تابع/ أولا- التبادل الصوتي بين الصوامت:
جـ-لام الكلمة :
تنفق المادة اللغوية في الفاء والعين وتختلف في اللام من ذلك قول عنترة :
إنى امرؤٌ سمحُ الخليقة ما جدُ \ لا أتبع النفس اللجوج هواها(70).
عبر عنترة عن سماحته ولين جانبه بأنه (سمح الخليقة) مستعملاً (س.م.ح) فهذه الأصوات الثلاثة مجتمعة تكون معنى لطيفا رقيقا يتصف به الشاعر، ولكن إذا ما استبدلنا الحاء المهموسة الرخوة بالجيم المجهورة الشديدة، وأبقينا على السين والميم كما هما لتولد لدينا معنى مغايراً للمعنى السابق تمثله المادة اللغوية (س.م.ج) فصار (سمج الخليقة) أي : قبيح الطباع، فظ غير مألوف، وليس هذا ما أراده الشاعر إذْ لم يرد ذم نفسه بل أراد المدح والتمجيد وهذا لا يتأتي إلا باستعمال الوحدة الصوتية (الحاء) الواقعة لاما للكلمة مع السين والميم قبلها. فانظر معي إلى الأثر الذي صنعته الحاء في تكوين المعنى لدى الشاعر.
د-الفاء واللام :
ترد الفاء والعين مختلفتين مع اتفاق اللام من أمثلة ذلك قول الشاعر:
كأن سحيله في كل فجر \ على أحساء يمؤودٍ دعاء(71).
الكلمة محل التعليق والدراسة (سحيله)، “والمِسْحل : الحمار الوحشي وسحيله : أشد نهيقه، والسحيل والسُّحال بالضم : الصوت الذي يدور في صدر الحمار …” (72).
فالشاعر استعمل (سحيله) وصفاً لصوت الحمار الوحشي ولم يستعمل (صهيله) لأن “الصهيل : حدة الصوت مع بحح كالصحْل، يقال في صوته صهل وصحْل وهو بحة في الصوت، والصهيل للخيل، قال الجوهري الصهيل والصُّهال : صوت الفرس، مثل : النهيق والنهاق”(73).
فإذا استبدلنا السين والحاء من (سحيله) بالصاد والهاء لصارت (صهيله) وكان الوصف منصباً على صوت الفرص لا صوت الحمار الوحشي، وليس هذا مقصود الشاعر، فالشاعر اختار بعناية الأصوات التي تعبر عن المعنى المقصود، ومعلوم أن السين والصاد من مخرج واحد لكن تتميز الصاد عن السين بأنها مستعلية مطبقة، كما أن الحاء والهاء متقاربتان مخرجاً متفقتان صفة إلا أن الحاء تتميز ببحة ليست في الهاء لذا ناسب صوت الحمار الوحشي (سحيله) كما في البيت، وناسب صوت الفرس (صهيلهُ).
من خلال الأمثلة السابقة التي تم عرضها ظهر جلياً قيمة الصوت الصامت في صنع المعنى المراد لدى الشاعر فالشاعر يوظف الأصوات بعناية فائقة تعبيراً عن مكنونه وصولاً إلى اتساق المعنى مع السياق النصي للبيت الشعري.