالعلوم المختلفة، فهو مجال يحتاج إلى علوم اللغة والاجتماع والنفس والمنطق وغيرها من المجالات التي تسهم في تكوين قضاياه، وتعينه على أداء مهمته في توضيح المفاهيم ووضع التسميات المناسبة لها.

كما أنه لا يوجد علم من العلوم أو مجال من المجالات المعرفية لا يحتاج إلى مبادئ علم المصطلح وتطبيقاته، وذلك أن المصطلحات هي المفاتيح التي يتوصل بها إلى قضايا العلوم ومسائلها، ومن هنا جعلوها مفاتيح العلوم ولله در الخوارزمي حينما أطلق على كتابه (مفاتيح العلوم) لفهمه هذه الوظيفة المهمة للمصطلحات.

وكذلك تحتاج إليه العلوم في صياغة مصطلحات، وتنظيمها، وتوحيدها، ونشرها، ومحاولة تسخير مبادئه للقضاء على الفوضي المصطلحية التي قد تصيبها.

فهي علاقة تبادلية يحتاج فيها علم المصطلح إلى بعض مبادئ العلوم الأخرى، وكل العلوم في حاجة إلى مبادئه لحل مشكلات مصطلحاتها.

إذا ما هو علم المصطلح

علم المصطلح  (terminology science) هو: (( العلم الذي يبحث في العلاقة بين المفاهيم العلمية والألفاظ اللغوية التي تُعبِّر  عنها.))([4])

ويُعنى هذا العلم بطبيعة المفاهيم (المعاني)، وخصائصها، وعلاقاتها، ومنظومات المفاهيم، ووصف المفاهيم (التعريف والشرح)، وطبيعة المصطلحات ومكوناتها، وصياغتها، واختصاراتها، والعلاقات والرموز والتخصيص الدائم والواضح للرموز اللغوية، وأنماط الكلمات والمصطلحات، وتوحيد المفاهيم والمصطلحات، ومفاتيح المصطلحات الدولية، وتدوين المصطلحات، ومعجمات المصطلحات، ومداخل الكلمات، وتتابع المداخل، وتوسيع المداخل، وعناصر معطيات المفردات، ومناهج إعداد معجمات المصطلحات وغيرها. ([5])

وهذا يجرنا إلى التفريق ما بين الكلمة والمصطلح، فما الفرق؟

الفرق المعتبر  يقوم على أن الكلمة تنتمي إلى اللغة العامة، أما المصطلح فينتمي إلى اللغة المتخصصة، أي اللغة العلمية، أو التقنية لمجال معرفي معين، وقد يكون اللفظ عاما وخاصا حسب السياق. ([6]) إذا فالمصطلح لابد أن ينشأ في بيئة علمية متخصصة.

فحينما أقول: ( نظرت في العين اليوم نظرات فاحصة ) إذا كان أمامي من المتخصصين في دراسات اللغة فإن ما يتبادر إلى أذهانهم أن حديثي عن (معجم العين) وبذلك فإن الكلمة تدل على معنى معين اتفق عليه المتخصصون في هذا المجال.

في حين أنني لو قلتها في مجتمع غير متخصص، فإن المعنى الذي سيفهمونه هو عين الإنسان، وهذا هو المعنى اللغوي للكلمة ككلمة لا كمصطلح.

وعليه فقس كلمة (المشترك)، و(الجذر)، وغيرهما.

=========================

[1])) دار المعرفة الجامعية، ط أولى، 1985م،

[2])) بحث منشور بمجلة التراث العربي، العدد 116، سنة 1430ه-2009م.

[3])) بحث منشور بحولية كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات ببني سويف، العدد الخامس، 2013م.

(4) علم المصطلح (269)

(5) ينظر: علم المصطلح (786)، والأسس اللغوية لعلم المصطلح (19، 20)

(6) ينظر: علم المصطلح (287)

 

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu