Site icon كُنُوز الْعَرَبِيَّة

الصناعة المصطلحية وأثرها في الدرس اللغوي [2].. بقلم: أ.د/عصام فاروق

ثانيا- علم المصطلح في البيئة العربية:

لنا مع المصطلحية أو علم المصطلح واقعان، واقع قديم وآخر حديث.

فأما القديم فنجد فيه جهودا كبيرة تنبه على أهمية دراسات المصطلحات ومعالجتها، وكذلك تعمل على جمع الكثير من المصطلحات المنتمية إلى مجال واحد أو مجالات متعددة، وتصنيفها، وتعريفها، وبيان كيفية صياغتها أحيانا.  وضعا، جمعا وتصنيفا.

فأما من ناحية الوضع فالعلوم العربية والشرعية وُضعتْ مصطلحاتها وضعًا؛ لتدل على المفاهيم التي استنتجها هؤلاء العلماء من مقررات تلك العلوم والنصوص المنتمية إليها، فظهرت عندنا مصطلحات فقهية لم يكن للعرب عهد بها إلا على المستوى اللغوي فقط، ومن هنا بات للمصطلح الفقهي تعريفان: أحدهما لغوي والآخر شرعي اصطلاحي، يصدر بهما غالبا الباب الفقهي المراد دراسته، ومن هنا وجدنا للصيام معنيين لغوي: وهو الإمساك، واصطلاحي عبارة عن الإمساك عن الطعام والشراب والشهوة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية التعبد لله تعالى. وكذا يقال في الصلاة، والزكاة، والحج وغيرها.

وكذا يقال في علوم التفسير والحديث وأصول الفقه والمنطق والنحو والصرف والأصوات والبلاغة والأدب وسائر العلوم، فإن لكل علم مصطلحاته.

بل إن رجلا واحدا هو الخليل بن أحمد ينهض بوضع الجهاز الاصطلاحي لعلم كامل هو علم العروض، فوضع لأوزان الشعر ألقابا لم تكن العرب تتعارف عليها إلا بمعناها اللغوي، فذكر المديد، والبسيط والطويل.. إلخ.

وأما من ناحية الجمع والتصنيف، رأينا ما خلفه لنا علماؤنا القدامى من تراث مصطلحي ثري، يعنون فيه بجمع مصطلحات مجال بعينه، مصحوبة بشرحها أو تعريفها وبيان حدودها:

     ووجدنا من هذه المعاجم ما يعنى بالمصطلحات عامة، فيضم بين دفتيه كثيرا من مصطلحات مجالات متعددة، كـ(مفاتيح العلوم) للخُوارزمي (387هـ).

وقد بناه صاحبه على مقالتين:

الأولى لعلوم الشريعة وما يقترن بها من العلوم العربية، فجعل بابا لكل من الفقه والكلام والنحو ..إلخ 

والمقالة الثانية جعلها لعلوم العجم من اليونانيين وغيرهم، فجعل بابا لكل من الفلسفة، والمنطق والطب.. إلخ

     وكذلك وجدنا (التعريفات) للجرجاني (816 هـ)، فقد جمع تعريفات مصطلحات متعددة ومتنوعة المجالات، فقد أورد في مقدمة كتابه: ((.. فهذه تعريفات جمعتها، واصطلاحات أخذتها من كتب القوم، ورتبتها على حروف الهجاء، من الألف والباء إلى الياء؛ تسهيلا تناولها للطالبين، وتيسيرا تعاطيها للراغبين..)) ([1])

     وعلى منواله وضع أبو البقاء الكفوي (1094هـ) (الكليات)، وهو معجم في المصطلحات والألفاظ المنتمية إلى مجالات متعددة، مصحوبة بشرح مطول في بعضه ومختصر في بعضه الآخر، مرتبة فيه على حروف المعجم، لا بحسب المجالات والعلوم.  

     ويسير على الطريق والطريقة نفسها (كشافات اصطلاحات الفنون) للتهانوي (1191هـ)، وفي مقدمته جوانب نظرية في المصطلحات على قدر من الأهمية، فمنها ذكره ((أن أكثر ما يحتاج به في تحصيل العلوم المدونة والفنون المُروَّجة إلى الأساتذة هو اشتباه الاصطلاح[المصطلحات]؛ فإن لكل علم اصطلاحا خاصا به إذا لم يُعْلَم بذلك لا يتيسّرُ للشارع فيه الاهتداءُ إليه سبيلا، وإلى انغمامه دليلا. فطريق علمه إما الرجوع إليهم [الأساتذة] أو إلى الكتب التي جُمِعَ فيها اللغاتُ المصطَلحة… )) ([2])

ويذكر أنه لما لم يجد ((كتابا حاويا لاصطلاحات جميع العلوم المتداولة بين الناس وغيرها)) ([3]) فقد وضع كتابه هذا ليكون زادا لطلاب العلم في رحلة تحصيل العلوم العربية.

     والغرض من وضع تلك المعاجم والكتب كما يذكر مؤلفوها هو التيسير على طلاب العلم في فهم المصطلحات التي هي مفاتيح العلوم، وزادهم في تحصيلها، للدرجة التي قد يستغنون بمعرفتها عن الرجوع إلى الأساتذة وسؤالهم عنها، بحسب ما ذكر التهانوي.

وأما في العصر الحديث، فتنبه العرب إلى أهمية هذا العلم وظهرت جهود مؤسسية بالإضافة إلى الجهود الفردية لتطبيق مبادئه يتمثل أهمها فيما يلي:

مكتب تنسيق التعريب بالرباط، التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، من ثماره اليانعة مجلة (اللسان العربي) وهي مرجعية مهمة لعلم المصطلح العربي. كما له سلسلة من المعجمات الموحدة في العلوم المتعددة، في حاجة إلى دراسة ومعالجة.

ومن مهامه([4]).:

كذلك تقوم المجامع اللغوية بدور كبير في العناية بقضايا المصطلح: تعريبا، وصياغة، وتوحيدا، وتأصيلا، وتصنيقا، وإعدادا لبنوك مصطلحات.. إلخ.

ويكفي مجمع اللغة العربية بالقاهرة هنا مثالا على ذلك، بما أصدره من مجموعة كبيرة من المعاجم المتخصصة في المجالات العلمية والأدبية، وفيها كم هائل من المصطلحات المعتمد على صياغتها وتعريفها على أسس علمية، ومعايير قياسية رصينة في معظمها.  

وبالمناسبة فإن كثيرا من هذه المعجمات في حاجة إلى دراسة ومعالجة، بعيدا عن معجم القانون والحاسبات والفنون الجميلة وعلم النفس والجيولوجيا، فقد تمت دراستها.

وكذلك عقدتْ ثلاث ندوات عربية تعد مرجعيات مهمة في المصطلحية العربية، هي:

وتعتبر هاتان الندوتان من أهم الندوات التي تدور في فلكها كل محاولات التوحيد على المستوى العربي.

===========================

([1]) التعريفات (7) 

([2]) كشاف اصطلاحات الفنون (1) 

([3]) السابق الصفحة نفسها.

(4)  موقع مكتب تنسيق التعريب على الرابط التالي: http://www.arabization.org.ma/Objectifs.aspx