حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

فوائد على كتاب (مفردات ألفاظ القرآن) للراغب الأصفهاني [الحلقة الثانية] أ.د/ عصام فاروق

 [7] فوائد مادة [أ.ت.ى]

الأولى:

يكاد يتفق ما أورده الراغب في المعنى المحوري لهذه المادة مع ما أورده ابنُ فارس، حيث جعل الأخيرُ المادةَ تدل على مجيء الشيء، وإصحابه، وطاعته.([1])

الثانية:

تتوافق قراءة عبد الله بن مسعود (تأتي الفاحشةَ) مع آية مريم ﴿ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ﴾ [مريم 27] في المعنى وموضوع الحديث نفسه، ولهذا استدعاها في هذا الموقف توضيحًا لما سبق وتأكيدًا له.

ولعل في التعبير بالإتيان في آية النساء والمجيء في آية مريم دلالةً على هذا التفريق الذي أشار إليه الراغب؛ من حيث كون الإتيان مجيئًا بسهولةٍ.. ففي آية النساء تشديد ووعيد وعقاب زاجر بالحبس لها أو لهن في البيوت حتى تموت أو أن يجعل الله لها- أو لهن- مخرجًا يشعر بأن المرأة المعنية بهذا السياق تأتي الفاحشة وترى فيها يسرًا وسهولةً واستساغةً من وجهٍ ما.

وأما آية مريم فالحديث هنا عن امرأة رأوا طهرَها وعفافها زمنًا من قبل هذا الموقف، لكنهم يغالطون أنفسهم لوجود الولد بين يديها الكريمتين، ولهذا لم يكن وصفهم إياها بالإتيان مناسبًا؛ لصعوبة تحققه منها ولصعوبة تقبل أنفسهم إياه.. والله أعلم.

الثالثة:

مما سبق لا أجدني مُرَجِّحًا ما ذهب إليه الشيخ علي الكوراني العاملي (من علماء الشيعة) في ملاحظاته على نص (المفردات) في هذه المادة بقوله: (( الإتيان: المجئ مطلقًا، بسهولةٍ كان أو صعوبةٍ، فلم يشترط أحدٌ معنى السهولة في الإتيان فهو أعم ))([2])

ففي قوله لم يشترط أحدٌ معنى السهولة في الإتيان أجده يصطدم مع ما أورده ابن فارس نفسه في المعنى العام للمادة في قوله: (( الهمزة والتاء والواو والألف والياء يدل على مجيء الشيء وإصحابه وطاعته..)) ([3]) وانظر إلى قيد: (وإصحابه وطاعته) وهو ما يدل على تلك السهولة.

كذلك أجد ابنُ فارس اشترط السهولة في (مجمل اللغة) بقوله: ((وأَتَّيْتُ للسيل، أي: سَهَّلْتُ سبيلَه.)) ([4])، وكذلك قال الأزهري من قبله: (( ويقال: أَتَّيْتُ السيلَ فأنا أؤتيه إذا سَهَّلْتَ سبيلَه من موضعٍ إلى موضعٍ ليخرج إليه. ))([5]) وأيده عليه الفيروزآبادي([6])

كما أن اختلاف الورود القرآني ما بين (أتى) في مواضع و(جاء) في مواضع مما يؤكد هذا الفرق ما بين الفعلين، وإلا لكان يمكن أن يوضع لفظ منهما مكان الآخر فيقوم مقامه وهو ما لا يمكن قوله في النص القرآني المحكم.

 ويتبقى أننا في حاجة إلى دراسة إحصائية لمواضع مشتقات هاتين المادتين في القرآن الكريم للوقوف على ما بينهما من فروقٍ دقيقةٍ يؤيدها سياقُ كلَّ منهما.

الرابعة:

المبالغة في (آتينا الكتاب) عنه في (أوتوا الكتاب) يؤيدها السياق القرآني، وانظر إلى قوله تعالى:﴿ وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [البقرة 53]  وقوله تعالى:﴿ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ [البقرة 121] وقوله تعالى:﴿ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ﴾[البقرة 146]

وذلك في مقابل قوله تعالى:﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾[البقرة 101] وقوله تعالى:﴿ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ﴾[البقرة 145] وقوله تعالى:﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [آل عمران 23]

[8] فوائد مادة [أ.ث]

الأولى:

ذكر ابن فارس أن لهذه المادة معنى محوري واحد هو الاجتماع واللين. ([7])

الثانية:

يقصد بالمال الإبل والبقر والغنم والعبيد والمتاع وغير ذلك. وكون الأثاث لا واحد له من لفظه هو  قول الفراء، أما أبو زيد فيذكر أنه جمع ومفرده: أثاثة، كنخل ونخلة([8])، وجمع الأثاث: إثاث كما أورد السمين الحلبي وذكر أن فيه نظرًا. ([9])

[9] فوائد مادة [أ.ث.ر]

الأولى:

ذكر ابن فارس أن لهذه المادة ثلاثةَ أصول: تقديم الشيء، وذِكْر الشيء، ورسم الشيء الباقي.([10]) في حين جعله الراغب أصلًا واحدًا يشتمل على هذه الثلاثة وهو: حصول ما يدل على الوجود، أو العلامة والسمة.

الثانية:

وردت في كلمة (أثارة) من قوله تعالى:﴿ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [الأحقاف 4] عدة قراءات: (أَثَارَة) وهي قراءة الجمهور، و(إِثارة) في معنى المناظرة، و(أَثَرَة) مفرد أَثَر، و(أَثْرة) وهي اسم للمرة، و(إِثْرَة) و(أُثْرة) ويبدو أنها لغات في الكلمة. ([11])

الثالثة:

معنى قوله: (سمنت الإبل على أثارة، أي: على أثر من شحم) أي كانت سمينةً من قبلُ فذهب عنها، ثم عاد إليها مرة أخرى. وهكذا تختلف عن ما سمنت أول أمرها.

الرابعة:

أَثَرتُ البعيرَ، جعلت له علامة في خفه يعرف بها إذا ذهب، وتسمي الحديدة التي يعمل بها العلامة (المِئْثَرة) والبعير نفسه يطلق عليه (مأثور).

الخامسة:

أثر السيف بريقه بعد جلائه، وهو دليل على جودته وأصل معدنه، وكلمة (الفِرِند) فارسيةٌ، ومن عجب شرحهم الألفاظ العربية بأخرى أعجمية، ولعل ذلك للاشتهار.

السادسة:

في قوله: (خذه آثرًا ما، وإثرًا ما، وأَثِرَ ذي أثيرٍ) أي: إن اخترتَ ذلك الفعل فافعل هذا إما لا، أو افعله أول كل شيء. جعله ابن فارس في تقديم الشيء،([12]) ولم يوضح الراغب ما علاقته بما هو بصدده من معنى عام وهو العلامة والسمة.

السابعة:

ذكرتْ ألفاظ تلك المادة في واحدٍ وعشرين موضعًا من القرآن الكريم.

 [9] فوائد مادة [أ.ث.ل]:

الأولى:

ذكر ابن فارس أن لهذه المادة معنى محوري واحد هو أصل الشيء وتجمعه.([13]) ووافقه الراغب وإن لم ينص على الأصل أو الجمع والتجمع صراحةً.

ومنه التأثيل بمعنى التأصيل، أو أن التأصيل اللغوي لما كان من الكلمات عربيا، والتأثيل لما كان منها أعجميا أو معربا. وفي كلٍّ رد الكلمة إلى أصولها التي تجمعها مع غيرها من أخواتها، فيتحقق فيه كذلك معنى الجمع والتجميع.

الثانية:

لم يأت من هذه المادة في القرآن الكريم غير هذه الكلمة، فهي من الفرائد القرآنية.

 [10] فوائد مادة [أ.ث.م]:

الأولى:

ذكر ابن فارس أن المعنى المحوري لهذه المادة هو البطء والتأخر.([14]) ويبدو اتفاق الراغب معه في ذلك المعنى.

الثانية:

يقول الراغب: (وقد أَثِمَ إِثْمًا وَأثامًا، فهو آثِمٌ وأَثِمٌ وأَثِيم)

وقد وردت بعض هذه الاشتقاقات في اللغة القرآنية، فـ(الإثم) وارد في مواضع عديدة منها قوله تعالى:﴿ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ﴾ [البقرة 173].

و(أثامٌ) وردت مرة واحدة في قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ﴾ [الفرقان 68] ومعناه هنا: العقاب، لكنه سمي به، لما كان بسببه، والعلاقة بينهما السببية كما يرى البلاغيون.

و(آثِمٌ) وردت مرة واحدة في قوله تعالى:﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ﴾[ البقرة 283]

ووردت (أثيم) في مواضع منها قوله تعالى:﴿تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ﴾ [الشعراء 222] وذكر العسكري في تفريقه بين الآثم والأثيم أن الأثيم أنه المتمادي في الإثم، والآثم فاعل الإثم. ([15])

الثالثة:

يقول الراغب: (وتسمية الكذب إثما لكون الكذب من جملة الإثم)

لعله يقصد به هنا ما ورد في قوله تعالى:﴿ لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [المائدة 63] فالمقصود بالإثم هنا الكذب كما فسره بعضهم. ([16]) ومما يؤكد ذلك اقترانه بـ(قولهم) فهو إثم قولي. والعلاقة هنا التي أباحت إطلاق الإثم وإرادة الكذب هي الكلية، بحسب اصطلاحات البلاغيين.

الرابعة:

(تأثَّم وتحوَّب وتحرَّج) معنى هذه الصيغة – هنا- هو التجنب كما ذكر بعض الصرفيين([17]) أو السلب، ومعنى التجنب: الابتعاد عن أصل الفعل وتحاشي الوقوع فيه. فتأثم تحاشى الإثم وابتعد عنه، أو خرج منه بعد ما وقع.

الخامسة:

العلاقة بين الإثم والعدوان هي علاقة العام بالخاص، فالإثم أعم من العدوان، حيث إن الثاني هو الظلم وهو من أنواع الآثام، ويؤكد ذلك عطف العدوان على الإثم، ولو كان هو هو لما عطف لكون الشيء لا يعطف على نفسه، بل هو من عطف الخاص على العام وذلك في مثل قوله تعالى:﴿ وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة 62]

السادسة:

وردت ألفاظ هذه المادة في القرآن الكريم في ثمانية وأربعين موضعا.

[11] فوائد مادة [أ.ج]:

الأولى:

ذكر ابن فارس أن المعنى المحوري لهذه المادة يقوم على أصلين: الحفيف، والشدة إمَّا حرًّا وإمَّا ملوحةً.([18]) في حين اقتصر الراغب على الأصل الثاني الذي هو الشدة في الحرارة والملوحة، حتى أنه حمل (أجّ الظليمُ أجيجًا) – الذي جعله ابنُ فارس من سماع حفيفه إذا عَدَا- على التشبيه بأجيج النار واضطرامها.

الثانية:

وصفه قولَه تعالى:﴿ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ﴾ [الفرقان 53] بشدة الملوحة والحرارة فيه غرابة من حيث اتصاف الماء بالحرارة، فليس شرطًا حتى يكون مالحًا أن يكون حارًا. أما إن كان من حيث أصاب شاربه بالحرارة الناتجة عن الملوحة فيمكن قبوله.

الثالثة:

وصفه هذا على القول بأنهما عربيان، فهما مشتقان من أجيج النار. والياء والميم فيهما زائدتان. وقال بعضهم بغير ذلك. فذكر صاحب المعرب أن يأجوج أعجمي ص ٤٠٤

الرابعة:

ذُكرتْ ألفاظ تلك المادة في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم، هي قوله تعالى:﴿ وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ﴾ [الفرقان 53]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ﴾[فاطر 12] ، وقوله تعالى: ﴿ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ ﴾[الواقعة 70]

=================================

[1]))  ينظر: مقاييس اللغة [أ.ت.و/ي ]

[2]))  ينظر: مفردات الراغب مع ملاحظات العاملي (36)

[3]))  مقاييس اللغة [أ.ت.و/ي ]

[4]))  مجمل اللغة [أ.ت. و ]

[5]))  تهذيب اللغة [أ.ت. ى ]

[6]))  ينظر: بصائر ذوي التمييز (2/43)

[7]))  ينظر: مقاييس اللغة [أ.ث ]

[8]))  ينظر: الصحاح [أ.ث. ث ]

[9]))  ينظر: عمدة الحفاظ (1/57)

[10]))  ينظر: مقاييس اللغة [أ.ث. ر ]

[11]))  ينظر: معجم القراءات (8/480)

[12]))  ينظر: مقاييس اللغة [أ.ث. ر ]

[13]))  ينظر: مقاييس اللغة [أ.ث.ل ]

[14]))  ينظر: مقاييس اللغة [أ.ث.م]

[15]))  ينظر: الفروق اللغوية  

[16]))  ينظر: التحرير والتنوير (6/248)

[17]))  ينظر: شذا العرف في فن الصرف (41)

[18]))  ينظر: مقاييس اللغة [أ.ج]

 

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu