حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

شبهات لغوية حول القرآن [13]. بقلم أ.د/ إبراهيم عوض

المفكر الإسلامي وأستاذ الأدب والنقد بكلية الآداب- جامعة عين شمس. (تم النشر بإذن من سيادته))

الشبهة الثالثة عشرة:

يستنكر استخدام القرآن الكريم لصيغة “إلياسين” (بدل “إلياس”) في قوله عز شأنه في الآية 130 من “الصافات”: {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) …. (129) سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} ، وكذلك صيغة “سِينين” (بدل “سيناء”) في قوله سبحانه في الآية الثانية من سورة “التين”: {وَطُورِ سِينِينَ} قائلاً إن الصيغتين المذكورتين هما صيغتا الجمع من “إلياس” و”سيناء”، “فمن الخطأ لغوياً تغيير اسم العَلَم حباً في السجع المتكلًَّف” (ص 109) .

والواقع أن الأمر أبسط من هذا كله، إذ معروف أن الأعلام حين تنتقل من لغة إلى أخرى تعروها عادةًَ تحويرات في حروفها وضبطها ونَبْرها كما في “يوحنا” مثلاً، الذي حوًره اللسان العربي فصار “يحيى” وقد يغدو للعَلَم أكثر من نطق في اللغة التي انتقل إليها كما هو الحال عندنا بالنسبة لـ “أرسطو” و”أرسطوطاليس” و”رسطاليس”، و”أهْلَوارْد” و”اَلْوَارْد” و”ألْفَرْث” (وهو اسم مستشرق ألماني معروف) ، و”جبرائيل” و”جبرئيل” و”جبريل” و”غبريال”.

ومعروف أيضاً أن لاسم النبي محمد عليه الصلاة والسلام في اللغة الإنجليزية مثلاً كذا صيغة مثل “Mahomet” و”Mahound” و”Muhammed” و”Muhammad”.

وفي ضوء هذا فإن من السهل الإشارة إلى أن العرب ينطقون اسم شبة الجزيرة التي تقع في شمال شرق مصر بعدة صور: “سِينا” و”سِيناء” و”سَيْناء” و”سَيْنِين” و”سِينين”. والشيء ذاته يقال في اسم النبي الكريم الذي نحن بصدده. إذ يقولون: “إلياس” و”إبليس” و”إلياسين”.

وقد اختار القرآن الكريم في كل من الموضعين اللذين نحن بصددهما الصيغة التي تناسب السياق محافظةً منه على الإيقاع الموسيقي، أما في غير ذلك فقد استخدم الصيغة الأشيع، وهي “سَيْناء” و”إلياس”، فليس في الأمر جمع ولا تكلف سجع ولا يحزنون.
ومثل “إلياس” فذلك اسم حَمِى موسى، الذي ورد في بعض الترجمات العربية للكتاب المقدس “يِتْرو”، وفي بعضها الآخر “يثرون”، فهل نقول مثلما قال هذا الأحمق إن “يثرون” هي جمع مذكر سالم لـ “يترو”؟ إننا أعقل من ذلك. لكن الأدهى أن يتكرر في الكتاب المقدس لدى اليهود والنصارى ذكر الشخص الواحد بعدة أسماء مختلفة كتسمية حَمِي موسى هذا: “رعوئيل” مرة، و”يثرون” مرة أخرى، و”حوباب بن رعوئيل” مرة ثالثة. وفي سفر “أخبار الأيام الأول” أسماء أعلام تخالف لفظ الأسماء المذكورة في غيره من أسفار الكتاب المقدس.

وقد حاول شُرًاح ذلك الكتاب بطريقتهم البهلوانية تفسير هذه الظاهرة المضحكة بأن اللفظ قد تغيَّر على مرَّ السنين، أو أنه كان للشخص الواحد عدة أسماء، أو أن الأمر مجرد ألفاظ مترادفة. فهذه هي المصيبة حقاً، أما الوقوف عن “إلياس” و”إلياسين” فهم تنطعَّ فارغ. وفي النهاية المطاف ألفت نظره، إن كان عنده نظر، إلى التناقض الرهيب في اسم عيسى عليه السلام بين سفر “نبوءة أشَعْيا” وبين إنجيلَيْْ متَّى ولوقا، إذ جاء في “أشَعْيا” (7 /14، و9 /6 – 7) أن العذراء ستلد لله ابناً وتسميه “عمّانوئيل”، بينما في “متًّى” (1/21) أنها ستلد ابناً وتدعو اسمه يسوع، وهو نفسه ما جاء على لسان جبريل عليه السلام حسب رواية “لوقا” (1/3) ، وإن انتكس الكلام عنده عقيب ذلك إذ يعود فيقول: “هذا كله لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل: هو ذا العذراء تحمل وتلد ابناً ويدعون اسمه عمًانوئيل، الذي تفسيره: الله معنا”. وبطبيعة الحال لم يُسَمً المسيح عليه السلام يوماً “عمًانوئيل”.

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu