الدعاء بقلة الرزق والفقر
أخذ الدعاء على الإنسان بالفقر وقلة الرزق أشكالا عديدة ، على رأسها : الدعاء بهلاك الإبل ؛ ولعل هذا يرجع إلى أن الإبل كانت خير أموال العرب ،فهي مهور الزوجات ، ودية القتلى ، والطعام والشراب ، والركوبة والحمولة … إلخ
ومما يدل على أن الإبل خير أموالهم أن أباً زوَّج ابنته فأراد أن يطمئن على حالها فسألها : ” يا بنية ما مالكم ؟ قالت : الإبل . قال: وكيف تجدونها؟ قالت : خير مال .نأكل لحومها مزعاً ، ونشرب ألبانها جرعاً ،وتحملنا وضعفتنا معاً”[1]
وكان للإبل عند العرب والأعراب شأن عظيم مما دعاهم إلى أن يمدحوا بها ، ويذموا بها فقالوا : ” رجل آبل : حاذق برعية الإبل ، وقد أبل الرجل فهو مؤبل إذا كثرت إبله ، ويقال : فلان من آبل الناس أي أشدهم تأنقا في رعية الإبل ، وتقول : قد قرم فلان إلى اللحم إذا اشتدت شهوته له وقد عام إلى اللبن يعام عيمة وهو رجل عيمان وامرأة عيمى ، ويدعى على الرجل فيقال : ( ما له آم وعام ) فمعنى آم : هلكت امرأته ، وعام : هلكت ماشيته فيعام اللبن “[2] .
وقد روى لنا الأصمعي في كتاب الإبل أن الذي لا يملك أي نوع من أنواع الإبل يعد فقيرا فقال : ” يقال ما له هُبَع ولا رُبَع[3]، وما له راغية ولا ثاغية[4] ، ولا عافطة ولا نافطة، فالعافطة :الضائنة ، والنافطة : الماعزة، ولا سعنة ولا معنة . أي : ما له قليل ولا كثير، وما له سَبَدٌ ولا لَبَدٌ”[5]
وقد جاء في أدعية العرب ما يدلل على أن الفقر كان عند العرب في الأصل بهلاك الإبل ، أو بهلاك المال وذهابه ، ويقصد به الإبل أيضا.
فمما كنوا فيه عن هلاك الإبل قولهم:
ـ لا يأكل إلاّ ضاهِساً ولا يشرب إلاّ قارساً ولا يحلُب إلاّ جالساً .
” يريدون لا يأكل ما يتكلف مضغه إنما يأكل النّزر اليسير من نبات الأرض يأكله بمقدم فيه. والقارس : البارد أي لا يشرب إلاّ الماء القَراح . ولا يحلب إلاّ جالسّاً : يُدعى عليه بحلْب الغنم وعدم الإِبل”[6]
ـ ( أبرد الله غَبوقة ) أي : لا كان له لبن حتى يشرب الماء”[7]
ـ ( ماله شيب غبوقه ) أي : قلت ماشيته حتى يقل لبنه فيخلطه بالماء”[8]
ـ ( ماله جُدَّت حلائبه ) أي : لا كانت له إبل”[9]
ـ (قرع فناؤه وصفر إناؤه ) أي : أخذت إبله فلا يكون له في فنائه شيء ، ولا في إنائه لبن”[10] .
ـ ( ما له جدت حلائبه ) أي لا كانت له إبل”[11]
ـ ( قرع مراحه ) أي : لا كانت له إبل . قال عروة بن الورد :
إذا آداك مالُك فامتهنه ** لجاديه وإن قرِع المُراح[12] “[13]
ـ (لا ترك الله له هاربا ولا قاربا) أي : لا صادرا عن الماء ولا واردا”[14]
ـ (لا أبقى الله له سارحا ولا جارحا) السارحة : الماشية (الإبل والبقر والغنم) ؛ لأنها تسرح في المرعى. والجارح :الفرس والحمار، ولا يكون البعير جارحا ، وإنما قيل للفرس والحمار جارح ؛لأن الفرس والحمار تجرح الأرض بوطئها أي تؤثر فيها بحوافرها والإبل لا أثر لها “[15]
ومما ورد عن العرب من أساليب تدل على الدعاء بالفقر ، دون التصريح به قولهم :
ـ” ( قَلَّ خيسُه ) أي : خيره” [16]
ـ “(ألحق الله به الحَوْبَةَ ) أي : الحاجة والمسكنة”[17]
ـ “(أباد الله غَضراءهم، وغَضرتهم) أي: نعمتهم وخِصبهم وسَعة عيشهم “[18].
ـ “والنكد: قلة العطاء، وفي الدعاء: نكداً له وجحدا، ونُكداً وجُحداً.”[19]
ـ “(ورَمَاه اللهُ بدَاءِ الذِّئْبِ ) أي : الجُوْعِ.”[20]
ـ “(رماه الله بالدُوْقَعَةِ ) هي: الفقرُ والذُلُّ.”[21]
ـ “( ثل عرشه )أي :ذهب عزه . (ثلل ثلله وأثل الله ثلله )أي أذهب الله عزه”[22]
ـ “(ماله حُرِب وحَرِب وجَرِب وذَرِب )حُرِب : ذهب ماله .وحَرِب هو في نفسه. وجَرِبت إبلُه .وذَرِب : وَرِم جسدُه . والذِربة : وَرْمة تخرج في عنق البعير”[23]
ـ “(سحفه الله ).أي : ذهب به وأفقره”[24]
ـ “(أبلطه الله وإن فلانا لمبلط ) أي : لا شيء له ألزقه الله بالصلة أي بالأرض”[25]
ـ ” تقول العرب في الدعاء على الإنسان ( ما له رَجِل ) أي : عدم الركوب فبقي راجلا”[26]
===========================
[1] ـ بلاغات النساء لأبي الفضل أحمد بن أبي طاهر ابن طيفور (ت 280هـ) تح: أحمد الألفي ص 112 { مطبعة مدرسة والدة عباس الأول، القاهرة 1326 هـ – 1908 م }
[2] ـ إصلاح المنطق لابن السكيت. تح : أحمد محمد شاكر ، وعبدالسلام هارون ص 326 { دار المعارف ، القاهرة . ط . الرابعة ، 1949م.
[3] ـ والهُبَع: الفصيل الذي ينتج في الصيف . ينظر : المحكم ( هـ ب ع ).ونوق مرابيع: ينتجن في الربيع. وماهبع ولا ربع: فصيل صيفيّ ولا ربعي ، ينظر أساس البلاغة ( ر ب ع ) ،
[4] ـ ما لفلان ثاغية ولا راغية أي شاة ولا ناقة. أساس البلاغة ( ث غ ي )
[5] ـ كتاب الإبل لأبي سعيد عبد الملك بن قريب الأصمعي (ت 216هـ) تح / د. حاتم صالح الضامن ص 57{ دار البشائر، دمشق – سورية ط: الأولى، 1424 هـ – 2003 م }
[6] ـ المخصص ج 4 ص 33
[7] ـ المزهر ج 2 ص 263
[8] ـ ذيل الأمالي ص 67
[9] ـ المزهر ج 2 ص 263
[10] ـ ذيل الأمالي ص 62
[11] ـ ذيل الأمالي ص 62
[12] ـ ذيل الأمالي ص 66
[13] ـ البيت من : الوافر . وهو منسوب لعروة بن أذينة الشاعر الفقيه المحدث الذي روى عنه مالك بن أنس ، ينظر الديوان ص 27 { دار صادر . بيروت .ط. الأولى . 1996م } وورد أيضا في ديوان :عروة بن الورد أمير الصعاليك تح / أسماء أبو بكر محمد. ص 53 برواية : إذا آذاك مالك … إلى آخر البيت {دار الكتب العربية . بيروت . لبنان. 1418هـ ـ 1998م }
[14] ـ ذيل الأمالي ص 64
[15]ـ ذيل الأمالي ص 66
[16] ـ المزهر ج 2 ص 263
[17] ـ المحكم ( ح و ب )
[18] ـ المحكم ( غ ض ر )
[19]ـ المحكم ( ن ك د )
[20] ـ المحيط ( ذ أ ب )
[21] ـ الصحاح ( د ق ع )
[22] ـ ذيل الأمالي ص 65
[23] ـ ذيل الأمالي ص 62
[24] ـ ذيل الأمالي ص 65 ، 66
[25] ـ ذيل الأمالي ص 67
[26] ـ المحكم ( ر ج ل )