حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

فوائد على كتاب (مفردات ألفاظ القرآن) للراغب الأصفهاني [الحلقة الأولى] أ.د/ عصام فاروق

المجلس الأول:

[1] فوائد مادة [أ.ب.ا]

الأولى:

أصل هذه الألف واو، والأولى أن تكتب المادة هكذا: [أ. ب. و] ومعناها المحوري هو التربية والغذو، كما ذكر ابن فارس.([1]) ويلاحظ أن التربية مشتملة شقيها المعنوي والحسي في كل ما يؤدي إلى الزيادة والنمو والصلاح، ففي الأب تحقُّق المعنيين، فبه صلاح الروح بالوعظ والتعليم والرعاية وصلاح الجسد بالإطعام والإنفاق، وحينما يفقد الأب أحد هاتين الوظيفتين بأن يحرص على توفير الغذاء فحسب دون أن يُعلِّم ويرعى لا يستحق هذا اللفظ بكماله.  

والمادة بهذه الصورة الواوية في غير موضعها، من حيث اشتهار وضعها عند كثير من المعجميين في آخر المعجم أو الكتاب؛ لعدم أصالة الألف، فهي إما مبدلة من واو أو ياء. ولعل السبب في هذا الوضع عدم عناية الأصفهاني بالحرف الثالث لا من حيث الترتيب ولا التأصيل.

الثانية:

لا يتناقض قوله تعالى:﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ﴾ [الأحزاب 40] مع كون النبيُّ – صلى الله عليه وسلم- أبًا للمؤمنين، من حيث إنَّ الآية تنفي وجود وَلَدٍ من الرجال، وقت نزول هذه الآية، وتـأكيدٌ لقوله:﴿ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ﴾[الأحزاب 4].

والاستدارك بقوله:  ﴿وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ﴾ تذكيرٌ بأن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- هو الأب لجميع أمته في شفقته ورحمته بهم شأن كل نبي مع أمته.([2]) وقد ذكر الأصفهاني هذا المعنى في نهاية هذه المادة.

الثالثة:

كذلك في تسمية العم بالأب، يمكن الاستشهاد كذلك بقوله تعالى:﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ ﴾ [الأنعام 74] فيمن ذهب إلى أن آزر عم إبراهيم لا أباه. ([3]) ولعل ذلك الاحتمال اللغوي أحد أسباب اختلاف المفسرين في هذا الموضع وغيره من المواضع التي تحتمل اللغة واستعمالات العرب تفسيرَها وتأويلَها.

الرابعة:

أصل كلمة أب: (أَبَوٌ) على فَعَلٌ، فهي من الكلمات الثنائية التي كان أصلها ثلاثيًا، ولذا فإن هذه الواو المحذوفة ترد في الجمع في قولنا: أبٌ وأُبُوَّة، مثل: عمومة وخؤولة. ومثلها في هذا الحذف والرد قولنا: أَخٌ وهم إِخْوةٌ، قال تعالى: ﴿ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ﴾ [النساء 11]

الخامسة:

معنى (وقد أُجري مُجرى قفًا وعصًا) أي يكون ملازمًا للألف رفعًا ونصبًا وجرًا في مثل هذا البيت، مخالفًا اللغةَ الشهيرة في إعراب الأسماء الستة- وأب أحدُها- ولو جاء البيت عليها لكان: * إنَّ أباها وأبَا أبيها* بجر أبيها بالياء بعد نصب الاسم بالألف- في أحد أوجه الإعراب- بعد (إنّ).

السادسة:

كلمة (بابا) من أوائل الكلمات التي ينطقها الأطفال لكونها من أسهل الكلمات نطقا لاعتمادها على ملاحظة حركة الشفتين، ولذا تكون أول ما ينطق به الطفل الصغير عند تعلم النطق. ويبدو أنها من الكلمات العالمية التي يتشابه نطقها في العديد من اللغات مثل كلمة: آمين.

يقول الجاحظ في (البيان والتبين): (( والميم والباء أول ما يتهيأ في أفواه الأطفال، كقولهم: ماما، وبابا لأنهما خارجان من عمل اللسان، وإنما يظهران بالتقاء الشفتين. ))([4])   

السابعة:

وردت كلمة الأب في القرآن الكريم على أوجه أربعة: ([5])

الأول: بمعنى الجد، في قوله تعالى:﴿ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الحج 78]

الثاني: بمعنى العم، في قوله تعالى: ﴿ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة 133]

الثالث: بمعنى الوالد، في قوله تعالى:﴿ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ﴾ [الصافات 102]

[2] فوائد مادة [أ.ب.ى]

الأولى:

اتفق الراغب هنا في المعنى المحوري لهذه المادة – الذي هو الامتناع- مع ما ذكره ابن فارس([6])

الثانية:

في قوله: (فكل إباء امتناع، وليس كل امتناع إباءً) تفريق دلالي بين الإباء والامتناع، فالإباء درجة شديدة من الامتناع، لذا فالإباء أخص والامتناع أعم منه، ومنه يتضح أن معيار التفريق الدلالي بين الكلمتين هو الاختلاف في درجة الصفة وتحققها.

الثالثة:

قد ينطوي الامتناع على نوع من إمكانية قبول الأمر الممتنع عنه، بعد محاولات الضغط والإقناع، فالإنسان حينما يمتنع عن الطعام، قد تنفع المحادثة والإقناع في العدول عن ذلك فيقبل ما كان ممتنعًا عنه، لكنَّ الإباء فيه رفضٌ تامٌّ لكل ما من شأنه أن يثنيه عن رأيه، ولذا وُصف به الشيطانُ في قوله تعالى: ﴿ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ ﴾ [البقرة 34]

الرابعة:

وردت ألفاظ هذه المادة في القرآن الكريم في ثلاثة عشر موضعا.

[3] فوائد مادة [أ.ب.ب]

الأولى:

جعل ابن فارس المعنى المحوري لمادة (أ.ب) عبارةً عن أصلين: المرعى، والقصد والتهيؤ([7])، في حين جعله الراغب أصلًا واحدًا- كما يظهر من عبارته- وهو القصد والتهيؤ، وردّ الآية الدالة على المرعى إلى هذا المعنى بلطف.

الثانية:

وردت هذه الكلمة في القرآن الكريم في هذا الموضع فحسب.

[4] فوائد مادة [أ.ب.د]

الأولى:

اتفق الراغب هنا في المعنى المحوري لهذه المادة الذي هو طول المدة والتوحش، مع ما ذكره ابن فارس.([8])

الثانية:

هنا تفريق بين الأبد والزمان، من حيث تحقق صفة التجزئة في كل منهما أو عدم تحققها، ففي حين يقبلها الزمان لا يشملها لفظ الأبد.

الثالثة:

معنى قوله: (كتخصيص اسم الجنس في بعضه) أعتقد أنه يقصد مثل إطلاقنا لفظ (بقر) على عدد بعينه من هذا الحيوان، في حين أن اللفظ يدل على الجنس عموما دون تقييد بعدد.

الرابعة:

قد يشتق العربُ من اللفظ لفظًا مخالفًا له في الوزن، تابعًا له في اللفظ، فيقولون: أبدٌ أبيدٌ، ودهرٌ دهيرٌ، وليلةٌ ليلاءُ، ويومٌ أيومُ، والعربُ العرباء، وذلك كله على سبيل التأكيد والدلالة على المبالغة،

الخامسة:

معنى قوله: (على أنه ذَكَرَ بعضُ الناس أنَّ آبادًا مُوَلَّدٌ، وليس من كلام العرب العرباء) أن الكلمة في رأي هؤلاء لم ينطق بها العرب الخُلَّص في عصور الاحتجاج، ولذا وصفها بكونها مُولَّدة. ويبدو أن هذا الرأي مرجوح عنده لذا أخره ووصفه بأنه قول بعض الناس.

السادسة:

جاءت لفظة (أبدًا) في القرآن الكريم في ثمانية وعشرين موضعًا.

[5] فوائد مادة [أ.ب.ق]

الأولى:

يذهب الراغب هنا في المعنى المحوري لهذه المادة إلى قريب مما ذهب إليه ابن فارس فهو يرى أن المعنى العام لهذه المادة هو إباق العبد والتشدد في الأمر.([9])

الثانية:

الأصل في الأفعال المخالفة بين حركات عين الماضي والمضارع، ففَعَلَ (أَبَقَ) يكون مضارعه على يفعِل (يأبِق)، وفَعِل (أَبِقَ) يكون مضارعه على يفعَل، وفي كثير من الأحيان يكون الاختلاف منشؤه اللهجات وتعددها. والمصدر منه: أَبْقٌ وأَبَقٌ.

الثالثة:

لم يأت من هذه المادة في القرآن الكريم غير هذه الكلمة، فهي من الفرائد القرآنية.

[6] فوائد مادة [أ.ب.ل]

الأولى:

ذهب ابن فارس إلى أن المعنى المحوري لهذه المادة يتوزع على أصول ثلاثة: على الإبل، وعلى الاجتزاء، وعلى الثقل والغلبة. ([10]) ويبدو أن الأصفهاني ردها كلها إلى لفظ هذا الحيوان؛ فاجتزاء الوحش بالماء تشبيه له بالإبل، والحزمة من الحطب شبهت كذلك بالإبل المجتمعة.

الثانية:

تفسير  الإبل في قوله تعالى: ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ﴾ [الغاشية 17] بالسحاب تؤكده قراءة ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلّ﴾ بتشديد اللام، وقال أبو عمرو بن العلاء: (( من قرأها بالتخفيف أراد به البعير.. ومن قرأها بالتثقيل قال: الإبل السحاب التي تحمل الماء للمطر)) ([11])

وتشبيه السحاب بالإبل في أحواله بأحوالها قد يعني في عظم خِلقتهما البادية للناظر الداعية إلى الإيمان بالله، وبيان بديع صنائعه، ﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾[النمل 88]، وكذلك في كثرة فوائدهما، ففي كل منهما فوائد جمة على الإنسان.

الثالثة:

في قوله: (( وأبل الوحشي.. اجتزأ عن الماء تشبها بالإبل في صبرها عن الماء )) قد لا يكون الاحتزاء واضحا في هذه العبارة، لكنّ عبارة صاحب الصحاح أوضح وذلك في قوله: (( وأبلت الإبل والوحشُ.. أي: اجتزأت بالرُّطْبِ عن الماء)) ([12])

الرابعة:

وردت هذه الكلمة في القرآن الكريم مرتين، في قوله تعالى:﴿ وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ ﴾ [الأنعام من 144] وقوله تعالى: ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ﴾ [الغاشية 17]

==================================

[1]))  ينظر: مقاييس اللغة [أ. ب. و]

[2]))  ينظر: التحرير والتنوير (22/44)

[3]))  ينظر: تفسير مفاتيح الغيب (22/44)

[4]))  البيان والتبين (1/62)

[5]))  البيان والتبين (1/62)

[6]))  ينظر: بصائر ذوي التمييز (2/ 114)

7]))  ينظر: مقاييس اللغة [أ. ب. ى]

[8]))  ينظر: مقاييس اللغة [أ. ب. د]

[9]))  ينظر: مقاييس اللغة [أ. ب. ق]

[10]))  ينظر: مقاييس اللغة [أ. ب. ل]

[11]))  قرأها علي بن أبي طالب والجحدري وابن السميفع، ويونس بن حبيب وهارون كلاهما عن أبي عمرو، وابن عباس، وغيرهم. ينظر:  معجم القراءات (10/404)

[12]))  الصحاح [أ. ب. ل]

 

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu