حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

تَذكيرُ الألقَابِ العِلميَّـة للإناثِ بقلم أ.د/ محمد حسن عثمان

أستاذ اللغويات بكلية الدراسات الإسلامية والعربية جامعة الأزهر ورئيس القسم الأسبق.

بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

الحَمْدُ للهِ عَلَى الإنـْـعَامْ، والصَّلاةُ، والسَّلامُ عَلَى سيِّــــدِ الأنامْ، اللهُمَّ صَلِّ عَلَيهِ مَا تَعاقَبَ اللَّيلُ والنَّهارْ، وصَلِّ عَليهِ، وعَلَى آلهِ الأَطْهَارْ، وصَلِّ عَليهِ وعَلَى الـمُهاجرينَ والأنصَارْ، وصَلِّ عَليهِ، وعَلَى صَحْبِه الأخْيَارْ.

يا رَبِّ صَـلِّ عَلَى النَّبيِّ وآلــهِ   عَـدَدَ الـْخَلائــقِ حَـصْـرُهَا لا يُـحْسَبُ

اللهُمَّ صَلِّ علَيهِ، وعَلَى آلِه الهادينَ، وأَصْحَابِه الَّذينَ شَادُوا الدِّين، واجْعَلْنا لهَدْيِه وهَديهِمْ مُتَّبِعينْ، وانْفَعْنا بمحبَّتِه، ومَحبَّتِهِمْ أَجْمَعِينْ. إنَّكَ عَلَى كُلِّ شيءٍ قَديرْ، وبالإجابةِ جَدِيرْ.

وبَعْـــدُ: فَقَـدْ شَاعَ بينَ النَّحويينَ المُعَاصِرينَ تَذكيرُ الألقَابِ العِلميَّـة للإناثِ، فأَردْتُ بيانَ مَا الْتَبسَ عَلَيْهِم واشتَبهْ، فكتَبْتُ هذه الرِّسالةَ؛ تَبصرةً لِمَنْ تَبصَّـرْ، وَتَذْكِرَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يتذكَّـرْ.

قَالَتْ إحْدَى الأخَواتِ الفُضْليَاتِ:اجْتَمَعَتِ اللجنةُ المُكوَّنَـةُ مِنَ الأستاذِ الدُّكتورِ فَوزيَّـة([1]) رَئيسُ قِسْمِ اللُّغوياتِ، وعُضْوُ لجنةِ المُحكِّمينَ لترقيةِ الأسَاتذةِ، والأسَاتذةِ المُساعِدينَ مُشْرِفًا.

وأَقولُ:للأختِ الكريمةِ ألَمْ يَقُلِ الله سُبْحَانَه وتَعَالىفِي كتابِه الكَريمِ:﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾([2]) أَلا يُوجَـدُ فِـي النِّساءِ مَنْ تَسمَّتْ بـ(إسلام)، ومَنْ تَسمَّتْ بـ(إيمان)، ومَنْ تَسمَّتْ بـ (رِضَا) ؟ وهَذه أَسمَاءٌ([3]) مُشتركةٌ بينَ الرِّجالِ، والنِّساءِ([4])،فكيفَ تُفرِّقِينَ – يا دكتورة- بينَ الذَّكرِ، والأنثى([5]) لو قُلْتِ:اجتمعتِ اللجنةُ المُكوَّنَةُ مِنَ الأستاذِ الدُّكتورِ إسلام رَئيسُ قِسْمِ اللُّغوياتِ، وعُضْوُ لجنةِ المُحكِّمينَ لترقيةِ الأسَاتذةِ، والأسَاتذةِ المُساعِدينَ مُشْرِفًا؟

وكيفَ تَقُولينَ عَنْ نَفْسِكِ «عُضْوُ لجنةِ المُحكِّمينَ لترقيةِ الأسَاتذةِ،»؟

هَلِ الأستَاذُ يُرقَّى يا دكتورة؟!

وعَلامَ نَصبتِ كَلمةَ (مُشْرِفًا([6]))؟.

الصَّوابُ أَنْ تَقولي: إشرافُ الأستاذةِ الدُّكتورةِ: فوزيةَ رَئيسةِ قِسْمِ اللُّغَوياتِ، وعُضْوةِ لجنةِ المُحكِّمينَ لترقيةِ المُدرِّسينَ، والأسَاتذةِ المُساعِدينَ.

يَا عُلمَاءَ النَّحْـوِ يَا مِلْحَ البَلَدْ مَنْ يُصلِحُ المِلْحَ إذا المِلحُ فَسَدْ؟

وقد أيَّـدَ صاحبُ كتابِ (تَذكيرُ الألقَابِ العلميَّـةِ للإنَاثِ([7])) تذكيرَ الألفاظِ العِلميَّة للنِّساءِ، فقَالَ فـي كتابِه :

« يَجْري عَلَى أَلسِنةِ كثيرٍ مِنَ اللُّغَويينَ، والمُثقَّفينَ، والإعْلاميينَ قَولُهُمْ: الدُّكتورةُ فُلانةٌ رَئيسُ القِسْمِ، وقَولُهُمْ: فُلانَةٌ مَلِكُ البِلادِ، وهِي رَئيسُ الوُزراءِ، ونَحْوِه…وهَذا مَوضِعٌ دَقيقٌ فِـي العَربيَّـةِ، ذُو عِلَّـةٍ لَطيفةٍ، وهُو مِمَّا يُشْكِلُ لِمَنْ لا يَعْرِفُ عِلَّتَه، وقَاعِدتَه، فيضطَرِبُ بينَ المُطَابقةِ، والمُخَالفةِ، ويَتخبَّطُ فيه عَلَى غَيرِ هُدًى.

وأَقولُ:هَذه العِلَّةُ اللَّطيفةُ – التي لَمْ تَذْكُرْهَا بَعْدُ- هَلْ خَفِيَتْ عَلَى ابنِ مَالِكٍ، وابنِ الحَاجِبِ، وابنِ هِشَامٍ، والزَّمَخْشريِّ…وغَيرهِم مِنْ عُلماءِ العَربيَّـةِ!؟.

وقولُكَ: « ويَتخبَّطُ فيه عَلَى غَيرِ هُدًى» فيه تَزكيةٌ لِنَفْسِكَ، فَلسَانُ حَالِكَ يَقُولُ: عَرَفْتُ مَا لَمْ يَعْرِفْه الأوائلُ ، والله – سُبْحَانه- نَهَى عَنْ ذَلِكَ، فقالَ: ﴿ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾ [النجم: 32].

ثمَّ تابعتَ حديثَكَ، فقُلْتَ: «فمَا الصَّوابُ فِي ذَلِكَ؟ ومَا القَاعدةُ الَّتي تَحكمُه؟ وهَلْ جَرَى عَلَى أَلسِنةِ العَربِ شَيءٌ منه»؟

وأَقولُ:لقَدْ سَأَلْتَ نَفْسكَ ثلاثةَ أسئلةٍ، ولم تُجِبْ عَلَيْهَا- وهَذا يَدلُّ، دِلالةً قاطعةً عَلى ضَعْفِ التَّأليفِ عِنْدَكَ.

هلَّا قُلْتَ مَا قَالَه الفَرَّاءُ: « فَإنْ قَالَ قائلٌ : أَفرأَيتَ قَولَ العَربِ: أَميرنَا امرأةٌ…هَلْ تَرى هَذا مِنَ المَصروفِ؟ أَي: مِنَ المَعدولِ مِنْ مَفعولٍ إلى فَعيل.

قُلتُ:لا.

تأمَّـلْ كَلامَ الفَرَّاءِ، فقد افترضَ سؤالًا مِنْ سَائلٍ، فَقَالَ:« فَإنْ قَالَ قَائِلٌ… ثُمَّ أَجَابَ السَّائلَ بقولِه: لا؛ إنَّما ذُكِّرَ هَذا؛ لأنَّه إنَّمَا يكونُ فـي الرِّجالِ دُونَ النِّساءِ أَكثرُ مَا يكونُ، فلمَّا احتاجوا إليه فِي النِّساءِ أَجروه عَلَى الأكثر مِنْ مَوضعَيْهِ، تَقُولُ: مُؤذِّنُ بني فُلانٍ امرأةٌ .

أمَّا أَنْتَ فَقَدْ سَأَلْتَ نَفْسَكَ ثَلاثةَ أَسئلةٍ، ولَمْ تُجِبْ عَليْهَا، وإنَّمَا قُلْتَ:« لعَلَّ أَقدَمَ مَنْ تَناولَ هَذا المَوضوعَ … هُو الفَرَّاءُ…». وما قُلتَه لا يُعَدُّ جَوابًا لأسئلتِك، ومَا أَظنُّكَ مِنْ أَربَابِ هَذَا العِلْمِ؛ إذْ لو كُنْتَ مِنْ أَربابِه لذكَرْتَ صِفَتكَ عَلَى الكتابِ.

وقولُكَ: «لَعلَّ أَقدَمَ مَنْ تَناولَ هَذا المَوضوعَ»…غَلطٌ، والصَّوابُ أَنْ تَقولَ: لَعلَّ أَوَّلَ مَنْ تكلَّمَ([8]) فـي هذا الموضوعَ هُو الفَرَّاءُ.

ثُمَّ يتابعُ حديثَه عَنِ الفَرَّاءِ بِقولِه: « وابتدأَ– الفَرَّاءُ- قَولَه بتقريرِ الأصلِ فِي اللُّغةِ، وهُو المُطابَقةُ يُقَالُ:« رَجُلٌ كريمٌ»، و« امرأةٌ كَريمَةٌ».

وأَقولُ: إذا كَانَ الأصْلِ فِي اللُّغةِ هُو المُطابَقةُ يُقَالُ:« رَجُلٌ كريمٌ»، و« امْرأةٌ كَريمَةٌ»؛ فَلِمَ سَخِرْتَ مِمَّنْ قَالَ بِه ؟-بقَولِكَ:« وهُو مِمَّا يُشْكِلُ لِمَنْ لا يَعْرِفُ عِلَّتَه، وقَاعِدتَه، فيضطَرِبُ بينَ المُطَابقةِ، والمُخَالفةِ، ويَتخبَّطُ فيه عَلَى غَيرِ هُدًى».

إذا كنتَ لا تَستَطيعُ أَنْ تُقيمَ جُمْلةً فكيفَ تَجَرأْتَ عَلَى تَخْطئةِ العُلمَاءِ الَّذين أَجْمَعوا عَلَى عَدمِ تذكيرِ الألقَابِ العِلميَّـةِ للأنثَى فِـي مَجْمَعِ اللُّغةِ العَربيَّـةِ؟

ثم تابعَ المؤلِّفُ حَديثَه قَائلًا: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَمَّامٍ السَّلُولِيِّ:

ولو جاؤُوا برَمْلةَ أَو بهنْدٍ لبايَعْنا أَميرةَ مُؤْمنينا

وأقولُ:إنَّ البيتَ الذي استشهدَ بِه الفرَّاءُ حُجَّةٌ عَليكَ لا لكَ؛ لأنَّ الشَّاعرَ قَالَ: أَميرةَ مُؤْمنينا، ولم يَقُلْ: أَميرَ مُؤْمنينا.

قَالَ ابنُ منظور فِـي لسَانِ العَربِ: « وَقَدْ أَمِرَ فُلَانٌ وأَمُرَ، بِالضَّمِّ، أَي صارَ أَميرًا، والأُنثى بِالْهَاءِ؛ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَمَّامٍ السَّلُولِيِّ:

ولَوْ جَاؤُوا برَمْلةَ أَو بهنْدٍ لبايَعْنا أَميرةَ مُؤْمنينا

يقولُ المُؤلِّفُ: « وعِلةُ التَّذكيرُهِيَ: أَنْ تِلْكِ الصِّفاتِ، أَو الألقَابِ تَشيعُ فـي الرِّجالِ أكثرُ مِنَ النِّساءِ…

وأقولُ:قولُكَ: تَشيعُ فـي الرِّجالِ…كَلمةُ: تَشيعُ فِي الرِّجالِ خَطَأٌ، والصَّوابُ: أَنْ تَقولَ: تكثرُ؛ لأنَّ: شَاعَ الشَّيءُ يَشِيعُ بمَعْنَى: ظَهرَ.

وهذه العِلَّةُ التي ذكرتَها لم تَعُدْ مَوجُودةً فِـي عَصْرنَا؛ ففي كلياتِ البناتِ تكثرُ النِّساءُ، ويَقلُّ الرِّجالُ، وعندَمَا كُنتُ أدَرِّسُ في جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض كانتِ الطَّالباتُ الدَّارِسَاتُ أكثرَ بكثيرٍ مِنَ الطُّلابِ الدَّارسين، وكُنْتُ أسألُ الطُّلابَ عَنْ سببِ غيابهم، وكنتُ أُخبرهُم بحرصِ الطَّالباتِ عَلى الحُضور، وفَهْمِ العِلْمِ فيقولونَ لي: يا شيخ! هُنَّ فاضياتٌ، وإنْ سلَّمنا جَدلًا بصحةِ قولكَ فالكلمَاتُ التي ذكرها الفَرَّاءُ مَسمُوعةٌ منِ العَربِ.

يَقولُ المُؤلِّفُ: ثُمَّ أَصدرَ مَجمعُ اللغةِ العربيَّـةِ فـي القاهرة عام 1978 قرارًا يقضي بعدم جَواز وَصْفِ المَرأةِ دُونَ عَلامةِ التَّأنيثِ فـي الألقابِ، والمَناصبَ، والأعمالِ، ونَصُّ قَرارِه: « لا يَجوزُ فـي أَلقابِ المناصبِ، والأعمالِ اسمًا كانَ ، أَو صفةً أَنْ يوصفَ المُؤنَّثُ بالتَّذكيرِ، فلا يُقالُ فُلانةٌ أستاذٌ، أَو عُضْوٌ، أَو رَئيسٌ ، أَو مُديرٌ»، ولكنْ مَا ذَهبَ إليه المَجمعُ مِنْ مَنْعِ ذلكَ يُخالفُ مَا رواه الفَرَّاءُ، …بوجوبِ التَّذكير.

وأَقولُ:رَفْضُكَ لكلام مَجمعِ اللغةِ العربيَّـةِ جُرأَة ٌمنكَ عَلَى العُلمَاء؛ لأنَّكَ – وإنْ لَمْ تَقْصِدْ ذلكَ- فقَدْ وَصَفْتَهُمْ بالجَهْلِ. إذْ كيفَ يُجْمِعُونَ عَلَى خَطأ؟ أَليسَ مِنْهُمْ رَجُلٌ رَشيدٌ؟

أَسألُ الله أَنْ يجزيَكَ خيرًا عَلى اجتهادكَ فأنْتَ – إنْ شَاءَ الله- مأجُورٌ؛ لكنَّك أَخطأتَ؛ لأنَّ ما ذكرتَه لَمْ تتكلم بِه العَربُ، بل هو مِنْ كَلامِ المُعاصرين الَّذين أَتوا بَعْدَ عَصْرِ الاحِتجاجِ، فَلا يُعتدُّ بكلامهم، ولا أَدلَّ عَلى ذَلِكَ مِنْ رَفْضِ عُلمَاءِ العربيةِ الاستشهادَ بكلامِ المُتنبي رغم فحولته فِـي الشِّعْرِ بِسببِ مَجيئِه بَعْدَ عَصْرِ الاحْتجاجِ فكانوا يَسْتأنسونَ بِشِعْره، ولا يَستشهدونَ بِه. قَالَ المُتنبي:

أُحَادٌ أَمْ سُداسٌ فِي أُحَادٍ لُيَيْلَتُنَا المَنُوطةُ بِالتَّنَادي

قَالَ ابنُ هِشَام: « وَاعْلَم أَن هَذَا الْبَيْت اشْتَمَل عَلَى لَحَنَاتٍ اسْتِعْمَالُ أُحادَ، وسُدَاسَ بِمَعْنَى وَاحِدَة، وسِتٍ وَإِنَّمَا هُما بِمَعْنى وَاحِدَة وَاحِدَة وسِتٍ سِتٍّ وَاسْتِعْمَالُ سُداسَ، وَأَكْثَرهُم يَأباه، ويَخُصُّ الْعدَدَ المَعدولِ بِمَا دُونَ الْخَمْسَةِ، وتَصغيرُ لَيْلَة عَلَى لُيَيْلةٍ، وَإِنَّمَا صَغَّرتهَا الْعَرَبُ عَلى لُيَيْليَّـة بِزِيَادَة الْيَاءِ عَلَى غَيرِ قِيَاسٍ».

وقَالَ أَيضًا: والعَامَّةُ تَقولُ: تَعَالِي- بكَسْرِ اللَّامِ-، وعَليهِ قَولُ بَعْضِ المُحدثينَ: فـي شِعْرِ أَبي فِراسِ الحَمَدانـي:

أَقولُ وقَدْ نَاحَتْ بِجَنْبِي حَمامةٌ أيَا جَارتَا هَلْ تَشْعِرينَ بحالي؟
أيَا جَارتَا مَا أَنصَفَ الدَّهْرُ بَيْنَنَا تَعَالِي أُقاسِمْكِ الهُمومَ تَعَالِي

والصَّوابُ الفَتْحُ، قَالَ الله تَعَالى: ﴿فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ﴾ [الأحزاب: 28]

ومَا رَواه الفَرَّاءُ كَلامٌ مَسمُوعٌ مِن العَربِ، وهو مَوجودٌ فـي كُتبِ المَعاجِمِ:

قَالَ صاحِبُ المصباح المنير([9])«وَالْإِمَامُ الْخَلِيفَةُ وَالْإِمَامُ الْعَالِمُ الْمُقْتَدَى بِهِ وَالْإِمَامُ مَنْ يُؤْتَمُّ بِهِ فِي الصَّلَاةِ وَيُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى قَالَ بَعْضُهُمْ وَرُبَّمَا أُنِّثَ إمَامُ الصَّلَاةِ بِالْهَاءِ فَقِيلَ امْرَأَةٌ إمَامَةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْهَاءُ فِيهَا خَطَأٌ وَالصَّوَابُ حَذْفُهَا لِأنَّ الْإِمَامَ اسْمٌ لَا صِفَةٌ وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا مَا حَكَاهُ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي كِتَابِ الْمَقْصُورِوَالْمَمْدُودِ تَقُولُ لِلْعَرَبِ عَامِلُنَا امْرَأَةٌ وَأَمِيرُنَا امْرَأَةٌ وَفُلَانَةُ وَصِيُّفُ لَانٍ وَفُلَانَةُ وَكِيلُ فُلَانٍ قَالَ: وَإِنَّمَا ذُكِّرَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الرِّجَالِ أَكْثَرُ مِمَّا يَكُونُ فِي النِّسَاءِ فَلَمَّا احْتَاجُوا إلَيْهِ فِي النِّسَاءِ أَجْرَوْهُ عَلَى الْأَكْثَرِ فِي مَوْضِعِهِ وَأَنْتَ قَائِلٌ مُؤَذِّنُ بَنِي فُلَانٍ امْرَأَةٌ وَفُلَانَةُ شَاهِدٌ بِكَذَا لِأَنَّ هَذَا يَكْثُرُ فِي الرِّجَالِ وَيَقِلُّ فِي النِّسَاءِ».

أخي الكريم:

اسْمَعْ -هُدِيْتَ الرُّشْدَ- مَا أَقُولُ وَافْهَمْهُ فَهْمَ مَنْ لَهُ مَعْقُولُ

قَالَ: الهَرويُّ -رضي الله عنه- فـي كتابه: (إسفار الفصيح([10])) « عَقَدَ ثَعْلَبٌ أَربعةَ أَبوابٍ فـي فَصيحِه تَدورُ حولَ ظَاهرةِ التَّذكيرِ، والتَّأنيثِ، ولَمْ يَقْصِرِ الشَّارحُ حَديثَه عَلى الألفَاظِ الوَاردةِ فـي هَذِه الأبوابِ، بَلْ أَشارَ إلى عَددٍ مِنَ الألفَاظِ الَّتي تَندرجُ تَحْتَ هَذه الظَّاهرةِ فـي مواضِعَ أُخْرَى مِنْ الكتابِ، ويُمكنُ إجْمَالَ كُلِّ مَا أَشارَ إليْهِ فيمَا يَلِي:

(1) أَلفَاظٌ سَمَاعيَّــةٌ مُؤنثَـةٌ لا غَيرُ كـ(الإصبعِ)، والكَبدِ)، و(الفَخِذِ)، والذِّراعِ، والرَّحى.

(2)  ألفاظٌ سَماعيَّـةُ تُذكَّـرُ وتُؤنَّثُ، كَالسَّراويلِ، والسِّكينِ، والعُنْق، والهُدَى.

(3)  ألفَاظٌ مُشتقةٌ لا تَلحَقُها عَلامةُ التَّأنيثِ؛ لأنها صِفاتٌ، أَو أَسمَاءٌ خَاصَّةٌ بالمُؤنَّثِ نَحْوُ: امرأةٌ طَالِقٌ، وحَائِضٌ، وعجوز، أو لاستغنائِها بذكْـرِ الاسمِ المَوصوفِ عَنْ عَلامةِ التَّأنيثِ نَحْوُ: امرأةٍ قَتيلٍ، وصَبورٍ، وشَكورٍ.

(4) ألفاظٌ يَشتركُ فيهَا المُذكَّـرُ والمُؤنَّثُ، ولا يَجوزُ تأنيثُها؛ لأنَّها مَصَادرُ وُصِفَ بِهَا نَحْوُ: خَصْمٍ، وضَيفٍ، ودَنِفٍ.

(5) ألفاظٌ جَاءَتْ بالتَّاءِ في وَصْفِ المُؤنَّثِ، والمُذكَّـرِ للمُبالغةِ، نَحْوُ مَلولةٍ، وصَرورَةٍ وهَذرة.

(6) ألفاظٌ جَاءتْ بالتَّاء في وَصْفِ المُذكَّـرِ للمُبالغةِ، نَحْوُ: رَجُلٍ رَاويةٍ، وعَلَّامة، ونَسَّابة.

(7)  ألفاظٌ الهَاءُ فيها أَصليَّـةٌ، وليْسَتْ للتَّأنيثِ، نَحْوُ: مِياه، وشِياه، وعِضاه.

(8)  أَلفاظٌ تَلحقُها تَاءُ التَّأنيثِ؛ للفَرقِ بينَ الوَاحدِ مِنَ الجِنْسِ، وجَمْعِه، وذكَر مِنْ ذَلِكَ ألفاظًا كثيرةً، نَحْوُ: نَواةٌ، وتمرةٌ، وبِضعةٌ، وحَمامةٌ، وأيكةٌ، وريطة.

(9) ألفاظٌ مؤنثةٌ عَلى غَيرِ قياسٍ، وذكَر منها لَفْظًا وَاحِدًا، وهُو: إحدى بِمَعْنى وَاحدة.

وقَدْ وَضَّحَ بَعْضَ الأحكامِ الخاصَّةِ بالتَّذكيرِ، والتَّأنيثِ، فأشَارَ إلى حُكْمِ دُخولِ الهَاءِ عَلى (فعيل) إنْ كانَ اسمًا، وسَقوطِه منه إنْ كَانَ صِفةً، فَقالَ: « وكذلكَ امْرأةٌ قتيلٌ بِغير هَاءٍ أَيضًا: بمَعْنَى مَقتولةٍ؛ لأنَّك ذكَرتْ امرأةً قَبلَ هَذا النَّعْتِ، فَاستغنيتَ بذكْرهَا عَنْ إتيانِ الهَاءِ في نعتها، وكذلكَ جَميعُ مَا أَتى مِنَ النُّعوتِ عَلى فِعيل بِمَعْنَى مَفعولٍ، وقَدْ تَقدَّمها ذكْرُ الأسماءِ المنعوتةِ، فإنَّها تَجري في حَذفِ الهَاءِ هَذا المَجْرَى، نَحْوُ: كفٌّ خَضيبٌ، وعَينٌ كحيلٌ، ولحيةٌ دَهينٌ، وإنَّما لَمْ يُثبتُوا الهَاء في هَذا؛ لأنه مَعدولٌ عَنْ جِهتِه؛ لأنهم عَدلوا مِنْ مفعولٍ إلى فعيلٍ…. وإذا أَفْردَتَ النَّعْتَ مِنَ المَنعوتِ جِئْتَ بِالهاءِ، فقُلْتَ: رَأيتُ قَتيلةً، ولَمْ تَذكرِ امرأةً، وأدخَلْتَ فيه الهَاءِ، لتفرِّقَ بِها بينَها، وبينَ المُذكَّـرِ، وكَذلِكَ إذا أَضَفْتَ، فتقولُ: قتيلةُ بني فُلان».

وعَنْ دخُولِ الهَاءِ في الاسْم يقولُ: «وهي أكيلةُ السَّبُعِ باليَاءِ: وهِي اسمُ الشَّاةِ التي أَكلَها؛ فلذلكَ دخلتها هَاءُ التَّأنيثِ؛ لأنَّها اسمٌ، ولَيْسَتْ بصفةٍ، ولو كانتْ صفةً لَمْ تدخُلْها الهَاءُ.

وما أَجملَ قَولَ الـمَازِنيِّ -رحمه الله-: « … وحَضَرْتُ يوماً آخَـرَ، وقَـدِ اجتمعَ جَمَاعةٌ مِنْ نَحويي الكُوفةِ، فقالَ لَي الوَاثِـقُ: يَا مَازِنـيُّ! هَاتِ مَسْألةً؛ فَقُلْتُ: مَا تَقولونَ فـي قَولِ الله ۵﴿وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ﴾ [مريم: 28] لِمَ لَمْ يَقُلْ: « بَغِيَّـةً» وهِي صِفَةٌ لمُؤنَّثٍ؟ فَأجَابوا بجَواباتٍ لَيْسَتْ بمُرضِيَةٍ، فَقالَ لي الوَاثقُ: هَاتِ الجَوابَ. فقُلْتُ: يَا أَميرَ المُؤمنينَ! لَو كَانَتْ بِغيٌّ عَلَى تَقديرِ فِعيلٍ بِمَعْنَى فَاعلةٍ لَحِقَتْهَا الهَاءُ مِثلُ كَريمةٍ، وظَريفةٍ، وإنَّما تُحْذَفُ الهَاءُ إذا كَانَتْ بِمَعْنَى مَفْعولةٍ نَحْوُ: امْرأةٍ قَتيلٍ، وكَفٍ خَضِيْبٍ، وتَقديرُ بِغيٍّ هَا هُنا لَيْسَ بِفَعيل، إنَّما هُو فَعولُ، وفَعُولٌ لا يَلحقُه الهَاءُ فـي وَصْفِ التَّأنيثِ، نَحْوُ: امْرأةٍ شَكورٍ، وبِئْـرٍ شَطُونٍ، إذا كَانَتْ بَعيدةَ الرِّشاءِ، وتَقديرُ بَغِيّ بَغَويٌ، قُلِبَتِ الوَاوُ يَاءً، ثُمَّ أُدغِمَتِ اليَاءُ فـي اليَاءِ نَحْوُ: سَيِّـدٍ ومَيِّتٍ؛ فاستَحْسَنَ الجَوابَ. ثُمَّ أَتيتُه، فَاستأذَنْتُه فـي الخُروجِ، فَقالَ: هَلَّا أَقمْتَ عِنْدَنا؟ فَقُلْتُ: يا أَميرَ المُؤمنينَ! لِي بُنيَّـةٌ أُشْفِقُ أَنْ أَغِيبَ عَنْهَا».

واللهَ أَسألُ أَنْ يَعْصِمَنا مِنَ الزَّللْ، ويَهديَــنَا إلَى صَالِح القَولِ، والعَمَلْ»

***

([1])هَذَا اسْمٌ وَهْـمِيٌ.

([2])[آل عمران: 36]

([3]) مَصروفة؛ لأنها جمعُ اسمٍ قَالَ الله تعالى: ﴿أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا﴾ [الأعراف: 71]

([4]) لي صديقانِ كُلٌ مِنْهُمَا اسمُه (رِضَا) ولـي زميلة تُدِّرِسُ مِعي عِلْمَ النَّحوِ لطلبة الدراسات العُليا. فكيفَ نُفرِّقُ بينَ المُذكَّـرِ، والمُؤنَّثِ؟ ﴿إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ﴾ [هود: 72]

([5]) قَالَ ابنُ جنِّي فِـي: اللُّمَعِ- « إِن كَانَ الْفَاعِل مؤنثًا  جِئْتَ فِي الْفِعْلِ بعلامةِ التَّأْنِيثِ تَقولُ: قَامَتْ هِنْدٌ وَقَعَدتْ جُمْلٌ فَالتَّاءُ عَلامَةُ التَّأْنِيثِ، فَإِن كَانَ التَّأْنِيثُ غيرَ حَقِيقِيٍّ كنتَ فِي إِلْحَاقِ التَّاءِ، وَتركهَا مُخَيَّرا تَقولُ: حَسُنَتْ دَارُكَ، واضْطَرمَتْ نارُكَ، وَإِنْ شِئْتَ حَسُنَ، واضْطَرمَ، إِلَّا أَنَّ إلحاقَها أَحْسَنُ مِنْ حَذفهَا فَإِنْ فَصَلْتَ بَينَ الْفِعْلِ، وَالْفَاعِل ازْدَادَ تَركُ الْعَلامَةِ حُسْنًا تَقولُ: حَسُنَ اليومَ دارُكَ، واضْطرمَ اللَّيْلَةَ نارُكَ.» اللمع في العربية لابن جني (ص: 32)

([6])لا أَدري سَببَ نَصبِكَ لـكلمةِ (مُشْرِفًا)..  لا يجوزُ إعرابُها حالًا؛ لأنَّ الْحَالَ عِبارَةٌ عَمَّا اجْتمعَ فِيهِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ:

أَحدهَا: أَن يكونَ وَصْفًا، وَالثَّانِي: أَن يكونَ فَضْلةً، وَالثَّالِثُ: أَنْ يكونَ صَالحًا للوقوعِ فِي جَوَابِ كَيفَ، قالَ الله تعالى:﴿ فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا﴾ [طه: 86]قَالَ ابنُ مالكٍ-رحمه الله-:

الْحَالُ وَصْفٌ فَضْلَةٌ مُنْتَصِبُ مُفْهِمُ فِي حَالِ كَفَرْدًا أَذْهَبُ

ولا يَجوزُ إعْرَابُها تَمييزًا؛ لأنَّ التَّمْيِيزَ هُوَ اسْمٌ نكرَةٌ فضلَةٌ يَرفعُ إبهامَ اسْمٍ، أَو إجْمَالَ نِسْبَـةٍ ولا يَجُوزُ أَنْ تُعربَ مَفْعولًا به؛ لأنَّ الْمَفْعُولَ بِهِ هُوَ مَا وَقعَ عَلَيْهِ فِعْلِ الْفَاعِل كـ« ضَربْتُ زيدًا»، ولا يَجُوزُ أَنْ تكُونَ منصوبةً عَلَى نَزعِ الخَافِضِ؛ لأنَّـه مَقْصُورٌ عَلَى السَّماعِ.

قَالَ ابنُ السَّراجِ: «واعْلَمْ: أنَّه لَيْسَ كُلُّ فِعْلٍ يتعدَّى بِحرفِ جَـرٍ لَكَ أَنْ تَحذِفَ حَرفَ الجَرِّ منه، وتُعدِّي الفِعْلَ، إنَّما هَذا يَجوزُ فيمَا اسْتَعْمَلوه وأُخِذَ سَمَاعًا عَنْهُمْ»

ومِنْ ذَلِكَ قَولُ سِيبويهِ فِـي بَابِ المَنصوباتِ: قَالَ عبَّاسُ بنُ مِرداسَ:

أَمرتُكَ الخيرَ فافْعَلْ ما أُمِرْتَ به فَقَدْ جَعَلْتُكَ ذا مَالٍ وذا نشَبِ

الشَّاهِدُ فيه حَذْفِ حَرفِ الجَرِّ، وتَعديةِ الفِعْلِ إلى (الخَيرِ) بِنَفْسِه، وأَصلُه أَمرتُكَبالخيرِ.

([7]) عنوانُ البَحْثِ غَلَطٌ؛ لأنَّ كلمة ( تذكيرُ ) تعرب مبتدأً، والألقاب : مضاف إليه، والعلمية صفة، وللإناث جارٌ، ومجرور متعلقان بـ(تذكير) فالخبر غير موجودٌ، وهذا مخالفٌ للصناعة النحوية؛ لأنه كلامٌ غيرُ مُفيدٍ فَائدةً يَحْسُنُالسُّكُوتُ عَليها، قَالَ ابنُ مالكٍ-رحمه الله-:

وَالْخَبَرُ الْجُزْءُ الْمُتِمُّ الفَائِدَهْ كَاللهُ بَرٌّ وَالأيَادِي شَاهِدَه

قَدْ يَقولُ قائلٌ: يمكن أَن تُعْرَبَ كَلمةُ (تذكير) خبرًا لمبتدأ مَحذوفٍ، تقديره: هَذا تَذكيرُ الألقابِ، وأَقولُ: هَذا غلطٌ؛ لأنَّ كَلمةَ (هذا) لا يُشارُ بها إلى تذكير، وإنَّمَا يُشار بها إلى (ذِكْر) قال تعالى:﴿ هَذَا ذِكْرٌ﴾ [ص: 49].

([8]) قال الخليل فـي كتابه: العين (5/ 164) تَناوَلَ شَيءٌ يُرمَى بِه إليْكَ.

([9]) فـي غريب الشرح الكبير (1/ 23).

([10]) المُتوفـى: (433هـ).

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu