حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

أساليب العرب والأعراب في الدعاء على الإنسان دراسة في ضوء علم اللغة الاجتماعي [الحلقة التاسعة].. بقلم أ.د/ فاطمة رجب

أستاذة أصول اللغة ووكيلة كلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات بالقاهرة

الكناية ( التعابير الاصطلاحية )

    الكناية لغة : من ” كَنَى فلان، يَكْنِي عن كذا، وعن اسم كذا إذا تكلم بغيره مما يستدل به عليه، نحو الجماع والغائط، والرفث، ونحوه”[1].

والكناية عند أهل البلاغة هي ما عناها عبد القاهر الجرجاني بقوله : ” المراد بالكناية ههنا أن يُريد المتكلمُ إثباتَ معنًى من المَعاني، فلا يذكُرُه باللّفظِ الموضوعِ له في اللُّغة، ولكنْ يَجيءُ إلى معنى هو تاليهِ ورِدْفُه في الوجود، فيومئ به إليهِ، ويجعلهُ دليلاً عليه، مثال ذلك قولُهم: (هو طَويلُ النَّجاد)، يريدونَ طويلَ القامة ( وكثيرُ رمادِ القِدْر)  يَعْنون كثيرَ القِرى وفي المرأة: ( نَؤومُ الضُّحى )، والمرادُ أنها مُتْرفةٌ مخَدْومة، لها مَنْ يَكفيها أمْرَها ، فقد أرادوا في هذا كُله، كما تَرى، معنًى، ثمَّ لم يَذْكُروه بلفظِه الخاصِّ به، ولكنّهُم تَوصَّلوا إِليه بِذِكْر معنًى آخر مِنْ شأنِه أن يَرْدَفَه في الوجود، وأنْ يكونَ إذا كانَ. أَفلا تَرى أنَّ القامةَ إذا طالتْ طالَ النجادُ؟ وإِذا كثُرَ القِرى كثُرَ رَمادُ القِدْر؟ وإِذا كانتِ المرأةُ مُتْرفةً لها مَنْ يَكفيها أَمْرَها، رَدِف ذلك أَنْ تنامَ إلى الضُّحى”[2].      

وقد وضحت د/ عائشة فريد المقصود بنص عبد القاهر فقالت : ” فمبني الكناية على الانتقال من اللازم إلى الملزوم ، كالانتقال من طول النجاد إلى طول القامة ومن كثرة الرماد إلى الكرم ، أي أنه عبر باللازم وأراد الملزوم على عكس المجاز ، كقول من قال : رأيت أسدا يخطب ، فإنه انتقال من الملزوم إلى اللازم ، أي انتقال من الأسد إلى الشجاعة ، فعبر بالملزوم وهو الأسد وأراد اللازم وهو الشجاعة “[3]

وزيادة في إيضاح الكناية تقول د/ عائشة فريد :

 “والكناية تجسم المعاني فتضعها في صورة حسية ملموسة … ففي قوله تعالى :(ويوم يعض الظالم على يديه) [4]، كناية عن الندم ، وهذا شيء معنوي عقلي ، صوره القرآن الكريم بأسلوب الكناية في صورة حسية ، يراها الناظرون في صورة من يعض يديه ؛ لتكون أوقع في النفس وأثبت “[5]

    ولعل هذه الكنايات التي ذكرها عبد القاهر هي  ما أطلق عليها  في علم اللغة الحديث: ( التعابير الاصطلاحية ) .

والتي عرفها لوريتو تود بأنها : ” مجموعة من الكلمات التي لا يمكن أن يتبين معناها من خلال المعاني المألوفة للكلمات التي تؤلف قطعة من اللغة ، ومن ثم فإن العبارة      Fly off the handle  التي تعني : ينفد صبره ، لا يمكن أن تفهم من خلال معاني الكلمات: Fly ، off ، handle ، وتتضمن العبارات الاصطلاحية الاستخدام غير الحرفي للغة”[6]

وقد وضع ( لوريتو تود ) للتعابير الاصطلاحية خصائص تميزها فقال :[7]

ـ تمتد من شبه الصريح ، حيث يمكن أن يفسر المعنى من خلال الاستعارة .

ـ تميل إلى أن تكون ثابتة نسبيا فيما يتعلق بالعدد ، واستخدام المحددات ، واستخدام المقارنات وصيغ التفضيل ، وترتيب الكلمات ، واستخدام المبني للمجهول .

ـ تختلف تبعا للمنطقة الجغرافية ، وتبعا للقواعد الشكلية في التعامل ، وتوجد كثيرا في الكلام المنطوق أكثر من الكتابة ، وذلك لأن العبارات الاصطلاحية من الأقوال المأثورة .

ـ تتصف بالغموض ، ويفضل تجنبها في السياقات الرسمية .

ـ وأخيرا فالعبارات الاصطلاحية مثال مميز للاستخدام غير الحرفي للغة ، ومع أنها موجودة في كل اللغات إلا أنه نادرا ما يمكن ترجمتها  من لغة إلى أخرى .

هذا ما قاله لوريتو تود عن خصائص التعبيرات الاصطلاحية .

وتعد أكثرأساليب الدعاء من هذا النوع من التراكيب أي :الكنايات أو التعابير الاصطلاحية  ؛ لذلك ورد منها في كتاب الكناية والتعريض قولهم :

ـ سلط الله عليك مالا يجتر : يعنون السبع.[8]

وورد في كتاب كنايات الأدباء وإشارات البلغاء ما يلي[9] :

ـ خلع الله نعليه . أي جعله الله مقعدا ؛ لأن المقعد لا يحتاج إلى نعل .

ـ ويقولون : أطفأ الله ناره . كناية عن العمى ، وعن الموت أيضا ؛ لأن الرجل إذا مات طفئت ناره .

ـ وتقول : سقاه الله دم جوفه . دعاء عليه بأن يقتل ولده . ويضطر إلى أخذ ديته إبل ،فيشرب من ألبانها.

ـ ويقال : رماه الله بليلة لا أخت لها . أي بليلة يموت فيها .

ـ وقريب منه ، وقعوا في سلا جمل .أي في داهية لم ير مثلها ؛ لأن الجمل لا سلا له ، وإنما السلا للناقة .وهو ما يلتف فيه ولدها .

تعقيب

يتضح من الأمثلة السابقة أن أسلوب الدعاء تعبير اصطلاحي كنائي ، ، يفهم منه ملزوم معناه ، لا المعنى اللفظي المذكور في التعبير .

=========================

[1] ـ العين ( ك ن ي )

[2] ـ دلائل الإعجاز ج 1 ص 66 تح / محمود محمد شاكر {الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القراءة للجميع 2000م }

[3] ـ الكناية والتعريض لأبي منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي النيسابوري ت 429هـ. تح / د/ عائشة فريد  ص 41{ دار قباء للطباعة ، 1998م }

[4] ـ سورة الفرقان آية 27

[5] ـ الكناية والتعريض ص 45 ، 46

[6] ـ مدخل إلى علم اللغة  ترجمة / د/ مصطفى التوني ص 98 { الهيئة المصرية العامة للكتاب 1994م } .

[7] ـ ينظر السابق ص 99 ، 100

[8] ـ الكناية والتعريض ص 165

[9] ـ كنايات الأدباء وإشارات البلغاء للقاضي أبي العباس أحمد بن محمد الجرجاني تح / د/ محمود شاكر القطان ص 391 { الهيئة المصرية العامة للكتاب 2003م } وينظر : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد(ت 656هـ) تح محمد أبو الفضل ابراهيم ج 20  ص 204 { دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركاه1964 م

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu