Site icon كُنُوز الْعَرَبِيَّة

المصوتات ومناسبتها للدلالة الإفرادية في شرح المثلثات اللغوية (8) [الحلم].. بقلم أ.د/ منى عبد الظاهر الشامي

الحلــم

*يقول الفيروزآبادي في الأزهرية: الحَلم ــ بالفتح ــ: تحَلم الأديم: فسادته وتنقبه ونقله([1]).

والحَلَمَة: القراد الكبير، قيل: سميت بذلك؛ لتصوّرها بصورة ذي حلم؛ لكثرة هدوئها([2]).

وبتأمل الدلالة تجد فيها تشعبًا وانتشارًا فالفساد ــ غالبًا ــ يبدأ على نطاق ضيق, ثم يتسع وينتشر, ولا سيما ذلك الفساد الناتج عن وجود تلك القرادة, فهي لا تأتي إلا بأعداد كبيرة فتنتشر ويعم ضررها ويتفشى أذاها وفسادها, فانتشار الهواء أثناء تكوين الفتح يتسق وتفشي هذا الضرر اللاحق بالأديم بسبب القراد, ومن هنا حدثت المناسبة بين المصوت والمعنى.

*يقول الفيروزآبادي في الأزهرية: الحِلم ـ بالكسر ـ: العقل والاحتمال([3])، وزيد فـي  نسخة المدينة: «والصفح عن الذنوب»([4]), وقيل: «الحِلم بكسر الحاء وسكون اللام: تحمل الأذى, والحلم: ضد الطيش»([5]).

في معنى العقل ـ كما سبق ـ حبس ومنع, ومجيء (الحِلم ـ بالكسر ـ ) ليدل على (العقل) ما يضاهي حال أعضاء النطق عند خروج الكسرة حيث تمنع الهواء من الاستطالة وتحصره وتحبسه, ولا يخفى علينا أن تحمل الأذى من الأمور الشاقة الثقيلة على النفوس وذلك يتناسب مع ثقل مصوت الكسر.  وأيضًا التحلي بالعقل له نتائج طيبة على النفس حيث ينتج عنه السرور النفسي والانفراج والسعة في جميع أمورها, وذلك يناسب مصوت الكسر المنفرج.

   *يقول الفيروزآبادي في الأزهرية: والحُلم ــ بالضم ــ: ما يراه النائم في نومه([6])، سواء كان صادقًا أو كاذبًا([7]).

    الحُلم لا يكون إلا في النوم فكأن الحُلم اختص بحال النوم دون بقية الحالات الإنسانية, وذلك الاختصاص وعدم امتداده لباقي شئون الإنسان يتناسب مع مصوت الضم القصير غير الممتد لما فيه من تضام, فهو مصوت غير منتشر, ثم إن الحالم ليس مخيرًا باختيار الأحداث والمواقف التي يراها في نومه بل هو مسيَّر ومسلوب الإرادة ومقيد بما يرى, فتراه ينساق للشيء وهو له كاره, فتقييد حريته وتضييقها يشبه إلى حد كبير ما يحدث للهواء أثناء تكوين الضم حيث يضيق مجراه ويزيده تضييقًا استدارة الشفتين, ثم الانفراج بعدهما مباشرة كما ينفرج حال النائم ويذهب عنه كربه فور الاستيقاظ, خاصة وأن الحلم لا يكون إلا من الشيطان, حيث قَالَ النَّبِيُّ ــ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ، وَالحُلُمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلُمًا يَخَافُهُ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا، فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ»([8]) .

===============

([1]) ينظر: أربع رسائل في شرح مثلث قطرب, ص22, 59, 130. والمثلثات للمقلاتي, ص64.

([2]) المفردات في غريب القرآن ص254.

([3]) ينظر: أربع رسائل في شرح مثلث قطرب, ص22, 59, 130.

([4]) كتاب الغرر المثلثة والدرر المبثثة, ص410.

([5]) المثلثات للمقلاتي, ص21.

([6]) ينظر: أربع رسائل في شرح مثلث قطرب, ص22, 59, 130.

([7]) ينظر: المثلثات للمقلاتي, ص21.

([8]) صحيح البخاري, باب صفة إبليس وجنوده , حديث رقم ( 3292) (4/125).