الجَمَــام
هذه اللفظة لم يذكرها من شراح مثلث قطرب إلا الفيروزآبادي ــ فيما قرأت ـ.
*يقول الفيروزآبادي في الأزهرية: الْجَمَام ــ بالفتح ــ : جَمَام الخيل إذا لم تركب.([1]) وزيد في نسخة المدينة: «الجَمَام: الراحة, ومصدر جَمَّ الفرس جَمامًا: ترك الضراب, فاجتمع ماؤه, أو ترك فلم يُركب فعفا من تَعَبِه»([2])
جاء في مختار الصحاح «الْجَمَامُ بِالْفَتْحِ الرَّاحَةُ، يُقَالُ: جَمَّ الْفَرَسُ يَجِمُّ وَيَجُمُّ جَمَامًا إِذَا ذَهَبَ إِعْيَاؤُهُ وَ (أُجِمَّ) الْفَرَسُ وَ (جُمَّ) أَيْضًا عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ فِيهِمَا, أَيْ: تُرِكَ رُكُوبُهُ.»([3]) واشتق منها الاستجمام بمعنى الراحة, جاء في المعجم الوسيط: «يُقَال استجم الْبِئْر واستجم الْفرس واستجم نَفسه أراحها.»([4]) تجد اللفظة تدل على الراحة والسلامة من الإعياء والمشقة, وذلك يتناسب مع مصوت الفتح فهو صوت خفيف, يخرج بلا كلفة, ولا مشقة على أعضاء النطق أثناء إنتاجه, فلما سهل تكوينه ناسب الراحة والدعة, ولما خرج بلا عائق وافق ذلك إفادة الراحة حيث تسير الحياة خالية من التكدير.
*يقول الفيروزآبادي في الأزهرية: والجِمام ــ بالكسر ــ جمع جمة, وهو كثرة الماء واجتماعه.([5]) وزيد في نسخة المدينة: «وبالكسر: جمع جُمَّة الشعر وجمع جَمّة بالفتح للماء المجتمع»([6])
بإمعان النظر في المعنى أجد أنه لا اجتماع للماء بغية الكثرة إلا من خلال الحبس والحصر له في موضعه, ومن هنا حدث التناسب بين هذا المعنى ومصوت الكسر؛ لما فيه من حبس وحصر للهواء أثناء النطق به.
*يقول الفيروزآبادي في الأزهرية: والجُمام ــ بالضم ــ : دون ملئ الشيء.([7])
الجُمام هنا تدل على عدم الاكتمال والقلة, وذلك يتناسب مع مصوت الضم الذي يمتاز بالقلة والقصر في الفعل, وعدم امتداده.
الجَنَّـــة
*يقول الفيروزآبادي في الأزهرية: «الجنة ــ بالفتح ــ: البستان»([8]). وزيد في نسخة المدينة: «أو الحديقة ذات الشجر والنخل»([9]) .
ولا يخفى علينا أن البستان يمتلأ بالأشجار والنباتات الكثيرة الممتدة في مساحته الواسعة فهو عادة متسع وممتد, وذلك يتناسب مع اتساع وامتداد مصوت الفتح, أيضًا تكون أعضاء النطق إذ ذلك في أعلى درجات الراحة عند تكوين الفتحة بلا عيُّ ولا نصب يصيبها ؛ مما يناسب الدلالة على هذه البيئة الخضراء التي تذوب بين أفناها هموم النفس وتتلاشى أحمالها وأثقالها فتستشعر النفس غاية الراحة وتذوق بين مناظرها الخلابة ما ترومه من راحة البال.
*يقول الفيروزآبادي في الأزهرية: والجِنة ــ بالكسر ــ: الجن. ([10])
الأصل في دلالة (ج ن ن) الستر والتستر.([11]) ولكون الجن مستتر عن عيون البشر أطلقت عليه هذه التسمية, ويؤكد ذلك قول ابن دريد: «وَيُقَال: جِنه اللَّيْل وأجنه وجِنّ عَلَيْهِ: إِذا ستره وغطاه فِي معنى وَاحِد. وكل شَيْء استتر عَنْك فقد جن عَنْك. وَيُقَال: جِنان الرجل وَبِه سميت الْجِنّ. وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يسمون الْمَلَائِكَة: جنَّة لاستتارهم عَن الْعُيُون.»([12]) وبتأمل هذه الدلالة تجدها تناسب مصوت الكسر من حيث إن ما يحدث لجانبي اللسان من قبل الأضراس من الاكتناف لجانبيهما هو في حقيقته ستر لهما, ومنع الهواء من الاستطالة هو حبس له وفي ذلك دلالة على الستر, من هنا حدث التناسب بين خصائص الكسر وما دل عليه.
*يقول الفيروزآبادي في الأزهرية: والجُنة ــ بالضم ــ: السلاح, وما يتوقى به.([13]) وزيد في نسخة المدينة: «وبالضم: كل ما وقَى, وخرقة تلبسها المرأة تغطي رأسها ما قَبَلَ ودَبَرَ غير وسطه وتغطي الوجه وجنبي الصدر فيه عينان مجَّوبتان كالبرقع»([14]).
يستخدم السلاح عادة إما في الدفاع عن النفس أو الاعتداء على الغير وكلاهما ثقيل على النفس شاق عليها, يشهد لذلك قول الله ــ تعالى ــ ﴿كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ وَهُوَ كُرۡه لَّكُمۡۖ ﴾ ( البقرة من الآية216) وذلك يناسب ثقل مصوت الضم, كما أن الذي يستخدم السلاح يحيط به ويشتمل عليه ويضمه إلى جنبه وجسمه؛ ليتمكن من استخدامه بصورة صحيحة, وهذا ما يحدث من الشفتين للهواء الخارج بالضم وما سميّ الضم ضمًا إلا لضم الشفتين لذبذبات هذا المصوت.
===================================
([1]) ينظر: أربع رسائل في شرح مثلث قطرب ص17.
([2]) كتاب الغرر المثلثة والدرر المبثثة, ص393.
([3]) مختار الصحاح, زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي الرازي, (ج م م) يوسف الشيخ محمد, المكتبة العصرية – الدار النموذجية، بيروت – صيدا, ط5، 1420هـ / 1999م.
([4]) المعجم الوسيط (ج م) مجمع اللغة العربية بالقاهرة (إبراهيم مصطفى/ أحمد الزيات/ حامد عبد القادر/ محمد النجار), دار الدعوة.
([5]) ينظر: أربع رسائل في شرح مثلث قطرب ص17.
([6])كتاب الغرر المثلثة والدرر المبثثة, ص393.
([7]) ينظر: أربع رسائل في شرح مثلث قطرب, ص17.
([9]) كتاب الغرر المثلثة والدرر المبثثة, ص394.
([10]) ينظر: أربع رسائل في شرح مثلث قطرب ص19.
([11]) ينظر: معجم مقاييس اللغة (ج ن ن)
([12])جمهرة اللغة, أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد, (ج ن ن) تح. رمزي منير بعلبكي, دار العلم للملايين – بيروت, ط1، 1987م.