التعريف بالناظم وذكر منظومته وشروحها:
(2/1) الناظم ومنظومته:
هو([1]) أبو العباس شهاب الدين أحمد بن فرْح بن أحمد بن محمد بن فرْح، الإشبيلي المولد، الشافعي المذهب، وكان مولده عام خمسة وعشرين وستمائة للهجرة، وتوفي عام تسعة وتسعين وستمائة. رحل إلى مصر ودمشق وتفقه على أيدي علمائهما أمثال الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وعمر الكرماني وغيرهما. أخذ في طلب الحديث وأتقن ألفاظه ومعانيه حتى غدا من أعلام الحديث النابهين، وقد نظم قصيدة تسمى القصيدة الغزلية، من عشرين بيتًا على بحر الطويل أشار فيها إلى أقسام الحديث، وهي:
غرامي صحيح والرجا فيك معضل | وحزني ودمعي مرسل ومسلسل | |
وصبري عنكم يشهد العقل أنه | ضعيف ومتروك وذلي أجمل | |
ولا حسن إلا سماع حديثكم | مشافهة يملي عليَّ فأنقل | |
وأمري موقوف عليك وليس لي | على أحد إلا عليك المعول | |
ولو كان مرفوعًا إليك لكنت لي | على رغم عذالي ترق وتعدل | |
وعذل عذولي منكر لا أسيغه | وزور وتدليس يرد ويهمل | |
أقضي زماني فيك متصل الأسى | ومنقطعًا عما به أتوصل | |
وها أنا في أكفان هجرك مدرج | تكلفني ما لا أطيق فأحمل | |
وأجريت دمعي فوق خدي مدبجًا | وما هي إلا مهجتي تتحلل | |
فمتفق جفني وسهدي وعبرتي | ومفترق صبري وقلبي المبلبل | |
ومؤتلف خدي وشجوي ولوعتي | ومختلف حظي وما منك آمل | |
خذ الوجد عني مسندًا ومعنعنًا | فغيري بموضوع الهوى يتحلل | |
وذي نبذ من مبهم الحب فاعتبر | وغامضه إن رمت شرحًا أطوِّل | |
عزيز بكم صب ذليل بعزكم | ومشهور أوصاف المحب التذلل | |
غريب يقاسي البعد عنك وما له | وحقك عن دار البلى متحول | |
فرفقًا بمقطوع الوسائل ما له | إليك سبيل لا ولا عنك معدل | |
فلا زلت في عز منيع ورفعة | ولا زلت تعلو بالتجني فأنزل | |
أوري بسعدى والرباب وزينب | وأنت الذي تعنى وأنت المؤمل | |
فخذ أولًا من آخر ثم أولًا | من النصف منه فهو فيه مكمل | |
أبر إذا أقسمت أني بحبه | أهيم وقلبي بالصبابة مشعل |
(2/2) شروح المنظومة:
لاقت المنظومة قبولًا لدى العلماء لما فيها من الفوائد الحديثية واللغوية والبلاغية والغزلية، وقد قدمها بالشرح والتحليل والتفسير غير واحد من العلماء([2])، منذ منتصف القرن الثامن الهجري حتى العصر الحديث، فأبرزت الشروح- على اختلاف مناهجها- تلك الفوائد، فهي سبيل من أراد التوصل إلى علم مصطلح الحديث، وهي سبيل من أراد التعرف إلى العشق ومعناه وأسبابه، وهي سبيل من أراد معرفة دلالات ألفاظ الأبيات، وهي سبيل من أراد معرفة شيء من علم البديع وفقًا للمنظومة. ومن ثم اختلفت مناهج الشراح إزاء هذه المنظومة، منهم من اقتصر على بيان أقسام الحديث المذكورة في البيت، ومنهم من يقدم للأقسام معاني بعض المفردات المشكلة، ومنهم من يبدأ شرحه بترجمة الناظم وبيان مفهوم التورية وأنواعه، وشرح علم العشق، ومعنى علم الحديث رواية ودراية، ومنهم من يهتم بقطاعات اللغة المختلفة من نحو وصرف وهجاء ودلالة، قبل الولوج في أقسام الحديث المشتمل عليها البيت، وهذا النوع من الشراح ليس على قدم سواء، فبعضهم يذكر معاني الكلمات وما يتعلق بها من اشتقاقات، وأحيانًا ذكر بعض معاني المجال الدلالي المنتمي إليها الكلمة المشروحة، وبعضهم يبدأ بالمعجم: شرح معاني الكلمات، ثم الإعراب للبيت، ثم بيان أنواع الحديث، وبعضهم يكثر من الفوائد اللغوية التي تأتي تباعًا ومتسلسلة داخل البيت الواحد، كلما وجد إلى ذلك سبيلًا، مدللا على ما يذهب بالشواهد الداعمة.
وفي حدود المتاح لي من الشروح المطبوعة استبعدت الدراسة تلك الشروح المقتصرة على شروح أقسام الحديث مباشرة، دون اهتمام للجوانب اللغوية، وقد اقتصرت الدراسة على أربعة أنواع من الشروح مختلفة المنهج، وسوف نقدم بإيجاز تعريفًا لكل شرح منها، على أن تترك التفصيلات لمواضعها.
==================
– الزركلي: الأعلام، بيروت، دار العلم للملايين، ط15، 2002م، ج1، ص 194، 195.
– عمر رضا كحالة: معجم المؤلفين- تراجم مصنفي الكتب العربية، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط1، 1993م، ج1، ص227، ص 228.
– إسماعيل باشا البغدادي: هدية العارفين- أسماء المؤلفين وآثار المصنفين، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1951م، ج1، ص 102.
– الأمير المالكي: الشرح المليح على مقدمة غرامي صحيح، ص 24، ضمن كتاب أربعة شروح لمتن غرامي صحيح، تحقيق هشام بن محمد، بيروت، المكتبة العصرية، ط1، 2010.
– مرزوق الزهراني: شرح الغرامية في مصطلح الحديث، المدينة المنورة، دار المأثر، ط1، 2003م، ص 15: 20.
– ترجمة عبد العزيز دخان، ضمن كتاب شرف الطالب في أسنى المطالب، لابن قنفذ، الرياض، مكتبة الرشد، ط1، 2003م، ص 52.