إنَّ المتأمل حقيقة تلك النظرة الجزئية التي شاعت في التراث النقدي، يلحظ أنَّ نقادنا لم يدعوا إلى عزل العناصر المكونة للنص، كيف وهم قد حللوا هذه العناصر في ضوء المحتوى الكلي للنص، وانطلاقًا من سياقها النصي؟ كما أنَّهم لم يدوروا في فلك البيت الشعري معزولاً عن بقية القصيدة، ولم يتمركزوا حول الجملة مقطوعة عن سياقها، ويشهد بذلك نتاجهم الأدبي وموهبتهم الفطرية.
إنَّ من المؤكَّد لديَّ أننا أمام تراثٍ بُني أغلبُه على كتاب الله …فهمًا وإدراكًا وتذوقًا، فهل كان ذلك الفهم من علمائنا في ضوء النظرة الجزئية أم في إطار النظرة الكلية؟!
ليس من المعقول أن يُبنى القرآنُ على وحدة النص في أساليبه وتراكيبه ونظمه وتأليفه، حتى عدَّه المفسرون نصًّا واحدًا ثم يُبنى كلامُ العرب على التجزئة والتفتيت، كيف وهم المخاطبون به وإليهم وُجِّه التحدي؟! فهل خاطبهم القرآنُ بتلك النظرةِ الجزئيةِ المتمثلةِ في الكلمة المفردة أو الجملة أو الفقرة أم خاطبهم بنصوصٍ كليةٍ متسقةٍ متناميةٍ متتابعةٍ؟ ثم أليس قد أجمع أصحابُ الإعجاز أنَّ القرآن خاطبهم من جنس ما نبغوا فيه؟!
ثُمَّ ألا يتعارض هذا الاتِّهامُ الفجُّ مع بلاغة العرب التي استوعبتْ النصَّ القرآني تحليًلا وفهمًا وإدراكًا، وكشفتْ عن خصائصه الجمالية، وأبانتْ عن وجوه إعجازه، ودُوِّنَتْ في ذلك مؤلفاتٌ زاخرةٌ، وقلائدُ مضيئةٌ حتى أدركوا ثلاثيةَ العلامةِاللغويةِ (لفظ- معنى- دلالة)، أو كما قال الخطابي: لفظٌ حاملٌ، ومعنى به قائمٌ، ورباطٌ بينهما ناظمٌ، فمن أين تأتي تلك النظرة الجزئية؟ وألا تتعارض تلك النظرةُ الجزئيةُ مع البلاغة العربية التي استوعبتْ البيانَ النبويَّ الذي يفوق كلَّ كلامٍ بشري، ثُمَّ أقوالَ أساطين العرب شعرًا ونثرًا، وبعد هذا كلِّه يوصفُ نتاجُهم بعدمِ الإحكامِ والاتِّساقِ والانسجامِ ككلام المجانين والأعاجم والمولدين؟!!
ثُمّ ألم يكن في هذه القصائدِ ضمائرُ تعودُ على أصحابِها، وأسماءُ إشاراتٍ للقريب والبعيد، وموصولاتٌ لها جملُ صلةٍ، وأدواتُ عطفٍ واقترانٍ، وإحالةٌ قبليةٌ وبعديةٌ، وداخليةٌ وخارجيةٌ، وأساليبُ شرطٍ، وترتيبٌ خاصٌّ بين أجزاء الجملة، وعلاماتُ إعرابٍ، وفواعلُ ومفعولون وتوابعُ ومتبوعون من نعتٍ وتوكيدٍ وبدلٍ وعطفٍ بيانٍ، وإضافةٌ واشتقاقٌ وتناسبٌ واتِّساقٌ وانسجامٌ وغيرُ ذلك مما ينهضُ دليلاً على خِداعِ وتحرشِ دعوى المحدثين بالبلاغة العربية؟!!… وكأنَّ تراثنا العربي(شعرًا ونثرًا) أضحتْ أبياتُه وفقراتُه أولادَ علاتٍ، تفتقدُ اللُّحمةَ وأواصرَ الترابطِ ووشائجَ القربى فيما بينها؟!! وكأنَّ العرب لم تعرف علمَ المناسباتِ، ومراعاةَ النظيرِ، وردَّ الأعجازِ على الصدور، والتقسيمَ واللَّفَّ والنَّشرَ والاحتباكَ وحُسنَ الاتِّساقِ والتعلقَ والنظمَ والمطابقةَ وقياسَ الشبيهِ على الشبيهِ والنظيرِ على النظيرِ، والمصاحبةَ المعجميةَ والحقولَ الدلاليةَ، ومعاجمَ الموضوعاتِ والاشتقاقَ وائتلافَ الألفاظِ والمعاني؟!! … أم أنَّ هذا التراث الذي بين أيدينا أنتجتْهُ عقولٌ ساذجةٌ وأفكارٌ مشوشةٌ وأمدَّتْهُ روافدُ بدائيةٌ وتجاربُ سطحيةٌ، وصاغتْهُ ألسنةٌ نبطيةٌ خارجيةٌ…حتى يُقال: إنَّ بلاغة العرب تفتقد اللحمة والترابط وأواصر الرحم ووشائج القربى، أو أنَّ أبياتَ قصائدِها في جزرٍ منعزلةٍ وغاباتٍ متشعبةٍ وطرائقَ متفرقةٍ…؟!!!
الحقُّ أنَّ كلَّ ذلك لم يكن … وأنَّ بلاغتنا العربية اعتمدتْ في أُسُسِها المعرفيةِ نظامًا من العلاقاتِ اللغويةِ وعناصرَ تماسكٍ لفظي ودلالي يشهد بذلك مباحثُ العطفِ والتوابعِ، والشرطِ، والضمائرِ وأسماءِ الإشارةِ، والأسماءِ الموصولةِ، والإضافةِ وأدواتِ الاقترانِ، ويشهدُ بتفاعلها وتناميها تلك العلاقاتُ التي تربط بينها،كالمشابهةِ وعلاقةِ الجزءِ والكلِّ والعلةِ والمعلولِ والسببِ والمسببِ والمناسبةِ والمطابقةِ والترتيبِ الوجوديِّ والاحتباكِ …كما اعتمدتْ نظامًا من العلاقاتِ غيرِ اللغويةِ وسمَّتْه العناصرَ الخارجيةَ أو الاعتباراتِ المناسبةَ أو المقامَ، فكثرتْ في مؤلفاتهم عبارتُ التنزيلِ والعدولِ، وكلها اعتبارتٌ فكريةٌ، وثقافيةٌ، واجتماعيةٌ، ونفسيةٌ، ودينيةٌ.
ومن ثمَّ لنا أن نفتِّش عن مبدأ وحدة البيت، والدافع إليه، ويبدو لي أنَّ ظروف العصر وطبيعة البيئة لم تكن بمعزلٍ عن ذلك، فالبيئة الجاهلية كانت لها أكبر الأثر في شيوع وحدة البيت التي سيطرت على البلاغة العربية، كما كان لبيئة البلاغيين المتأخرين أثرٌ في شيوع البلاغة التعليمية.
وما تطمئنُّ إليه النفس ويشهد بصدقه التراث البلاغي أن وحدة البيت لدى الشعراء والأدباء لم تكن مقصورةً على ما أبدعوه لنا من فنون القول شعرًا ونثرًا، وإنَّما شكلت تلك النظرة ميولهم واتِّجاههم ومعارفهم وثقافتهم ومجتمعهم، فقد كان للحياة الجاهلية خصائصُها وسماتُها وبعدُها الثقافي والاجتماعي والمعرفي والبيئي، مما أدَّى إلى الاهتمام باللمحة الدالة والعبارة الموجزة،وسيطرة الملاحظ الجزئية فـي النظـر إلى الواقع، ثم أثرها في عموم البحث اللغوي، ومنها مباحث البلاغة([1]).
ويمكن أن نرجع هذا الاهتمام إلى عدة أسـباب، لعلَّ أبرزها طبيعة البيئة العربية التي منحت العربي، ولاسيما الجاهلي، تذوقًا خاصًّـا بالكلمـة، وإعجابًا شديدًا بالعبارة الرصينة والصورة الخاطفة، الموجزة، الموحية، المؤثرة ([2])، فضلاً عـن شيوع الأمية، وندرة الكتابة؛ لذا اعتمد العرب في جاهليتهم على ذاكرتهم، فنشأت الحاجة إلى الإيجاز؛ لاستيعاب أكبر قدر من منظوم القول ومنثوره، على أن الذاكرة – مهما كانت قوية – قـد تضعف، والإنسان كثيرًا ما ينسى، ومن ثم لا يستطيع أن يحفظ كلّ ما يسـمع ويـروي كـلّ مـا يقال([3]).
وهذا يفسر لنا سرَّ مقولة العرب: أمدح بيت، وأهجى بيت، وشطر بيت، وربع بيت، وكأنهم أرادوا القصيدة أمثالاً وحكمًا يمكن تناقلها وروايتها، ومن هنا عاب الجاحظ: القصيدة إذا كانت كلها أمثالاً لـم تسـر، ولـم تجـرِ مجـرى النوادر([4]).
ونقطة الانطلاق لفهم كلام البلاغيين والأدباء حول (وحدة البيت) تكمن في مجاوزة تلك الصورة الشكلية الخارجية اللَّفظيَّة لوحدة البيت، إلى ما وراءها من معانٍ ذهنيةٍ، وأعني بالوراء هنا ذلك الفضاء الرحب من الدلالات الكامنة وراء هذه المفاهيم من أفكار العرب وثقافاتهم وقيمهم وميولهم واتِّجاهاتهم وعاداتهم؛ وإذا أردت أن تعرف عقلية امرئ، وفكره، وثقافته، وميوله، واتِّجاهه، فاعمد إلى ما قصد من معانٍ ودلالات، فكل تأليف لابدَّ أن يسبقه تفكير، أو كما قال الأخطل:
إنَّ الكلام لفي الفؤاد وإنَّما *** جعل اللسان على الفؤاد دليلا([5])
وقل مثلَ ذلك في كل النصوص التي يوحي ظاهرها بالنظرة الجزئية، وثِقْ أنَّها لا تسعى إلى وحدة البيت وعزله عن النص، وإنَّما تهدف إلى نقل فكرة موجزة أو رسالة محددة، يسهل تناقلها وروايتها، ومن المعايير المستقرة في النقد أنَّ دراسة الفنون الأدبية من خلال تدرج المعني أصدق من دراستها من خلال الأغراض والطبقات؛ لأنَّ المعانيَ صورةٌ وجدانيةٌ لصاحب التجربة الإنسانية التي تنشأ في بيئةٍ هي صادقة في بيئتها، في حين أنَّها لو قِيستْ في بيئة أخرى لكانت مختلفة، ومن هنا فإنَّ نظرية المعنى في البلاغة العربية تنادي بدراسة الأدب العربي وفنونه وتراكيبه وأمثلته وشواهده من خلال نموِّ فكرة المعنى؛ حتى تستقيم الأحكام وتصح النتائج”([6]).
ويبدو أنَّ الذين اتهموا البلاغة العربية بالنظرة الجزئية مستشهدين بنصِّ أبي هلال العسكري قد قنعوا بما فيه من دلالةٍ إجماليةٍ ومعنى ظاهرٍ، وبنوا عليه حكمًا إجماليًّا دون تفصيل وتدقيق، وهذا مخالفٌ لأسس النقد المنهجي الذي يدعو إلى رصد ظاهرة “وحدة البيت” وتعليلها في بيئتها وثقافتها ثم الحكم عليها في ضوء معطيات هذه البيئة وتلك الثقافة، وهذا منهجٌ أصيلٌ من مناهج العلم والبحث؛ ” ولذا كان من الخطأ الذي يلحق الناقد أن يعامل الأعمال الأدبية جميعًا بطريق واحد، وهذا الخطأ لأنَّ الأعمال الأدبية تتنوع في معانيها بتنوع المواقف، ولذا كان من المفيد أن ينظر الناقد إلى الأثر الأدبي حسب المعاني في كل فنٍّ أدبي، فلا يجوز للناقد أن يدرس الأنواع جميعًا بطريقة واحدة، يعامل قصيدة تقليدية معاملة قصيدة حديثة… فممارسة النقد بطريقةٍ واحدةٍ دليل على شيء غير سليم في نقد الناقد، وعلى عدم وضوح المنهج لديه”([7]).
ولا ترخص في التحذير من هولاء الذين لا يقبلون إلَّا الدلالات الإجمالية، ولا يفصِّلون ولا يدقِّقون القول في شأن “وحدة البيت” ووجه العناية والاهتمام بها، كما أنه لا ترخص في تفصيلها وتدقيقها، وهذا منهجٌ أصيلٌ من مناهج العلم والبحث في كل أبواب العلم.
وهذا الخطأ هو ما وقع فيه مُدَّعو الحداثة؛ حيث عاملوا الشعر الغنائي -ومنه شعر العرب باستثناء بعض التجارب القصصية –([8]) معاملة الشعر القصصيِّ، مُتَنَاسين أنَّ شعر العرب يعتمد نظام القافية التي هي بمثابة استراحةٍ يأوي إليها الشاعر، ويلتقط فيها أنفاسه، وجهازٍ إعلاميٍّ يضمن للبيت ذيوعه وانتشاره، ووسيلةٍ معينة على التغني، “وقد أحكم العرب هذه الصياغة الموسيقية… فقد كان الشاعر يتقيد في قصيدته بالنغمة الأولى، وما زالوا يصفون في نغم القصيدة، حتى استوى استواءً كاملاً، سواء من حيث اتِّحاد النغم أو اتِّحاد القوافي وحركاتها، وبرعوا في تجزئة الأوزان حتى يودعوا شعرهم كل ما يمكن من عذوبة وحلاوة موسيقية”([9]).
ويفهم من هذا أنَّ مبدأ “وحدة البيت” الذي التزمه البلاغيون لم يؤدِّ إلى التفريط في التماسك والترابط بين أجزاء العمل الأدبي، وإنَّما كان هذا المبدأ الذي التزموه استجابةً لطبيعة البيئة الجاهلية التي تعتمد التنقل والترحال، “وهي حركة توحي بعدم الثبات والاستقرار، وبالتالي تعني عدم التوقف عند شيء، وإطالة النظر فيه هي التي جعلت معانيهم سريعة، أو على الأقل كانت من أهم البواعث على سرعتها؛ فالشاعر لا يقف طويلاً عند المعنى الذي يلم به؛ بل لا يكاد يمسه حتى يتركه إلى معنى آخر؛ فحياته لا تثبت ولا تستقر، وهو كذلك في معانيه لا يثبت ولا يستقر؛ بل ينتقل من معنى إلى معنى في خفة وسرعة شديدة، ومن ثم غلب عليه الإيجاز، فهو لا يعرف الإطناب ولا ما يتصل به من هدوء وسكون، ولعل هذا هو الذي جعل البيت في قصائدهم وحدة معنوية قائمة بنفسها، وتتألف القصيدة من طائفة الأبيات أو البيوت المستقلة التي يكتفي فيها كل بيت غالبًا بنفسه؛ غير متوقف على ما يسبقه ولا على ما يلحقه إلا نادرًا” ([10]).
يتبع…
=======================
[1]– ينظر: البلاغة العربية قراءة أخرى- محمد عبد المطلب- ص19.
[2]– ينظر الخيال في التراث النقدي والبلاغي عند العرب – رسالة ماجستير- تأليف: عقيل عبد الزهرة مبدر الخاقاني- كلية الآداب- جامعة الكوفة- 2001، ص19.
[3]– ينظر علم المعاني، عبد العزيز عتيق، ص145.
[4]– ينظر البيان التبيين، الجزء الأول، ص206.
[5]ـــ هذا البيت منسوب للأخطل، وشَغَلَ حيزًا كبيرًا بين علماء الكلام فيما يتعلق بصفة الكلام، ومع ذلك لم أعثر عليه في ديوانه بتحقيق قباوة ولا تحقيق مهدي محمد ناصر الدين.
[6]ــ المعنى بين الأدب والبلاغة ص 45.
[7]– ينظر المعنى بين الأدب والبلاغة ص66، وينظر كذلك دراسات في النقد الأدبي، محمد مصايف، ص7 – الشركة الوطنية- الجزائر- 1981.
[8]ـ- يقول شوقي ضيف:” على أننا لا نعدم الشعر القصصي في الشعر الجاهلي: على أن هذه الحركة قد أتاحت لشعرهم ضربًا من الروح القصصية، لا نراه ماثلاً في وصفهم للحيوان الوحشي فحسب؛ بل نراه أيضًا في وصف الصعاليك لمغامراتهم على نحو ما تعرض علينا ذلك تائية الشنفرى التي أنشدها المفضل الضبي والتي يستهلها بقوله:
لَا أُمُّ عَمْرو أَجمعتْ فاستقلَّتِ … وما ودَّعتْ جيرانَها إذ تولَّتِ
فإنه يقص علينا بعد غزلها الطريف قصة غزوة له مع بعض رفاقه من الصعاليك، وهو لا يسردها في إجمال؛ بل يسرد تفاصيلها، إذ يذكر أنهم أعدوا العدة للغزو والسلب، يحملون قسيَّهم الحمر، وقد خرجوا من واديين: مِشْعل والجَبا راجلين، وقد حمل زادهم تأبط شرًّا الصعلوك المشهور، وكان يقتر عليهم في الطعام خشية أن تطول بهم الغزوة فيهلكوا جوعًا. ويصف لنا الشنفرى جعبة السهام التي كانت معهم، وكيف أنهم كانوا يحملون حسامًا صارمًا؛ بل سيوفًا قاطعة كأنها قطع الماء في الغدير لمعانًا؛ بل كأنها أذناب البقر الصغير تحركه، وقد نهلت وعلت من دماء محرم ساق هديه إلى الكعبة؛ فقتلوه دون غايته وأخذوا ما معه، كما قتلوا بعض من كانوا ساق هديه إلى الكعبة، فقتلوه دون غايته وأخذوا ما معه، وعلت من دماء محرم ساق هديه إلى الكعبة، فقتلوه دون غايته وأخذوا ما معه، كما قتلوا بعض من كانوا يرافقونه، ومن لم يُقْتَل أخذوه أسيرًا، وينهي القصة مفتخرًا بشجاعته وأنه لا يرهب الموت.
ويكثر الصعاليك من قَصِّ مثل هذه المغامرة، ويلقانا في حماسياتهم كثيرٌ من وصف معاركهم، وقد يحاولون سردها، وهو سرد تتمشى فيه الروح القصصية على نحو ما تمثل ذلك معلقة عمرو بن كلثوم وقصائد بشر بن أبي خازم في المفضليات؛ إذ يتحدث فيها حديثًا مفصلاً عن يوم النِّسار والجفار، فالقصص يتخلل شعرهم، وقد أفردوا له في مطوَّلاتهم قطعة وصف الحيوان الوحشي. ونراه ماثلاً في غزلهم على نحو ما مرَّ بنا في غزلية المنخل اليشكري؛ وإنما تمثلنا بقطعة منها، وهو ماثل في غزل المرقّش الأصغر مما رواه صاحب المفضليات. فإذا قلنا بعد ذلك كله: إن معانيهم كان يسودها في بعض جوانبها ضرب من الروح القصصية لم نكن مبالغين، وهي روح لم تتسع عندهم، فقد أضعفتها حركتهم وميلهم إلى السرعة والإيجاز. وبذلك لم يظهر عندهم ضرب من ضروب الشعر القصصي؛ فقد ظل شعرهم غنائيًّا ذاتيًّا، يتغنى فيه الشاعر بأهوائه وعواطفه، غير محاول صُنْعَ قصة، يجمع لها الأشخاص والمقومات القصصية، ويرتبها ترتيبًا دقيقًا، فإن شيئًا من ذلك لم يخطر بباله؛ إذ كان مشغولاً بنفسه، لا يهمه إلا أن يتغنى بها وبمشاعره. ينظر: الشعر الجاهلي، شوقي ضيف، ص124، 125.
[9]– ينظر: الشعر الجاهلي، شوقي ضيف، ص126، 127.
[10]ـ- ينظر الشعر الجاهلي، شوقي ضيف، ص124، 125.
أ.د صالح أحمد عبد الوهاب
أستاذ البلاغة والنقد ووكيل كلية العلوم الإسلامية