حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

فوائد على كتاب (مفردات ألفاظ القرآن) للراغب الأصفهاني [الحلقة الثالثة] أ.د/ عصام فاروق

[12] فوائد مادة [أ.ج.ر]:

الأولى:

ذكر ابن فارس أن المعنى المحوري لهذه المادة يقوم على أصلين يمكن الجمع بينهما بالمعنى: الكِراء، وجبر العَظْم الكسير.([1]) في حين جعله الراغب أصلًا واحدًا هو الأول عند ابن فارس.

الثانية:

في قوله: (الأجر والأجرة: ما يعد من ثواب العمل دنيويا كان أو أخرويًا) يبدو أن كلمة الأجرة زائدة هنا، لأن الاستشهاد بالآيات التالية يدل على الأجر وحده، كما أن هناك تعريفا تاليا للأجرة يقيدها بالثواب الدنيوي دون الأخروي، وبالتالي لا يتفق مع النص السابق فيما أرى.

الثالثة:

يستعمل (الأجر) بمعنى الأجرة عند استعماله في الثواب الدنيوي وينفرد  هو في التعيبير عن الثواب الأخروى. وجمع الأجر أُجُور كفَلْس وفُلُوس، أما جمع الأُجْرة فأُجَر ، كغُرْفَة وغُرَف، وربما جُمعتْ على أُجرَات بضم الجيم وفتحها. ([2])

الرابعة:

قوله: (والأجر والأجرة يقال فيما كان عن عقد وما يجري مجرى العقد) فما يجرى مجرى العقد كل ما من شأنه الإلزام بالوفاء، كالعهد والأمانة والنذور وغيرها.

الخامسة:

التفريق الدلالي بين الأجروالأجرة من جانب والجزاء من جانب آخر يقوم على العموم في الجزاء مقابل الخصوص في الأجر والأجرة لذا فالأول يستعمل في العقد وغيره وفي النافع وغيره، لذا استعمل في الجنة وفي جهنم.

السادسة:

في قوله: (يقال: أَجَرَ زيدٌ عمرًا يَأجِرُه أَجْرًا)يأجِره ويأجُره، فهو من باب ضرب ونصر كما ذكر صاحب مختار الصحاح. وآية القصص تؤيد ضم عين المضارع. ولعل ما يؤيد الكسر قراءة (تواجرني) بكسر الجيم، لكنها من آجَر، لا من أَجَر.

السابعة:

ورد في نص هذه الطبعة قوله: (يقال: أجرت فلانا: إذا استغاث بك فحميته، إجار إجارة، ﴿ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ﴾[التوبة: 6]﴿ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ ﴾[المؤمنون: 88])

ليس هذا الكلام من هذه المادة وإنما من ( ج. و. ر) كما نصَّ على ذلك السمينُ الحلبي([3])، ولذلك فإن الطبعات الأخرى أسقطت هذه الأسطر من هذا الموضع.

الثامنة:

في قوله: (والاستئجار: طلب الشيء الأجرة، ثم يعبر  به عن تناوله بالأجرة، نحو: الاستيجاب في الإيجاب، على هذا قوله تعالى: ﴿ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ [القصص: 26])

من دلالات الألف والسين والتاء، وقد يكون للصيرورة كاستنوق الجمل، أو اعتقاد صفة الشيء كاستحسنت كذا أو للاختصار كاسترجع، إذا قال: إنا لله وإنا إليه راجعون.. ([4])

ومن هنا قد تكون الألف والسين والتاء للطلب أو لغيره، وعليه الاستشهاد بالآية – فيما يبدو- فهو لغير طلب الأجرة، مثل الاستيجاب في معنى الإيجاب من غير الطلب. لكنه قد تكون للطلب، لكنه طلب العمل لتناول الأجرة لا لطلب الأجرة نفسها.

التاسعة:

وردت ألفاظ هذه المادة في القرآن الكريم في ستة ومائة موضع. دون أن تستعمل كلمة الأجرة، وإنما عُبر عنها بالأجر.

[13] فوائد مادة [أ.ج.ل]:

الأولى:

لم يذكر ابن فارس معنى محوريًّا لهذه المادة، وإنما ذكر أن هذا التركيب يدل على خمس كلمات متباينة لا يكاد يمكن حمل واحدة على واحدة من جهة القياس.([5]) في حين أن الراغب رد معظم مشتقات هذا التركيب إلى أصل واحد هو المدة المضروبة للشيء.

الثانية:

قوله: (الأجل: المدة المضروبة للشيء) سواء كان هذا الشيء دينا، أم عمرا أم عِدَّة أم غيرها. وقوله: (وهما واحد في التحقيق.) أو قريبان، حيث يفضي الهرم إلى الموت. وقوله: (منهم مَن يموت عَبْطَة) إذا مات صحيحًا شابًا.

الثالثة:

قوله: (وقصدهما الشاعر….) هذا البيت لزهير، ولا إشكال عقدي في البيت فقد استشهد به كثير من العلماء، واستشهد به بعضهم في شرح قوله تعالى (ومنهم من يرد إلى أرذل العمر).

الرابعة:

هناك فرق بين الأجل والجناية، من حيث إن الجناية أعم، وقد لا تؤدي الجناية إلى انتهاء الأجل.

الخامسة:

وردت ألفاظ هذه المادة في القرآن الكريم في ستة وخمسين موضعًا.

 [14] فوائد مادة [أ.ح.د]:

الأولى:

رد ابنُ فارس تركيب (أ.ح. د) إلى أصله وهو الواو (و.ح.د) وذكر أن المعنى المحوري لهذه المادة هو الدلالة على الانفراد. ([6]) في حين أن الراغب لم ينص على هذا المعنى ولا غيره.

الثانية:

            هناك اختلاف بين العلماء في أصلية الهمزة في (أحد) من عدمها، فالسمين الحلبي يرى أنها أصلية إلا في استعمالها مع الله تعالى. ([7]) في حين يرى بعضهم أن أصلها الواو أي: وحد. ([8])

الثالثة:

            يقول العاملي: (( رأى الراغب أن ما النافية مع أحَدٍ تدل على نفي الجنس ، فتخيل أن أحداً هي التي تدل على النفي ، فقال : « أحَدٌ : يستعمل على ضربين : أحدهما في النفي فقط ، والثاني في الإثبات » . ولم يلتفت الى أن النفي جاء من ما والتنكير ، وليس من أحد !))

            ولم ينتبه العاملي إلى قول الراغب أحدهما في النفي فقط أي في سياق النفي المستفاد من ما والتنكير.

الرابعة:

            قوله: (أحدهما: في النفي فقط) أي: في سياق النفي المستفاد من (ما) قبلها وكذلك التنكير. نفي أو شبهه كالاستفهام والنهي.. قال تعالى: ﴿ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ﴾[التوبة: 127] استفهام في معنى النفي. وقال:﴿ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ ﴾ [هود: 81] نهي في قوة النفي. ([9])

الخامسة:

قوله: (كقوله تعالى:﴿ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ﴾[الحاقة: 47]) والمعنى كما ذكر الطاهر بن عاشور: ما منكم أناس يستطيعون الحجز عنه.. وإنما أخبر عن أحد وهو مفرد بحاجزين جمعا؛ لأن أحد هنا وإن كان لفظه مفردا فهو في معنى الجمع لأن (أحد) إذا كان بمعنى ذات أو شخص لا يقع إلا في سياق النفي مثل عريب وديار ونحوهما من التكرات التي لا تستعمل إلا منفية فيفيد العموم، أي كل واحد لا يستطيع الحجز عنه ويستوى لفظه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث. ([10]) 

السادسة:

            قوله: (ولكن وحد يستعمل في غيره) أي مع غير الله سبحانه.

وفي الفرق بين (أحد) و(واحد)كلامٌ كثيرٌ ومنه: أن أحد أي المنفرد بالألوهية ولذا قال تعالى  قل هو الله أحد وقيل لا أجزاء له بخلاف قول النصارى. وواحد أي لا ثاني له ولا متعدد فهو لا شريك له ولا ضد له ولا ند له ولا شبيه له.

السابعة:

وردت ألفاظ هذه المادة في القرآن الكريم في خمسة وثمانين موضعًا، وفيها بجانب (أحد) كلمة (إحدى).

[15] فوائد مادة [أ.خ.ذ]:

الأولى:

ذكر ابنُ فارس أن المعنى المحوري لتركيب (أ.خ. ذ) هو حوز الشي وجَبْيُه وجمعه.([11]) وإلى هذا المعنى ذهب الراغب كذلك.

الثانية:

            قوله: (وذلك تارة بالتناول.. وتارة بالقهر) التناول معناه المعالجة الحسية وهي باليد غالبًا، والقهر معنوي بغير اليد.  

الثالثة:

            قوله: (ويعبر عن الأسير بالأخيذ والمأخوذ) والمرأة تسمى أخيذة مثلما تسمى أسيرة.

            وقوله: (فتخصيص لفظ المؤاخذة…) فيه فائدتان: الأولى أن فعل هذا المصدر هو آخذ يؤاخذ مؤاخذة، ومعنى المؤاخذة في الآية أنهم سيكونون هم المشاركين فيها بعدم شكرهم للنعم. ومع ذلك لا يؤاخذهم سبحانه لأنه لو فعل ذلك ما ترك على ظهرها من دابة. فالمؤاخذة لو كانت موجودة لكانت منه سبحانه عقاب، وكانت منهم كفر بالنعم استوجب العقاب.

الرابعة:

            الأخذة من الجن، قيل هي رقية تأخذ العين وغيرها فلا يرى غير زوجه من النساء، ويسمى الرجل في هذه الحالة مُؤخَّذ. ([12])  

الخامسة:

           قوله: (أرض يأخذها الرجل لنفسه) وقيل السلطان([13]) ، وقوله: (وذهبوا ومن أخذ أخذهم وإخذهم) أي هكذا يقال: ذهب بنو فلان ومن أخذ أخذهم أو إخذهم أي من سار بسيرتهم وسلك مسلكهم.

السادسة:

            الحوز والتحصيل واضح فيما مضى، وأُخْذة الجن، كأن الجن حازته وسيطرت على عقله، وكذلك في فلان يأخذ مأخذ فلان، كأنه انضم إلى حوزته، والرمد حصل وحاز على العين، والأرض ضمت إلى حوزة الرجل. وهكذا يتحقق المعنى العام في هذه المداخل كلها.

السابعة:

وردت ألفاظ هذه المادة في القرآن الكريم في مائتين وثلاثة وسبعين موضعًا.

[16] فوائد مادة [أ.خ]:

الأولى:

ذكر ابنُ فارس في تركيب (أ.خ. و) أن الهمزة عنده مبدلة من الواو، ثم لم يذكر (و. خ. و).([14]) ولم ينص على ذلك الراغب صراحة لكن يفهم من كلامه أن المعنى العام هو المشاركة والملازمة.

الثانية:

قوله: (الأصل: أَخَوٌ) بدليل عودة الواو في التثنية تقول أخوان ،والجمع في قولنا: إخوة. والنسب فتقول فيه: أَخَويّ. وقوله: (من الطرفين) أي: الأب والأم. وقوله: (أو من الرضاع) عند إطلاق الأخ فهو الشقيق، ويكون من الرضاع بتحديدٍ، قال تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ ﴾ [النساء: 23] فأطلق أخواتكم لمن كن من النسب، وحدد للرضاعة بقوله: وأخواتكم من الرضاعة.

الثالثة:

لعلك تلاحظ معي أن بعض ألفاظ النسب يتوسع معناها، فالأب يكون للوالد وما علاه حتى آدم عليه السلام، والأم تكون للوالدة وما علاها حتى حواء، والإخ يكون للشقيق ولأم ولأب ومن الرضاعة والملازم والمشابه، والابن كذلك بنوة حقيقية أو مجازية.. وما ذلك إلا لأن هذه العلاقات نسبيه فهو وإن كان ابن عمك لكنه أخيك في الإنسانية وأصلكما من آدم تقدمت وتأخرت أو تأخرت وتقدم وهكذا. فالبشر كلهم شجرة واحدة مختلفون لكنهم في الأصل والأرومة متفقون.

الرابعة:

في قوله: (والأخت تأنيث الأخ، وجعل التاء فيه كالعوض من المحذوف منه) جعلت التاء في كلمة (أخت) ولم تجعل في كلمة (الأخ) لأنه الأصل، والأصل يتحمل ما لا يتحمله الفرع.

إذن هذه التاء ليست للتأنيث وإنما هي كالعوض كما يرى الراغب. وإلى مثل ذلك ذهب ابن جني في لفظ أخت وبنت، وأن الصيغة فيهما علم التأنيث. ([15]) لكنه جعل التاء بدلا من الواو وليست عوضًا عنها والفروق بينهما عديدة منها: ما يخص موقعية الحرفين، ومنها ما يخص علاقة الطرفين. فما يخص الموقعية: أن البدل يكون في موضع المبدل منه وليس هكذا العوض. والعلاقة أن البدل يكون أشبه بالمبدل منه من العوض بالمعوَّض منه. ([16]) وذهب بعضهم إلى أن التاء علامة التأنيث فيهما.

الخامسة:

قوله: (يعني: أخته في الصلاح لا في النسبة) يقال إن: هارون كان رجلًا صالحًا في زمانها فقالوا ذلك استهزاءً، وقيل: بل كان لها أخا اسمه هارون، وقيل: بل يقصدون هارون النبي، ويذكر بعض من لهم علم بالسريانية أن كلمة هارون فيها بمعنى الشيخ، فيكون كقولنا: يا أخت الشيخ أو بنت الشيخ دلالة على العفاف والصلاح.

وقوله: (سماه أخًا تنبيهًا على إشفاقه عليهم شفقة الأخ على أخيه) في تسمية سيدنا هود بأخيهم وكذلك الأنبياء في الآيات التالية لشفقته عليهم شفقة الأخ على أخيه بُعد مهم لا يتوافر في كونه وهم أبناء رجل واحد نسبا.

السادسة:

قوله: (فقيل: أَخِيَّة الدابةِ) هل كلمة (أخية) بالقصر أم المد؟

نص صاحب الصحاح أنها بالمد والتشديد واحدة الأوَاخِيّ، وهي أن يدفن طرفًا قطعةٍ من الحبل في الأرض وفيه عصية أو حجير فيظهر منه مثل عروة تشد إليه الدالة.([17])   

وفيها كذلك: الآخيَة، أي بالمد وتخفيف الياء.

وقصر الهمزة، هكذا (أَخِيَّة) القصر وارد فيها كذلك([18])   

السابعة:

وردت ألفاظ هذه المادة في القرآن الكريم في ستة وتسعين موضعًا.

======================

[1]))  ينظر: مقاييس اللغة [أ.ج. ر]

[2]))  ينظر: المصباح المنير [أ.ج. ر]

[3]))  ينظر: عمدة الحفاظ (1/66)

[4]))  ينظر: شذا العرف (٤٢، ٤٣)

[5]))  ينظر: مقاييس اللغة [أ.ج. ل]

[6]))  ينظر: مقاييس اللغة [و.ح. د]

[7]))  ينظر: عمدة الحفاظ (1/ 69)

[8]))  ينظر: التحرير والتنوير

[9]))  ينظر: عمدة الحفاظ (1/ 69)

[10]))  ينظر: التحرير والتنوير (29/ 147)

[11]))  ينظر: مقاييس اللغة [أ.خ. ذ]

[12]))  ينظر: مقاييس اللغة [أ.خ. ذ]

[13]))  ينظر: الصحاح [أ.خ. ذ]

[14]))  ينظر: مقاييس اللغة [أ.خ. و]

[15]))  ينظر: الخصائص (1/200)

[16]))  ينظر: الخصائص (٢/ ٢٩٦)

[17]))  ينظر: الصحاح [أ. خ. و]

[18])ينظر: لسان العرب [أ. خ. و]، وتاج العروس [أ خ و] ( ٣٧ / ٤٢).

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu