حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

الفروق الدلالية عند ابن القيم [8] الفسوق والعصيان.. بقلم أ.د/ أحمد علي ربيع

أستاذ أصول اللغة ورئيس القسم بكلية الدراسات العليا ووكيل كلية اللغة العربية بالقاهرة السابق

يدخل هذان اللفظان ضمن طائفة الألفاظ الماضية في حقل دلالي واحد, وهي: “لإثم والعدوان, والفحشاء والمنكر” وقد فرق بينهما ابن القيم تحت عنوان واحد هو “الفسوق”[1] ثم فرق بين معنييهما في حال اجتماعهما في سياق واحد على أن يأخذ كل منهما موضع صاحبه في حال الانفراد. ولما كانت آية الحجرات قد جمعت بينهما (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ )[2] فقد اقتضى هذا الجمع أن يكون لكل منهما معنى ليس لصاحبه، ولذلك يقول ابن القيم: “فالمقرون بالعصيان هو ارتكاب ما نهى الله عنه, والعصيان: هو عصيان أمره, كما قال تعالى: (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [3] وقال موسى لأخيه هارون عليهما السلام(قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي)[4]، فالفسق أخص بارتكاب النهى, ولهذا يطلق عليه كثيراً, كقوله تعالى: (وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ )[5]، والمعصية أخص بمخالفة الأمر كما تقدم, ويطلق كل منهما على صاحبه, كقوله تعالى: (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ)[6] فسمى مخالفته الأمر فسقاً وقال: ( وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى )[7] فسمى ارتكابه للنهى معصية، فهذا عند الإفراد، فإذا اقترنا كان أحدهما لمخالفة الأمر والآخر لمخالفة النهي”[8].

فابن القيم فرَّق في المعنى بين اللفظين في حال الاقتران, فالفسق: ارتكاب ما نهى الله عنه, والعصيان: مخالفة أمر الله, فالأول خاص بالنهى, والثاني خاص بالأمر. لقد استخدم ابن القيم نظرية السياق في التفريق بين المعنيين من خلال عرضه للآيات المتضمنة لكلا اللفظين, فقد أخذ كل لفظ منهما موضع صاحبه في بعض الآيات حال انفراده، أما حال الاقتران فيختص كل منها بمعنى.

أما ابن فارس فقد جعل معنى الفسق عامًا، وهو الخروج عن الطاعة، وهي مشتقة من قول العرب: فسقت الرُّطبة عن قشرها: إذا خرجت”[9].

فالخروج عن الطاعة قد يكون في الأمر، وقد يكون في النهي. كذلك فعل الراغب حين جعل المادة تدل على الخروج عن حجر الشرع[10]. لكنه جعل العصيان أيضاً خروج عن الطاعة, وأصله أن يتمنّع بعصاه[11].

وذهب جمع من اللغويين إلى أن الفسق ترك لأمر الله, وخروج عن طريق الحق, بل فُسّر أيضاً بالعصيان, والخروج عن الاستقامة والجور[12].

لكن صاحب العين جعل الفسق أعم, فهو ترك لأمر الله, وكذلك الميل إلى المعصية, كما فسق إبليس عن أمر ربّه[13], والعصيان من عصى يَعْصي عصياناً ومعصية, وهو مأخوذ من العاصي بمعنى اسم الفصيل, إذا عصى أمّهُ في اتباعها[14].

وكذلك فعل الكفوي حينما خص العصيان بالامتناع عن الانقياد, بينما جعل الفسق عاماً في ترك أمر الله, والعصيان, والخروج عن طريق الحق, والفجور, كما أنه يأتي في القرآن بمعنى الكفر والمعصية والكذب والسيئات, وكل ذلك راجع إلى الخروج, من قولهم فسقت الرطبة[15].

مما سبق يتضح أن ابن القيم كان دقيقاً في الكشف عن معنى كل من اللفظين في حال الاقتران, أما في حال الإفراد, فلا مانع أن يقوم كل منهما بدور صاحبه, وأكد ذلك من خلال تتبع مواضع اللفظين في القرآن منفردين ومقترنين, وهذا مما تفرد به الرجل, ولم أطلع على من سبقه فيه.  

====================

[1] مدارج السالكين 1/367

[2] الحجرات آية 7

[3] التحريم آية 6

[4] طه الآيتان 92 ، 93

[5] البقرة آية 282

[6] الكهف آية 50

[7] طه آية 121

[8] مدارج السالكين 1/369

[9] المقاييس 4/502 “فسق” وانظر فتح القدير 5/79

[10] المفردات ص 382 “فسق”

[11] السابق ص 339 “عصا”

[12] اللسان والقاموس المحيط “فسق” والكليات ص 692 , 693

[13] العين 5/82 “فسق”

[14] العين 2/198 “عصى”

[15] الكليات ص 656 ، 692 ، 693

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu