انحطاط الدلالة
طويل اليَدِ
المعنى الفصيح:
تنعت العرب بـ”طول اليد”، وتريد به الوسم بالجود والسخاء والكرم، فيقولون: “فُلَانٌ طَوِيلُ اليَدِ وطويلُ الباعِ، إِذا كَانَ سَمْحاً جَواداً.”([1]) وقد أورده ابن فارس في التراكيب الدالة على الجود في باب السخاء، فقال: باب السخاء:… وإنه لنديُّ البَنان، سَبْط الكف، طويلُ اليد.([2])
وأصدق شاهد على هذه الدلالة ما ورد أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال لنسائه: “أَسْرَعُكُنَّ لَحَاقًا بِي أَطْوَلُكُنَّ يَدًا”([3]) يُرِيد: أسْمحكن، وأفعلكن للمعروف، وأكثركن صَدَقَة”([4]) كَنَى بطُولِ الْيَدِ عنِ العَطَاء والصَّدَقَة”([5]) ” فَكُن يَتَطَاوَلْنَ، أَي:
يتنافسن أيهن أطول يدًا”([6])، “وَكَانَتْ زَيْنَبُ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ، وَهِيَ مَاتَتْ قَبْلَهُنَّ.”([7])
وإنما جرى الوصف بهذا التركيب على سبيل الكناية؛ لأن الجود والسخاء يستصحبان مد اليد وإرخاءها بالعطية.
المعنى العامي:
قولهم: “فلان طويل اليد” ما زال مستعملًا في عصرنا هذا، يستخدمه العامة وغيرهم، ويعنون به اللص السارق، والمختلس.([8])
وليس هذا الاستعمال حديث عهد بعصرنا، بل تكلم به المولدون -من قبل- بمعنى المختلس.([9])
استنتاج وتعليق:
وعلى هذا يكون “طويل اليد” من المتضاد؛ إذ نعت به العرب الجوادَ المعطاء، وأطلقه العامة على المستلب الساطي؛ ومن هذا الجانب ظهر التضاد.
وإذا تأملت هاتين الدلالتين بان لك جليًّا علةُ التقابل في المعنيين، وذلك أن “طويل اليد” اعتوره تطور دلالي، مجاله انحطاط الدلالة، فبعد أن كانت نعتًا بالجود ومَحْمَدة بإرخاء اليد بالصدقات، أضحت رَمْيًا بالاستلاب ومذمة بالانتهاب.
=================
([1]) الغريبين في القرآن والحديث، لأبي عبيد الهروي، 6/2052، والنهاية في غريب الحديث والأثر 5/294، واللسان 15/422 (ي د ي)، وتاج العروس 40/345 (ي د ي).
([2]) متخير اللفظ ص 95 ، بتصرف.
([3]) صحيح مسلم “المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم”، لمسلم بن الحجاج القشيري 4/1907 برقم (2452)، وصحيح ابن حبان، لابن حبان البُستي 15/50 (6665).
([4]) مشارق الأنوار على صحاح الآثار، للقاضي عياض بن موسى اليحصبي 1/322 .
([5]) النهاية في غريب الحديث والأثر 5/294 بتصرف، وينظر: اللسان 15/422 (ي د ي)، وتاج العروس 40/345 (ي د ي)، ومجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف الأخبار، لجمال الدين الهندي الفَتَّنِي الكجراتي 5/193.
([6]) مشارق الأنوار على صحاح الآثار 1/322 .
([7]) النهاية في غريب الحديث والأثر 5/294 بتصرف، وينظر: اللسان 15/422 (ي د ي)، ومجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف الأخبار، لجمال الدين الهندي الفَتَّنِي الكجراتي 5/193.
([8]) ينظر: معجم اللغة العربية المعاصرة، د. أحمد مختار عبد الحميد عمر 2/1427، والمعجم الوسيط 2/572 (ط و ل)، ومجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة ـ الأعداد (81 – 102) 64/10 .