ثالثاً : التبادل الصوتي :
تعتمد نظرية الفونيم اعتماداً أساسياً في التفريق بين المعاني على فكرة التبادل الصوتي الذي بدوره يؤسس للمعنى المعجمي، والتبادل بين الأصوات ليس قاصراً على الأصوات الصامتة بل يشمل الصائتة أيضاً، فعندما يتم استبدال فونيم بفونيم آخر فإن هذا يؤدي إلى اختلاف المعنى ومن ثم تكون العلاقة بينهما رأسية “وتظهر هذه العلاقات في ظاهرة التقابل فالتقابل الفونيمي أن يحل فونيم محل آخر محدثاً تغييراً في معنى الكلمة مثال: “…. نال – قال – صال – زال – مال”(58)، ففاء الكلمة في كل كلمة من الكلمات السابقة تعد فونيماً مستقلاً لإحداثها تغييراً في المعنى لكل كلمة من الكلمات المذكورة وهذا يعد من قبيل الوحدات الصوتية الصامتة المفرقة بين المعاني المعجمية للكلمات في اللغة العربية.
ويلاحظ في الكلمات اتفاق العين واللام واختلاف الفاء فقط “ومثال ذلك أيضاً (جمال – كمال) حيث وقعت كل من الجيم والكاف في نفس السياق الصوتي بحيث شغلت كل منهما الموقع الأول من الكلمات وأتتْ بعدها كل من الميم والألف واللام، وقد أدى هذا التبادل بين كل منهما -أي من الكاف والجيم- إلى تغيير في معنى الكلمتين، وبناء على ذلك فإن كلاً منهما يعد وحدة صوتية من وحدات اللغة العربية، وينطبق نفس المعيار على كلا الصوتين الهاء والكاف في كُلٍّ من (شاكر وشاهر) حيث شغلت الكاف والهاء الموقع الأوسط من الكلمة وسبق كل منهما بالشين والألف، وجاءت الراء بعدهما وقد أدى إحلال أحدهما محل الآخر إلى تغيير معنى الكلمة مع توفر شرط الوقوع في سياق واحد”(59).
وكما تؤدي الأصوات الصامتة دوراً في تغيير المعنى المعجمي كذلك تؤدي الأصوات الصائتة دوراً في اختلاف المعنى المعجمي.
فـ “كثيراً ما نجد مادتين متفقتين في جميع الصوامت والحركات عدا حركة واحدة يترتب عليها اختلاف المعنى المعجمي …. مما يدل على أن للحركة دوراً لا يقل عن دور الصوامت في حمل جر جرثومة المعنى المعجمي – مثال ذلك كلمة الوَقْر بفتح الواو بمعنى الثقل في الأذن، ومنه قوله تعالى : )وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ( [فصِّلت:5]، والوقر بكسر الواو بمعنى: الثقل يحمل على رأس أو على ظهر، ومنه قوله تبارك وتعالى : )فَالحَامِلاَتِ وِقْرًا( [الذاريات:2].
وكذلك : الغَمْر بفتح الغين : الماء الكثير ….. والغِمْر بكسر الغين : الحِقْدُ”(60).
فاختلاف المعاني المعجمية في المثالين السابقين راجع إلى الاختلاف بين صوتي الكسر والفتح وهما من الأصوات الصائتة، فالصوامت متفقة في المثال الأول وهي : (و.ق.ر) وفي المثال الثاني (غ.م.ر) ولم يختلف يهما سوى الصائت الذي يحمله الحرف الأول من كل منهما.
وقد يؤدي التحريك وعدمه إلى اختلاف المعنى المعجمي أيضاً بين الكلمتين المتفقتين في أصل الأصوات الصامتة مثل : “يقال هذا نَدْبٌ (بفتح النون وسكون الدال) في الحاجة إذا كان خفيف فيها، والندَب : بالتحريك أثر الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد والجمع أنداب وندوب، والنَّدَب : الخطر”(61)، فتحريك عين الكلمة بالفتح أكسبها معنى مختلفاً إذا ما تم إسكانها.
وسنين ذلك جلياً من خلال بعض النماذج الشعرية التي ستخضع للدراسة التطبيقية في هذا الجانب.
وعليه فالتبادل الصوتي يقع بين الأصوات الصامتة والأصوات الصائتة ويؤدي هذا إلى اختلاف المعنى المعجمي.