حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

كيف نقارن بين نظامين للمفردات؟ بقلم أ.د/ عصام فاروق

أستاذ أصول اللغة ووكيل كلية العلوم الإسلامية الأزهرية للطلاب الوافدين لشئون الدراسات العليا- جامعة الأزهر

ثالثًا- كيف نقارن بين نظامين للمفردات/ الكلمات؟([1])

تعد الكلمة أساس النظام اللغوي في كل اللغات ولا يُعتقد وجود لغة ذات بناء لغوي ومستويات متعددة دون كلمات وكذلك من دون نظام معين لتلك الكلمات أو المفردات.

والكلمة هي عبارة عن رمز لشيء خارجي، قد يكون شيئا حسيا أو معنويا، يقتضي ذكرها استدعاء صورة ذلك الشيء في ذهن المتكلم، ومن هنا فإن الحصيلة الحقيقية لمتعلمي اللغات تتأتى أولا من اكتساب أكبر قدر من كلمات تلك اللغة.

إن المتحدث الأصلي للغة يدرك الدلالات المختلفة للرمز أو الكلمة بحيث يمكن له الانتقال بحرية تامة إلى أي جانب من جوانب معناه، فمعاني الكلمات إذن أكثر مرونة مما نعتقد. أما بالنسبة للأجنبي الذي يدرس اللغة عن كبر فربما لا تؤدي الكلمات بوصفها مثيرات وظائفها بنفس هذا الاكتمال والحرية التي يجدها فيها الناطق الأصلي باللغة.

وما يهمنا في هذا المقام ثلاثة جوانب للكلمة: صيغتها، معانيها، توزيعها.

أولا- صيغ الكلمات:

تعد الكلمة في ذاتها نظامًا معقدًا، وتخيل معي أن الكلمة الواحدة قد تشتمل على عدد من الأصوات الصائتة (الحركات) على اختلاف بينها ما بين قصيرةٍ وطويلةٍ، والصامتة (ما عدا الحركات) على اختلاف مخارجها وصفاتها، فقد تجتمع في الكلمة الواحدة أصوات متباعدة المخارج أو متقاربتها، وكذلك مختلفة الصفات أو متفقتها.

فكلمة (عَلِمَ) على سبيل المثال، تشتمل على ثلاثة صوامت، هي: (العين، واللام، والميم)، وثلاثة صوائت قصيرة، هي: (الفتحة فوق العين، والكسرة تحت اللام، والفتحة فوق الميم)، والصوامت الثلاثة تختلف فيما بينها في المخارج والصفات.

وهي مكونة كذلك من ثلاثة مقاطع: (عَ- لِ- مَ)، فدرسنا أن الكلمة قد تتكون من مقطع واحد أو أكثر  من الممكن أن يصل إلى سبعة مقاطع في الكلمة الواحدة. ويحمل مقطع منها النبر، وتتحمل الكلمة كذلك تنغيما قد يعتمد فيه على بيان معناها، وتختلف معانيها بناء على اختلاف تنغيمها.  

وهناك ملمح آخر له علاقة بالصيغة يتمثل في أجزاء الكلمات، فقد تتكون بعض الكلمات من جذر ، ولواحق وسوابق وحشو، فكلمة (المسلمون) فيها جذر (س. ل. م) وسابقة (ال التعريف)، ولاحقة (الواو والنون الدالتان على الجمع المذكر) وقد تشتمل على حشو مثل الألف في وسط كلمة (رجال) للدلالة على الجمع أيضًا.

ومن الملاحظ أن اللغات تختلف في نسبة التعقيد السابق ذكر ملامح له وغيرها، فيزداد في كلمات لغة، بينما يقل في كلمات لغة أخرى، وهكذا.

خصوصًا إذا أضفنا لها خصائص صيغ الأفعال والأسماء في لغة كالعربية الغنية بهذا النوع من الصيغ، فهناك صيغ الزيادة التي قد يعطي كلُّ حرف منها دلالةً زائدةً على معنى الكلمة الأصلية.

فعلى سبيل المثال الفعل: ( نَصَرَ ) إذا أضنفا عليها الألف مع فتح ما بعدها في مثل: (نَاصَر) دل على المشاركة في الفعل، وإضافة الألف والسين والتاء في مثل: (استنصر) تدل على الطلب، أي طلب النصر، ولنا أن نخرج منها: ناصِر، منصور، تناصر، نصير، نَصْر.

أضف إلى ذلك اختلاف بعض اللغات عن بعضها في تصريف الأفعال، فلا تعرف العربية اختلاف صيغ الماضي والمضارع كما تعرفه الإنجليزية في مثل: go , went

ثانيًا- معاني الكلمات:

 من الخطأ أن نظن أن المعاني واحدة في جميع اللغات، وأن اختلاف اللغات إنما يأتي فقط من مجال الصيغ أو الكلمات المستعملة للتعبير عن تلك المعاني، فالمعاني التي نصنف فيها خبرتنا معان مقيدة أو معدلة ثقافيا، ومن ثم فهي تختلف اختلافا كبيرا من ثقافة إلى أخرى.

كما أن بعض المعاني التي توجد في ثقافة ما قد لا توجد في الأخرى. فالمعنى horse  لم يكن معروفا في لغات الهنود الأمريكيين حتى الغزو الإسباني حين جلب الغزاة معهم الجياد إلى أمريكا، ولم تكن البطاطس على سبيل المثال موجودة في أوروبا قبل أن يحضرها الأسبانيون إليها.

وحتى في حالة وجود (الشيء) في الثقافة المعينة فقد تختلف معانيه أو تنعدم كلية في بعض الحالات، فمثلا توجد عند الإسكيمو فروق دلالية كثيرة تعبر عن أنواع مختلفة من الثلج، ويمكن قول ذلك في الكلمات الدالة على الجَمَل في الثقافة العربية.

ونادرا ما نلاحظ تلك الفروق بصورة واضحة إلا عند الترجمة الدقيقة لنص من لغة إلى أخرى.

ويدخل في هذا الجانب إيحاءات المفردات، فبعض الكلمات تعد معانيها عادية في لغة من اللغات بينما تعد في اللغة المقابلة ذات إيحاء سيئ، وكذلك قد ينسحب هذا الاختلاف على لهجات اللغة الواحدة، فكلمة (مَرة) العامية تعني (امرأة) أو زوجة في كثير من اللهجات العربية، بينما نجد أن لها مفهوما خاصا في اللهجة المصرية يوحي بالاحتقار.

ثالثا- توزيع الكلمات:

يعد توزيع الكلمات داخل النظام اللغوي من الأمور المهمة، ذلك أن متحدثي اللغة الأصلية يحملون معهم في كل لحظة عاداتهم في تقييد التوزيع (الاستعمال)، ويهمنا هذا التوزيع من حيث إن للغات المختلفة قيودها المختلفة في هذا الشأن، فهناك القيود النحوية التي تجعل من الكلمة الإنجليزية water اسما في قولنا: water a glass of وفعلا في التعبير water the garden واسما يقوم مقام النعت في المثال: water meterK ولكنها لا تكون صفة إلا بتعديل في شكلها كما في قولنا: watery substance وقد تكون القيود في لغات أخرى أدق من ذلك. وكذلك من المهم مراعاة التوزيع الجغرافي أو بحسب المستوى أي ما يستخدم في الفصحى أو العامية، أو غيرهما.

تصنيف الكلمات:

عَمِلَ العلماءُ على تصنيف كلمات اللغة إلى أصناف متعددة تفيدنا في عملية التحليل التقابلي، منها تمييزهم بين نوعين من المفردات: مفردات عامة معروف لدى أعضاء الجماعة اللغوية عموما، ومفردات خاصة أو متخصصة مقصورة على جماعة خاصة كالأطباء والمهندسين، وما يهمنا في عملية تعليم اللغة الثانية – إن لم يكن الهدف تعليم اللغة لأغراض خاصة- مفردات النوع الأول؛ لأن الكلمات المتخصصة يكتسبها الناطق الأصلي للغة شأنه في ذلك شأن الدارس الأجنبي.

والتمييز الآخر يكون بين مفردات الاستعمال (الأداء)، ومفردات الفهم (التعرف)، وحصيلتنا من مفردات الفهم عادة أكبر من حصيلتنا من مفردات الاستعمال، وقد قدرت بعض الدراسات الحد الأدني الضروري لمفردات الاستعمال بألف كلمة، وزادها بعضهم ألفين، ويرون أنهم من خلالها يمكنه التعبير عن أي شيء، وأما كلمات الفهم فمن الضروري أن يكون الحد الأدنى أكبر من ذلك بكثير.

وكذلك صُنفت المفردات إلى أربع مجموعات:

  • الكلمات الوظيفية: وهي التي تؤدي وظيفة معينة داخل اللغة، كأدوات الاستفهام.
  • الكلمات البدائل: وهي التي تأتي بديلا لكلمات أخرى دالة على معناها كاملا، كالضمائر، فـ(هو) ضمير يقوم مقام (محمد) على سبيل المثال، وكذلك (الذي)، و(مَن) الموصولية.
  • الكلمات الموزعة توزيعا نحويا: مثل: بعض، كل، أي.. وغيرها.
  • كلمات المحتوى: وهي الدالة على الأشياء والمعاني المتعددة، وهي عبارة عن (أسماء، وصفات وأفعال).

وعدد كلمات المجموعات الثلاث الأولى تكون أقل نسبيا من كلمات المحتوى.

كيفية المقارنة بين مفردات اللغتين:

تبلغ المفردات الكلية في أية لغة من اللغات عددًا كبيرًا جدًّا وتتطلب هذه المفردات زمنًا طويلًا من البحث لمقارنة عناصرها واحدةً تلو الأخرى بأي مجموعة أخرى كاملة للمفردات.

ويلاحظ أن المقارنة تشمل المجموعات الثلاث الأولى السابق بيانها، لكونها قليلةً نسبيًا يمكن حصر معظمها، كما أنه مشتركة من ناحية الوظيفة بين اللغات المختلفة، فكل اللغات فيها ألفاظ دالة على الاستفهام والنفي، وهكذا.

وكذلك تحتوي المقارنة على عددٍ من ألفاظ المجموعة الرابعة (المحتوى)، ويتم تحديد مفردات هذه المجموعة من خلال وضوح غرضنا من اختيار المفردات، وكذلك تحديد أعمار الدارسين الذين نعنيهم بالعملية التعليمية.

فيتم أولا اختيار عدد من المفردات وليكن ألف كلمة، بحسب أهميتها الذي يحدده غرضنا من انتقائها من ألفاظ اللغة الواسعة، فقد يُعتمد في المراحل الأولى اختيار الألفاظ الدالة على أعضاء الجسم، والألوان، والعلاقات الاجتماعية (أب، أخ، جد..وهكذا).

وهناك العديد من القوائم للألفاظ الشائعة في اللغة العربية على سبيل المثال، فقد قدم الدكتور/ رشدي طعيمة قائمة مكونة من 1000 كلمة، يمكن الاعتماد عليها في تلك المقابلة، وكذلك للدكتور/ فتحي يونس أربع عشرة قائمة للمفردات الشائعة في اللغة العربية من العصر الجاهلي إلى العصر الحديث، يمكن الاعتماد عليها فيما نحن بصدده.

وكذلك هناك قائمة للدكتور/ دواد عطية عبده، تشمل ثلاثة آلاف كلمة شائعة. في كتابه (المفردات الشائعة في اللغة العربية) الذي طبعته جامعة الرياض.

ويعتبر معيار الشيوع الأكثر اعتمادا في مجال تعليم اللغة للناطقين بغيرها، ومعناه: ((عدد المرات التي يرد فيها العنصر اللغوي في عينةٍ ما.. وأكثر ما يدرس شيوعه الكلمات.)) ([2])

 ثانيا- نقوم بتوضيح معانيها، وقد يُعتمد في المراحل الأولى على الصور أو الأمثلة السياقية التي ترد فيها هذه الكلمات دالة على معان محددة.

ثالثا- نحدد التوزيع النحوي السابق بيانه لهذه المفردات، من حيث قيود ورودها أو عدم الورود.

وقد يُعتمد في المقارنة على خطوات ثلاثة أيضًا:

الخطوة الأولى: مقارنة الشكل (الصيغة):

يمكن تحديد الكلمات المتشابهة بين اللغتين الأم والثانية، ويكمن هذا التشابه في أمرين:

الأول: اتفاق اللغتين في بعض الكلمات من خلال انحدارهما من أصل واحد، ككثير من الكلمات الموجودة في الألمانية والفرنسية والإنجليزية، ميراثا مكتسبا لها من اللغة الأم لها جميعا وهي اللاتينية، والأمر يقال بالنسبة للعربية والعبرية والسريانية من حيث انحدارها من اللغة السامية.

الثانية: اتفاق اللغتين في بعض الكلمات من خلال ظاهرة الدخيل، من حيث وجود تبادل بين اللغة الأم واللغة الثانية، ككثير من الكلمات الإنجليزية الموجودة في العربية بالنسبة للدارس العربي المراد تعليمه اللغة الإنجليزية، أو الكلمات العربية الموجودة في الإنجليزية بالنسبة للإنجليزي الدارس للغة العربية.

ويدخل كذلك في هذا الجانب (الكلمات العالمية) كالدالة على المخترعات الحديثة كالكمبيوتر، والموبايل، والتليفزيون وغيرها.

وبالطبع نضع هذه المفردات في قائمة، وفي مقابلها قائمة أخرى بالكلمات المراد تعلمها وليست موجودة في اللغتين أو متشابهة بينهما.

الخطوة الثانية: مقارنة المعنى.

بعد الخطوة السابقة ننظر إلى تلك الكلمات المتشابهة بين اللغتين، ونحدد ما إذا كان هذا التشابه تاما في المعنى أم أن هناك تغييرا بينها.

ثم ننظر إلى المفردات غير المتشابهة في الصيغة، ونحدد التشابه بينها في المعنى، فهل المعنى بين الكلمتين الدالتين على شيء واحد تاما أم ناقصا، مع تحديد النقص والاختلاف في الحالة الثانية.

الخطوة الثالثة: مقارنة التوزيع والإيحاءات:

يتم فحص القائمة مرة نهائية لتحديد الاختلافات الكبيرة بين الكلمات من حيث التوزيع، فالاسم في اللغة الإنجليزية الذي قد يستعمل فعلا في سياق آخر، بينما لا يستعمل إلا اسما في العربية يشكل نوعا من الصعوبة بالنسبة للدارس الإنجليزي؛ لأنه انتقل من توزيع واسع نسبيا إلى توزيع مقيد. وهكذا.

ويمكن بعد ذلك توسيع هذه القائمة لتشمل مجموعة أخرى يقتضيها المستوى اللغوي الذي ينتقل إليه الدارس.

الإفادة من نتائج المقارنة:

إذا كان هدفنا من النتائج استخدامها في دروس تعليم اللغة، يمكننا تقديمها في شكل دروس، وفي مثل هذه الحالة تقدم سلسلة من الكلمات حسب الحاجة إلى الأنماط النحوية التي تشتمل عليها تلك الكلمات، وتقدم مجموعة أخرى من الكلمات تبعا للمجالات السياقية، وفي كل درس لابد من تجميع الكلمات وفقا لدرجة صعوبتها، وقد يكون من المفيد أن يتم عرض سريع للكلمات النظيرة لكلمات اللغة الأصلية للدارس، حتى إن كان إعداد المفردات قد تم لغرض التدريس.

ويرى بعضهم أن معرفة كلمة باللغة الثانية كمعرفة الناطق الأصلي بها قد تعني الاقتدار على:

  • تعرف المفردة في صورتها المنطوقة والمكتوبة.
  • الاستدعاء وقت الحاجة.
  • ربطها بموضوع أو مفهوم مناسب.
  • استعمالها في صورتها النحوية الملائمة.
  • نطقها نطقا دالا مفهما غير ملبس.
  • رسمها رسما كتابيا صحيحا.
  • استعمالها استعمالا صحيحا مع الكلمات التي تتضام معها.
  • استعمالها استعمالا سياقيا صحيحا. ([3])

====================

[1])) نُقل هذا الجزء من مقال مترجم لروبرت لادو ، ضمن كتاب التقابل اللغوي وتحليل الأخطاء (57 وما بعدها بتصرف)

[2])) معجم المصطلحات اللغوية (201) د. رمزي منير البعلبكي، دار العلم للملايين، ط أولى 1990

[3])) ينظر: مفردات العربية دراسة لسانية تطبيقية في تعليمها للناطقين بغيرها، د. وليد العناتي، بحث منشور ضمن أبحاث المؤتمر العالمي لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، جامعة الملك سعود، 1430ه- 2009م ص (502، 503)

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu