الآثار القاسية المترتبة على ” إنكار المجاز ” [1] .. بقلم أ.د/ محمود مخلوف

قبل البدء أود التنبيه إلى إزالة لبس عن العلاقة بالشيخ ابن تيمية، فقد توهم بعض من قرأ الحلقات السابقة أنني من فريق يخاصم ” الشيخ ابن تيمية ” رحمه الله وأثابه، ومعاذ الله أن ألقاه ــ سبحانه ــ وفي قلبي شيء من عالم من علماء الإسلام .

ومعاذ الله : أن تكون كلماتي مما يؤجج نيران الخصومة بين المسلمين أفراداً أو جماعات، وأرجوه سبحانه أن يكون كلامي جامعاً لشتات المسلمين، ينزع فتائل الخلاف الذي يحرص على تأجيجه أعداء الإسلام وخصوم أهل السنة ..

       وهذا لا يتناقض ــ عند أهل العلم ــ مع مناقشة آراء عالم من  العلماء، مهما علا قدره , بشرطي التثبت والأدب .. كما قرر هذا أشبه مفسري العصر بأئمة التفسير : الطاهر بن عاشور   ـ رحمه الله ـ حيث قال : ” المجاهر بالحق دون سب ولا اعتداء لا ينافي البرور، ولم يزل العلماء يخطّئون أساتذتهم وآباءهم في المسائل العلمية بدون تنقيص (1)

      وقد قرأنا لشيخنا الجعفري رداً وتخطئة لما أثبته شيخه الأكبر السيد أحمد بن إدريس حول مقولة ( لا تسيدوني في الصلاة )، مع كونه أحب الشيوخ لديه ، وحكم بأن هذه المقولة موضوعة سنداً، مخطئة لغةً ؛ بما يستحيل صدورها ” من أفصح العرب ” ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ بل إن شيخنا أبا موسى قد عدّ مثل هذا الرد ، من برّ التلميذ بأستاذه ، حتى لا يقتدي به فيه، فيلحقه إثم من هذا الذى ثبت خطؤه فيه..

    وقد سبق أن أشرتُ إلى مناقشة تلاميذ الأئمة الكبار لهم , ومخالفة آراء أساتذتهم , مع ثبوت أنهم كانوا عندهم من أحب وأعظم من رأت أعينهم ..

   وعند الشيخ تقي الدين علم واسع نافع  ولو أن كبار تلاميذه صنعوا مع علمه ما صنعه تلاميذ الأئمة الكبار، كأبي حنيفة ومالك ونظرائهما لجاء علمه الغزير مصفىً من كل ما يثير العلماء والدارسون .. ولكن حقَّ علينا  القدر  .. فاللهم ارزقنا التوفيق والأدب ..

   وقد يكون لعظم شخصية ابن تيمية أثر في هذا , وقد يتوافق مع حال محبيه بعض أحوال تلاميذٍ لشيوخٍ أخرين , وشديد الحب والإعظام قد يوقع في مثل هذا .. لكن الذي أوصَى به الشيوخ من تقديم حق العلم على حق الشيوخ ميزان قسط في هذا المجال ، وأن أحوال السلف الأُوَل ـ أساتذة وتلاميذ ـ يجب أن يكون نبراساً هادياً لكل الأجيال , حيث كان تعظيمهم للحقيقة العلمية أولى بالرعاية من تعظيم حقوق الأساتذة ..

=================

(1) التحرير 7 / 314