حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

التَّنَاصّ فى ميزان النّقد [الحلقة الثالثة].. بقلم أ.د/ إبراهيم الهدهد

أستاذ البلاغة والنقد بكلية اللغة العربية بالقاهرة ورئيس جامعة الأزهر السابق.

مصطلحان متقاربان ( التناص ـ تداخل النصوص )

يبدو للناظر فى النقد الغربى أنهما مصطلحان لمفهوم واحد ، ولكنهم يفرَّقون بينهما فالتناص : هو مجموعة النصوص التى تجد بينها ، وبين النص الذى نحن بصدد قراءته قرابة، وهو مجموع النصوص التى نستحضرها من ذاكرتنا عند قراءة مقطع معّين ، أما تداخل النصوص فهو ظاهرة توجّه قراءة النصّ ، ويمكن أن تحدد تأويله، فالتناص هو حضور النصوص الغائبة التى تتناص مع النص المقروء ، وهذا أمر يحدث أثناء القراءة بتلقائية غير مقصودة بعكس تداخل النصوص الذى يتصف بالقصدية التى تمكنه من ممارسة وظيفة نقدية لتأويل التناص الموجود فى النص ، والنصوص المشكلة للتناص تتوافد على ذاكرة القارئ العادى عند القراءة ، وتحقق له نوعا من اللذة لا يبحث عن سببه، ولايهتم بتأويله، أما تداخل النصوص فإنه يهتم بالبحث والتنقيب، وإعادة إنتاجية التناص الموجود فى النص “(1)

 

التناص عند العرب المحدثين (النشأة ـ التطور ـ المصطلح )

” لم يتعرّف الخطاب النقدى العربى على مفهوم التناص إلا أواخر السبعينيات من القرن العشرين ، ولعلّ محمد بنيس ـ الشاعر المغربى ـ أول من اشتغل على هذا المفهوم ، وذلك فى كتابه ” ظاهرة النصّ الشعرى فى المغرب ” الصادر سنة 1979م(2)

ويشير د/ محمد مفتاح إلى أن دراسة التناصّ فى الأدب الحديث قد انصبت فى أول الأمر فى حقول الأدب المقارن و” المثاقفة ” كما فعل عز الدين المناصرة فى كتابة ” المثاقفة والنقد المقارن : منظور شكلى”(3)

ونتيجة لاختلاف الترجمات والمدارس النقدية تعدد المصطلح ، فمحمد بنيس يترجمه بـ ( النص الغائب ) ، ومحمد مفتاح يسميه : التعالق النصّى ، ويسميه بعضهم بـ ( التناصّ) ويسميه بعضهم بـ ( النصوصية ) وآخرون بـ ( تداخل النصوص) وآخرون بـ ( تفاعل النصوص)(4)

يعرفه د/ محمد مفتاح بأنه : تعالق ـ أى : الدخول فى علاقة ـ نصوص مع نص حدث بكيفيات مختلفة(5)

وعّرفه د/ أحمد الزغبى بأنه ” أن يتضمن نص أدبى ما نصوصا أو أفكاراً أخرى سابقة عليه عن طريق الاقتباس ، أو التضمين أو الإشارة ، أو ماشابه ذلك من المقروء الثقافى لدى الأديب بحيث تندمج هذه النصوص أو الأفكار مع النصّ الأصلى ، وتندغم فيه ليتشكل نص جديد واحد متكامل(6)

وعرفه د . محمود جابر بقوله : هو اعتماد نصّ من النصوص على غيره من النصوص النثرية أو الشعرية القديمة ، أو المعاصرة الشفاهية ، أو الكتابية العربية أو الأجنبية ، ووجود صيغة من الصيغ العلائقية والبنيوية والتركيبية، والتشكيلية والأسلوبية بين النصّين “(7)

وعرفه د. وليد الخشاب بقوله : هو اندراج نص أو أكثر فى نصّ معيّن، وارتباط النص بنوع أدبى ، أو فنى معين ، أو بتقاليد فنية بذاتها،أى:ارتباط النص بمجموعة أخرى من النصوص تشترك معه فى بعض خصائصه، كما تتناول ظاهرة إعادة صياغة النص من وسيط إلى وسيط مغاير، وأثر ذلك على المعنى(8)

وقد عرفه أحمد بن سليمان اللهيب : التناصّ فى أبسط تعريفاته هو ” وجود علاقة بين ملفوظين ” وهو فى مفهومه الكلىّ يتجاوز ذلك ليشمل النص الأدبى فى جميع نواحيه ، وبصورة أوضح نستطيع أن نقول : إن التناصّ هو أحد مميزات النصّ الأساسية التى تحيل على نصوص سابقة عليها ، أو معاصرة لها ، وعلى هذا فإن النص ليس انعكاسا لخارجه أو مرآة لقائله ، وإنما فاعلية المحذوف التذكرى لنصوص مختلفة هى التى تشكل حقل التناصّ “(9)

=======================

(1)   تداخل النصوص فى الرواية العربية ص 17 د / حسين محمد حماد ط الهيئة المصرية العامة للكتاب

(2)   نظرية التناص فى النقد العربى م . س . أحجيوح

(3)   تحليل الخطاب الشعرى د محمد مفتاح.

(4)   ينظر نظرية التناصّ فى النقد العربى  م . س أجميوح، وتعدى النص ص 7 وليد الخشاب،والتناص نظريا وتطبيقا للزغبى ص 11

(5)   تحليل الخطاب الشعرى  ص  121

(6)   التناص ص   11  د. الزغبى

(7)   استراتيجية التناص فى الخطاب الشعرى العربى الحديث ص 266 محمد بنيس ،بحث منشور في مجلة علامات فى النقد جـ 46 ، شوال سنة 1423هـ

(8)   تعدي النص ص 3 د/وليد الخشاب ،ط، المجلس الأعلى للثقافة 1994م.

(9)   التناص مصطلح نقدى أوجده  الشكلانيون  الروس أحمد بن سليمان اللهيب

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu